المراة في بلاد الحرية المرأة والديقراطية
وكان طبيعياً بعد تنامي الحضارة الأوربية الماديّة الحديثة أن تنشأ ردود فعل معاكسة ضدّ المفاهيم اليهودية والكنيسة الهمجية الخرافية المتخلّفة، من قبل شعوب أوربا وأمريكا، وغيرها من الشعوب التي خضعت قروناً من الزمن لهذا التفكير.
وكان طبيعياً أن تتحطّم هذه النظرية عن المراةوعلاقتها بالرجل والحياة والحضارة، وكان طبيعياً أن تكوّن أوربا المادية نظريتها عن هذه الموضوعات على أساس موروثات اليونان والرومان الحضارية من جهة، وعلى أساس ردّ الفعل المعاكس لوضع المرأة المأساوي في ظلّ مجتمعها، الذي ورث مفاهيمه وقوانينه من المفاهيم اليهودية والمسيحية المشوّهة، فانبرت هذه النظرية تنادي بتحطيم المفاهيم الخرافيّة الباطلة التي كوّنتها تلك الحضارات المنحرفة والشاذّة، وترفع شعار الاباحية وتنادي بما يسمّى بتحرير المرأة.
مما أركس المرأة في ظلّ هذه الحضارة في أوحال السقوط، وشدّد خناق المأساة الاجتماعية من حولها، فلم يمهلها هذا التيّار فرصة الخروج من محنة الاحتقار والعبوديّة والاستهانة بانسانيتها حتى أسقطها في فوضى الاستمتاع الشهواني، وضياع المقاييس، وألم المعاناة والشقاء النفسي والعائلي، الذي مُنيت به على يد هذه الحضارة المريضة المهزوزة، فأصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار.
والذي يتابع أوضاع المرأة التي صنعتها هذه الحضارة في أوربا وأمريكا واليابان وروسيا وبقيّة أنحاء العالم المتأثّر بهذا التيّار المادي، يشاهد أوضاعاً شاذّة، ويلاحظ نتائج مؤلمة، ويدرك أنّ حضارة هذا الانسان الجاهلي ستنهار، وأن ركب هذه الحضارة يتعثّر في صحارى التيه والضياع، وأنّها تكرار لتجربة الأمم الجاهلية المنقرضة التي شخّص القرآن تجربتها بقوله:
[ كالّذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكُم كما استمتع الّذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعماُلُهم في الدُّنيا والآخرة وأولئك همُ الخاسرون]. (التوبه/69)
وعلى الرغم من دعاوى المدنية بتحرير المرأة، ونيلها حقوقها، ومساواتها بالرجل، إلاّ أنّ مشكلة المرأة والعلاقة مع الرجل والمجتمع أصبحت خطراً يهدد سعادة المرأة والأسرة والمجتمع، وصارت هذه الدعوات سبباً لشقاء المرأة ومسخ إنسانيّتها. وها هي الأرقام والاحصائيات تخرج علينا في كلّ يوم بحقائق مفزعة، ووضعيات مؤلمة، تشكّل بمجموعها صوت النذير، وارهاصات السقوط، وتفرض على إنسان هذه الحضارة أن يعُيد النظر في فهمه وتصوّره للمراة والرجل والعلاقة الاجتماعية بينهما.
ندوّن في ما يأتي عينّات إحصائية تحكي لنا جانباً من صورة المأساة والضياع المروّع في ظلّ الحضارة المادية الحديثة، لمشاكل الأسرة، والطّلاق، والزّنا، والأبناء غير الشرعيين وتعاسة المرأة والرجل الأسريّة ... الخ، فمثلاً
كتبت جريدة القبس الكويتية تقول:
[ هجرت 12713 ربّة بيت في العام الماضي بيتها، أي بمعدّل -35- ربّة بيت في اليوم، في اليابان، وقد أذاع البوليس هذه الارقام يوم الاحتفال بعيد الأم، بناء على الطلبات الواردة إليه للبحث عن الامّهات، أو ربّات البيوت المختفيات، ويطلق اليابانيّون على ربّة البيت المختفية لأسباب خلافات عائلية، وعنف الأزواج، وهناك عدد متزايد من ربّات البيوت اللواتي يصادفن رجالاً غير أزواجهن ويتركن البيت والأطفال، وذكر البوليس أنّ (400) ربّة بيت قد هجرن بيوتهنّ فراراً من الدّيون] .
