برلمان العراق يريد رئيسا "لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم"
بغداد "د ب أ" - غموض واتهامات متبادلة وإصرار على عدم التنازل عن مكتسبات سياسة المحاصصة الطائفية، تلك هي أسلحة النواب العراقيين في المعارك الطاحنة تحت قبة البرلمان العراقي منذ أكثر من شهر بحثا عن رئيس جديد للبرلمان على خلفية استقالة رئيسه السابق محمود المشهداني في 24 كانون أول / ديسمبر الماضي.
وتشهد أروقة البرلمان العراقي منذ شهر اجتماعات وحوارات ومفاوضات جانبية وموسعة من أجل التوصل إلى توافقات لتسمية رئيس جديد للبرلمان غير النائب أياد السامرائي عضو جبهة التوافق العراقية الذي يصر الحزب الإسلامي العراقي بزعامة نائب الرئيس طارق الهاشمي على ترشيحه للمنصب، وهو الأمر الذي يرفضه نحو نصف أعضاء البرلمان، أبرزهم نواب حزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي والصدريون وحزب الفضيلة وجبهة الحوار الوطني ويطالبون بأي مرشح أخر غير السامرائي.
وتعتبر جبهة التوافق العراقية أن منصب رئيس البرلمان من حصتها في إطار تقاسم السلطات التي بنيت على أساس المحاصصة الطائفية بتوزيع مناصب الرئاسات الثلاثة بين الشيعة والسنة والأكراد.
بيد ان نواب سنة يقولون إن جبهة التوافق حصلت على مكتسبات كبيرة في إطار المحاصصة الطائفية ومنها مثلا منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وعدد من المناصب الوزارية وبالتالي فإن منصب رئيس البرلمان يجب أن يسند لأحد النواب السنة من خارج جبهة التوافق العراقية وهو ما تؤيده كتل برلمانية بارزة أبرزها حزب الدعوة بزعامة المالكي.
وقال النائب أسامة النجيفي لوكالة الأنباء الألمانية "د. ب. أ" : "الخلافات داخل البرلمان العراقي حول تسمية رئيس للبرلمان مازالت شديدة واستبعد حصول توافق لإنهاء الأزمة التي أخذت بالاتساع يوما بعد أخر".
وأضاف: "البرلمان منقسم على بعضه وهذه مشكلة كبيرة ولا توجد إشارات في الأفق حاليا لحسم الموضوع واعتقد أن الحل الأنسب هو تقليص عدد المتنافسين ومن ثم التصويت على اختيار الأنسب".
وذكر النائب هاشم الطائي عضو جبهة التوافق أن نوابا في البرلمان العراقي يسعون إلى وصول "رئيس ضعيف للبرلمان ويكون نسخة مستنسخة للمجلس الوطني للنظام السابق".
وقال الطائي: "هناك إصرار من كتل سياسية مدعومة من الحكومة على أن لا يكون الرئيس قويا في مركزه السياسي بين الكتل النيابية وان المطلوب موظف حكومي يتناغم مع النفس الذي عليه الحكومة بحيث لا يستجوب وزير محسوب على رئيس الوزراء ولا تثار قضايا تمس الحكومة أو تخدش أو تثير حفيظتها وأن يعطي تعهدات بأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم".
وكان رئيس البرلمان محمود المشهداني تقدم بطلب في الرابع والعشرين من شهر كانون أول /ديسمبر الماضي للإحالة إلي التقاعد في جلسة استثنائية للبرلمان بعد أن طلب أعضاء في لجنتي الأمن والدفاع واللجنة القانونية إقالته من منصبه على خلفية المشادة التي حدثت بينه وبين أعضاء اللجنتين وإطلاقه عبارات مسيئة دفعت الكثير من أعضاء البرلمان للمطالبة باستقالته خلال جلسة عقدت لمناقشة قانون انسحاب القوات الأجنبية من العراق.
