يخطأ كل من يعتقد ان ما يحصل في ايران اليوم هو مجرد زوبعة عابرة او انها مجرد سحابة صيف سرعان ما تنقشع ,والحقيقة ان ما حصل ويحصل في ايران اليوم صراع يمتد في جذوره و عمره الى ما قبل الانتخابات الاخيرة بكثير.
قد يكون صراعا بين شبيهين متقاربين يشتركان بالكثيرمن الايديولوجيات والمفاهيم التي اتت بها الثورة ضد الشاه اي انهما لا يختلفان على اساسيات الحكم وطريقته وانهما ينبعان من مدرسة واحدة هي مدرسة ولاية الفقه
مع هذا فان هذا الصراع من الاهمية والخطورة بمكان كونه يمثل صراعا بين جيلين مختلفين وخطيين مختلفين وان كانا ينبعان من نفس المدرسة
من وجهة نظري الخاصة فان هذا الصراع ما هو الا اختلاف جوهري بين فئتيين تحاول كلتاهما تطبيق التعاليم الدينية والفقهية على الواقع السياسي الداخلي والخارجي ولكن من زاويتيين مختلفتيين تحاول احداهما السيطرة الكلية على مقاليد الحكم ولو بالحديد والنار ولو بالتزوير والبهتان وتصدير افكارها الى الخارج وافتعال الازمات وغلق منافذ الحوار مع الغير حتى مع بني جنسهم والتشدد في كل شئ مستندين في تشددهم هذا على شرعية يؤمنون بها هم وحدهم هي تأييد الولي الفقيه لهم ضاربين عرض الحائط باراء الشارع وهؤلاء وان كانت تبتلي بهم الساحة الايرانية اليوم ولكنهم يشبهون كل الشبه امثالهم من مغتصبي الثورات وسارقي الانتصارات في كل العالم وفي كل بقعة اخرى وهم في تشددهم يشبهون كل الشبه المتشددين السلفيين والبعثيين والنازيين لا يختلفون عنهم الا في الزمان والمكان ولكنهم هم هم في الضرر الذي يلحقونه بدولهم وشعوبهم ومناطقهم فلا يكمن باي شكل من الاشكال اغفال الضرر الملحق تحت حكم هؤلاء المتشددين ليس بايران فحسب وانما الضرر الملحق بالعراق الجارة ( كمثال) لايران نتيجة الاختلاف والتباعد بالرؤى بين حكام ايران المتشددين واميركا وانعكاسات هذا الاختلاف على الواقع العراقي واللبناني وحتى الفلسطيني لذلك اقول ان الصراع الداخلي الايراني اليوم وان كان شأننا ايرانيا داخليا ولكنه باي حال من الاحوال سوف يلقي بضلاله على المنطقة ككل.
وفي المقابل فأن الاصلاحيين وان كانوا يختلفون مع المتشددين في التطبيق ويتفقون معهم في التنظير فأن ذلك لا يعني ان هذا الاختلاف لا يمكن ان يتطور لاحقا ليصل الى الاختلاف في التنظير واصلاح الكثير من الاعوجاج في طريقة الحكم واهمها نظرية ولاية الفقيه المختلف عليها فقهيا فلا يختلف اثنين على ان مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة ومن وجهة نظري فأن المظاهرات العارمة التي قامت في طهران العاصمة وفي مدن حاضرة اخرىومنها قم التي هي معقل علماء الدين لهي خطوات وليست مجرد خطوة في مسيرة التغيير والاصلاح وهي ثورة في رحم الثورة الايرانية التي قامت بالاساس ضد قوى الدكتاتورية والتسلط وبرأي الشخصي فأن الشعب الايراني يمتلك من القوة والصلابة ما يمكنه من الوقوف بوجه اعتى المتسلطين
,كما ان هذه المظاهرات ليست وليدة اللحظة او اليوم وانما هي نتيجة تراكمات تمتد لسنين طويله وخير دليل هو ما حصل من الاختلاف في البرلمان الايراني قبل خمس سنين ولولا تدخل المرشد الاعلى علي الخامنئي شخصيا ودعوته لانهاء المشكلة وانهاء اعتصام البرلمانيين الاصلاحيين الذين يمتلكون قاعدة شعبية لابأس بها ان لم تشكل الاغلبية لكانت هناك امور اخرى.
ولو اردنا مناقشة اسباب هذا الاختلاف وهذه الازمة بتجرد من العاطفة وبحيادية وبمنطق العقل فاننا نصل الى نتيجة مهمة على كل الاصعدة فعلى الصعيد الايراني الداخلي نجد ان المواطن الايراني قد مل الشعارات الجوفاء والحماس الثوري لمعادات الغرب والذي لم يجني منه الشعب الايراني الا الخسائر واشكال من الحصار الاقتصادي الذي ادى الى خسائر اقتصادية لا يستهان بها على مستوى الاقتصاد الايراني ككل او على المستوى المعاشي للفرد ,كذلك فان توجيه عجلة الاقتصاد نحو القطاع العسكري وتوجيه موارد النفط للقطاعات العسكرية ادى الى ضعف النمو الاقتصادي وهذا بدوره ادى الى قلة فرص العمل ومن ثم ازدياد نسبة البطالة ,كما ان تقييد الحريات الشخصية من قبل المتشددين ادى الى ان يتوجه الشارع الايراني بوجهه صوب الاصلاحيين على امل الخلاص من القيود المفروضة على جميع الحريات .اما على الصعيد الدولي فأن ايران كانت وما زالت تعاني من شبه عزلة دولية كما ان المواطن الايراني عانى ويعاني من النظرات المشبوهة التي ينظرها اليه المجتمع الدولي واين ما حط رحاله فأنه محل شبهة والسبب هو السياسات والتصريحات النارية التي ما اجدت ولا نفعت وانما كانت وبالا على ايران والايرانين وهذه النظرات المشبوهة لا تقتصر على الدول الغربية فحسب بل تتعداها لتصل الى دول الجوارالايراني التي باتت تشك بكل الايرانيين وكنتيجة مباشرة لسياسات وتصريحات صبيانية لاتغني ولا تشبع.
من كل ما سبق نستنتج ان المظاهرات التي اجتاحت ايران كلها بعد صدور نتائج الانتخابات ما هي الا تعبير شعبي عن رفض لكل هذه السياسات المتشدده تجاه الداخل والخارج وانها تعبر عن رغبة داخلية محظة( ليس للخارج فيها اي بصمات)للتغيير, ورفض شعبي صريح لكل السياسات المتشدده ,كما انها توضح ان هذه الرغبة ليست وليدة اليوم وانما جائت بعد تراكمات خطئية بعيدة عن رغبات وتطلعات الشارع الايراني,كما انها برأيي الشخصي تورخ لمرحلة جديدة من تا ريخ ايران وربما المنطقة ككل.
ا