العظمة لمن , ما رايكم ؟
في قديم الزمان وفي احد الازمنة منه , كانت المشاعر و الحواس المهمة تعيش في جزيرة خلابة , ومن هذه الاحاسيس الفرح , الهم , الغرور , العشق و...
وفي احد الايام انتشر خبر يقول : ان الجزيرة الخلابة سرعان ما تغرق .
وما ان سمع الساكنون هذا الخبر , حتى تسارعوا لأِنقاذ انفسهم , وسرعان ماانطلقت بهم الزوارق في عرض البحر وطوله, تاركين الجزيرة خلفهم وبوادر الغرق بالتدريج ظهرت عليها , الا العشق فضل ان يبقى للحظات الاخيرة في الجزيرة لانه كان عاشقها , فكان يرقب غطسها في المياه بهدؤ . وما ان بدأ اكتمال غرق الجزيرة فانتبه كيما ينقذ نفسه , فلمح العشقُ الثروةَ وقد تركت الجزيرة بزورق مجلل فناداها:
الا تساعديني بالركوب لأرافقك بالسفر ؟
فأجابت الثروة : اعتذر اليك , كلّا كلا , لا استطعْ ,لان زورقي محمل بثروتي الفائقة من الذهب والفضة وليس هناك مكان فارغ اليك , عليك ان تطلب من غيري علّه يساعدك .
عندها التفت العشق ليجد الغرور على مسافة منه وهو متجه الى مكان امن كعادته, بزورقه الجميل فخاطبه: ارجوك ساعدني واصحبني معك .
فرد الغرور : لا يمكنني ذلك , لانّ كل جسدك مبلل , وقد تلوّث بوحلِ الجزيرة , وستلوث زورقي, علّكَ تجد غيري يصحبك ولا يهتم لذلك .
وفي تلك الحظة كان الهمّ على مقربة من العشق,فوجه العشق له الخطاب : اتجيز لي ان ارفقك ؟
فقال الهمّ بنبرة خزينة : اهٍ , ايها العشق لابد ان تدرك انني بسبب ما حدث مهموم جداً , ولذلك فانا بحاجة لأعتكاف مع نفسي على انفراد بها , عليك بان تفتش عن غيري لمساعدتك .
وعندها العشق تذكر الفرح فتوجه نحوه ليجده في صخب وانفعال كعادته , فناداه , ولكن دون جدوى وعندها هتف به بصوت عال , وايضا غرق صوته في صدى سرور الفرح , حيث كان الفرح غارقا في مسرته دون سبب كما غرقت الجزيرة , فلم يسمع طلب نجدة العشق .
وفجئة تردد صوت شيخ مسن وهو يقول :هيّا ايها العشق ساصطحبك معي .
فسعد العشق الى مستوى بحيث غفل عن السؤال حول اسم مساعده من هذه الشدة, وسرعان ما انتشل نفسه والقاها في زورق الشيخ المسن بمساعدته , وهما يبتعدان عن موقع غرق الجزيرة بألم. وبعدما وصلا الى مكان امين من اليابسة , فنزل اليها العشق بتعب دون ان يلحظ ابتعاد زورق من نجّاه , وعندها انتبه العشق بانه كم هو مديون لفضل هذا الشيخ المسن لانه انقذ وجوده من الهلاك, فلم تجد هتافاته وصرخاته فائدة وهو يطلب منه الاستماع كي يشكره او على الاقل يعرف من هو ؟
فمكث بحيرته مكتئبا , ليجد العلمَ الى جواره وقد نجا بنفسه من الغرق فوجه له السؤال:
ايها العلم من كان ذلك؟
فأجاب العلمُ بتسائل : عجيب لا تعرفه ولابد ان اعلمك بحثا علميا كي تتعرف عليه
وهنا قاطعتهم الذكرى وهي تلملم نفسها من كارثة الغرق: لا تتفلسف عليه , يكفيه ما به وقد تخاذل الجميع من انقاذه , ساقول لك من له الفضل بانقاذك.
فقاطعها العلم: لابد ان اشرح له
فردت الذكرى: الامر بسيط لايحتاج لشرح
وهنا صرخ العشق: ارجوكما
فسارعت الذكرى: انه الزمن
فزادت حيرة العشق من الجواب وتاكيد العلم بهز راسه مؤكدا: نعم انه الزمن
وتسائل العشق بدهشة اكبر: الزمن , ولماذا هو الوحيد دون الاخرين من صحبي قد ساعدني, ولم اكن اراه وهو شيخ كبير , واعرف انه ليس من سكنة الجزيرة , وكنت اسمع انه يزورها ضيفا ؟
فابتسم العلم ابتسامة عارف وقال : الم اقل عليك الاطلاع على المعارف لما جرى ويجري .
فقاطعته الذكرى موضحة : كفاك ادعاء ياعلم , اسمع ايها العشق , ان الزمن هو الوحيد القادر على ادراك ماانت , اي ادراك عظمة العشق .
فبقى العشق بحيرته , فهو لا يعرف سببا للعظمة ولكن يعرف سبب جوده , وكان ذلك اهم عنده من انه يعرف نفسه . فانطلق دون جدل الى العالم الجديد في وسط هذه المواكب من سكنة الجزيرة الغارقة , وهو يسمع العلم هاتفا بالجموع التي انقذت نفسها من الغرق , ولكن استمر في سبيله , وما زال يسمع ترددات اقاويل الجمع وصدى العلم وهو يقول:
ما رايكم بما سمعتم وما فعل الزمن من دوننا ؟.
..........................................
علي إبراهيم
11/01/2010