واقتصر الصراع في مرحلته الأولى بين النواب السنة الذين يبلغ عددهم 70 نائبا لأن منصب رئاسة البرلمان من حصة العرب السنة وفق إطار المحاصصة الطائفية لتقاسم المناصب السيادية التي بنيت عليها العملية السياسية في البلاد لكن الموضوع اتسع ليصبح قضية سياسية معقدة تدخلت فيها كتل نيابية كبرى في البرلمان ما أدى إلى تعطيل عمل البرلمان وبالتالي جعل جلساته مفتوحة.
وقال النائب المستقل عز الدين الدولة لـ " د.ب.أ" إن "الخلافات الحالية داخل البرلمان، سياسية بحتة وبين أطراف العملية السياسية وهي بمجملها صراعات تهدف إلى إبعاد هذا الطرف وتقريب طرف أخر ومصلحة الشعب مغيبة بالكامل".
وأضاف: "الخلافات داخل البرلمان أخذت طابع النزاعات الطائفية وابتعدت كثيرا عن المعيار الديمقراطي لحسم الموضوع ويبدو أن علينا أن ننتظر المفاجأة التي طالما تعودنا عليها لحسم الصراع داخل البرلمان عند مناقشة كل قضية مهمة".
ويتمسك الحزب الإسلامي، أبرز مكونات جبهة التوافق العراقية السنية، بالحصول على هذا المنصب فيما يصر مجلس الحوار الوطني العراقي بزعامة النائب خلف العليان على المنصب باعتبار أن المشهداني احد أعضاء المجلس الذين انسحبوا من جبهة التوافق وان المنصب من حصة مجلس الحوار.
وذكر النائب رشيد العزاوي عضو جبهة التوافق العراقية: "هناك ضغوط من قبل رؤساء الكتل البرلمانية تمارس على أعضاء كتلهم لكي يتغيبوا عن حضور جلسات البرلمان من اجل إخلال النصاب وبالتالي عدم إجراء التصويت على اختيار رئيس البرلمان".
وقال إن ما يجرى حاليا "صراع حقيقي بين من يريد أن يكون هناك مجلس نواب ضعيف وتابع لغيره ولا يمثل الشعب العراقي وبين من يريد أن يكون لمجلس النواب مكانته في العملية السياسية خلال العراق وهو ما ظهر في جلسات البرلمان".
ورأي النائب محمود عثمان عضو التحالف الكردستاني أن "الحل الامثل لحسم الخلاف هو ترشيح شخص بديل عن كل الأسماء المختلف عليها لان التأخير ليس من مصلحة البرلمان".
وقال: "الموقف غير منطقي داخل البرلمان لأننا كلما توصلنا إلى صيغة تنسف بسبب عدم حصول النصاب داخل البرلمان لان الرافضين ينسحبون وبالتالي تؤجل عملية التصويت".
وأوضح: "نواب حزب الدعوة بزعامة المالكي والصدريون والفضيلة وجبهة الحوار لا يؤيدون ترشيح السامرئي وبالتالي علينا البحث عن بديل غيره لان الإصرار عليه سيؤدي إلى تأخير عمل البرلمان".
ودعا النائب عبد الكريم السامرائي، عضو جبهة التوافق، البرلمان العراقي إلى الإسراع بالتصويت لتسمية رئيس جديد للبرلمان "لان هذا الموضوع أخذ أكثر من الوقت المطلوب".
وذكر السامرائي: "هناك أطراف تريد أن يبقى مجلس النواب مشلولا ولا يؤدي المهام الملقاة على عاتقه وهناك كتل مرتبطة بالحكومة من مصلحتها أن تأتي شخصية ضعيفة وهزيلة لكي يصادر قرار مجلس النواب كما كان سابقا أو بوجود خالد العطية الذي يهيمن على قرارات مجلس النواب منذ زمن".
ويبدو أن البرلمان العراقي سيحتاج إلى المزيد من الوقت لحسم موضوع تسمية رئيس جديد للبرلمان بسبب التباين الكبير في وجهات النظر والإصرار على عدم فقدان المكتسبات التي أسست لها المحاصصة الطائفية في بناء العملية السياسية في العراق.