غالبا ما يكون العنوان هو الضحية الأولى المنذورة على صفحات الكتابة بلا مناسبة ولا طقوس تستوجب ذلك وانما هو ضحية مجانية ، انه مثل جنود الحجابات المتقدمة يحسبون على الخسائر في سجلات الحروب في اكثر الأحيان !
فالعنوان كما هو معروف في النقد ثريا النص .
لكنه اصبح عندنا عبئا ثقيلا خصوصا بعد ان يؤدي صدمته كمفتتح قرائي ثم يتضاءل هذا التأثير مع الإستمرار في قراءة الكتابة المعروضة بحيث تكتشف في نهاية المطاف ان الباب الذي دخلت منه لم يكن هو المقصود ، حينها يصبح دخولك مثل نسيج الكتابة تعسفيا !
وغالبا ما تخذل حروف العنوان قصد الكاتب فعنوانه يشير الى اتجاه وكتابته تشير الى اتجاه آخر مضاد ولا نعلم ان كان سيلان اللغة هو الذي يقوده أم عقل الكلمات المفقود !

2

ثمة عناوين ترتدي الحياد ثوبا وتتظاهر بالبراءة الى اقصى الحدود وتبدو محرضة على الجدية والإكتشاف وخالية من النوايا المضمرة والغايات غير البريئة ولكنك ما ان تشرع بقراءة متن الكتابة حتى تكتشف بأن الكاتب اخذ بالتآمر على عنوانه واطفأ كل مصابيح الثريا المعلقة ثم استدرجته الكلمات الشائهة ، الممهدة للإنزلاق ، الى حشو لا طائل من ورائه .
فبعض هذه العناوين مثلا يشير ظاهرها الى تناول عقد جيلي كأن يكون ستيني او سبعيني او ثمانيني او تسعيني ولكنك ما ان تتورط بالقراءة حتى تجد بأن الكتابة تقودك الى خاص الكاتب و خاصته فهو وحده من يمثل هذا العقد وبعض اسماء اصدقائه المقربين !
وهناك عناوين توحي بأنها تتناول اسماء حقب زمنية كأن تكون ربع قرن مثلا ، ولكنك تجد في تضاعيف النص اسماء اخرى مصنّعة لاعلاقة لها بهذه الحقب ولا تعرف من اين قفزت ، والمصيبة ان الكثير من ذوي الشأن لم يسمع بها !
هل اذكركم بالببلوغرافيات التي يضعها البعض !!
الكاتب هنا يجعل من عنوانه حقلا لإستنبات اوهامه ويبطّنها بسواد يفضحه !
وهناك عناوين الإستذكارات ، فثمة استذكار تاريخي خالص يشير الى الوقائع والأشخاص بنزاهة وأخلاق رفيعة وثمة استذكار هو اشبه بالمحاكمة حيث يسوق المُستذكِر وقائعه المنتخبة ليست كما هي عليه وانما كما يريدها هو ، اذ يقفز التلفيق الى الواجهة وتتدخل الأنا في الصياغة ويصبح التجرد حقلا للإفتراء !

3

احيانا تكون المقدمة فخا يغوي القارئ لتمرير العنوان ، ولكن عند التحليل المختبري تخون الكاتب ادواته وتخذله نتائج التطبيق لأن المعاينة تمت في شروط مختلفة لا صلة لها بواقع الحال ، فللعنوان وساوسه ومكائده المفضوحة التي تفضي به الى خانق يصعب الخروج منه وغالبا ما تكون الكتابة التي تستتبعه محاولة للخروج من مأزقه !
الكتابة اذن غير واضحة من عنوانها !
وعنوانها هذا بحاجة الى عناوين اخرى وربما تحتشد العناوين دون ان نظفر بالفحوى والدالة والمبتغى ...
طالما انا واضح وحقيقي اذن انا عنوان..