وجاء في تقرير آخر:
[ أعلنت اليوم هيئة، مقرّها بنيويورك وعملها البحث عن الزوجات أو الأزواج الهاربين من بيوتهم، أنّه قد اتّضح من العمليات التي قامت بها في عام (1952م ) أن في الولايات المتّحدة سبعين ألف زوج هارب من زوجته مقابل (15) الف زوجة فقط هاربات من أزواجهن]
وجاء في مجلّة المجتمع الكويتية: [ تعدّ بريطانيا أوّل دولة أوربيّة فيما تسجّله من حوادث كلّ الطلاق عام، وكانت قد سجّلت في العالم الماضي وقوع (170) الف حالة بعد أن كانت (146) ألفاً في العام الذي سبقه، وتشير الأرقام إلى وجود نحو (700) ألف إنسان يعيشون بعد الطلاق على برامج الرعاية الاجتماعية، والدعم المالي الذي تقدّمه الحكومة، ممّا يرهق خزينتها بمبالغ باهضة]
وكتب أحد القضاة الأمريكيين قائلاً:[ في بلدة دنور، في سنة 1922م، أعقب كلّ زواج تفريق بين الزوجين، وبازاء كلّ زواجين عُرضت على المحكمة قضيّة طلاق، وهذه الحالة لا تقتصر على بلدة دنور، بل الحق أنّ جميع البلدان الأمريكية على وجه التقريب تماثلها في ذلك قليلاً أو كثيراً]
[ وقد جاء تقرير طبيب من مدينة ( بالتي مور) أنّه قد رفع إلى المحاكم في تلك المدينة أكثر من (1000) مرافعة في مدّة سنة واحدة، كلّها في ارتكاب الفاحشة مع صبايا دون الثانية عشرة من العمر]
وجاء في تقرير آخر:
[ انّ النساء اللاتي قد اتخذن من الفحشاء حرفةً في أمريكا يقدًر مجموعهن - على أقلّ تقدير- بين أربعمائة وخمسمائة الف ]
وفي تقارير أخرى نقرأ:
[ تتعرضّ تسع فتيات للاغتصاب والاختطاف من أصل كلّ اثنتي عشرة فتاة في بريطانيا ]
وجاء في تصريح لمندوبة الأمم المتحدة التي كُلّفت بدراسة أوضاع المرأة في الشرق العربي الدكتورة ( هومر) السويدية عام (1975م):
[ إن المرأة السويدية تفكر في هذه الأيام بالمطالبة بجعل هذه السنة الدولية للمرأة، ثم جعل سنة دولية للرجل لانقاذ حقوقه من المرأة ] وقالت: [إن مأساة المرأة في السويد هي الحريّة التي نالتها وأوصلتها إلى درجة خطيرة ورهيبة ].
وقالت الدكتورة هومر أيضاً: [ انّ (25%) من السويديين مصابون بالأمراض العصبية والنفسية، و(40%) من الدخل في السويد ينفق على معالجة هذه الأمراض، وذلك سببه الحرية التي نالتها المرأة في السويد بالشكل الذي تمارسه] ).إنّ حالات الحمل السابقة للزواج قد بلغت حدّا وبائياً في الولايات المتحدة الأمريكية، فالزنا يتفاقم بشدّة، والعلاقات الغريبة في أوساط الرجال والنساء
مع استفحال حالة الحمل السابق للزواج، تبرز المشكلة الأخلاقية الخطيرة ألا وهي الاجهاض، والتي تسبب هلاك وفناء الأطفال وهم داخل أرحام أمهاتهم.كما انّ ظاهرة الأمراض التى انتشرت نتيجة للعلاقات الغير مشروعة
وفي ظل الحرية انتشرت الخيانة الزّوجية بواسطة الرجل والمرأة معاً تركت بصماتها القويّة في نفوس الأطفال الذين يفتقرون إلى حسّ أخلاقي كان مفقوداً في نفوس والديهم.
[ يقول الاتحاد الأمريكي للخدمات الأسرية: أصبح انهيار الأسرة والذي وصل الآن إلى درجة وبائية، المشكلة الاجتماعية الأولى، فكلّ عام يفصل الطلاق بين أكثر من مليون شخص، والمعدل الحالي هو سبعة أضعاف ما كان قبل مائة سنة، وأصبح عدد الأطفال غير الشرعيين ثلاثة أضعاف ما كان سنة 1938م، ويولد سنوياً أربعة ملايين طفل غير شرعي في الولايات المتحدة!!]
وجاء في تقرير آخر:
[ وهل تعلم أنّه ورد في تقرير لمكتب التحقيق الفيدرالي أنّ أعلى نسبة جرائم القتل في نطاق الأسرة هي قتل زوج لزوجته؟ وإن (15%) من جرائم الأسرة هي حالة قتل أبوين لأبنائها] ( [ وفي استفتاء جرى مؤخّراً تحت إدارة اليونسكو كانت النتيجة أن (60%) من الزوجات الأمريكيات والزوجات الأوربيات يشعرن بالخيبة والشقاء وعدم الرضى]
[ وجاء في تقرير آخر أنّه بلغت حالات الطلاق في بريطانيا بسبب الخيانة الزوجية من كلا الزوجين كالآتي:
السنة عدد حالات الطلاق
1938م. 9970 طلاقاً
1950م. 29096 =1960م. 27870 =1969م. 60134 =1970م. 70575 =1971م. 110017 =1972م. 109822=1973م. 115048=1977م. 146000=1979م. 170000=1981م. 181000=]
وفي رسالة لوكالة الأنباء البريطانية (رويتر) نشرتها في الثالث من ديسمبر عام 1985م ذكرت فيها أنّ في كلّ أسبوع واحد يقتل في بريطانيا (4) أطفال بواسطة والديهم أو القائمين على شؤونهم طبقاً لمصادر الجمعية الوطنية لمكافحة القسوة بحق الأطفال. وأضافت الوكالة انّ المشكلة هي أخطر بكثير مما يتُصوّر، فقد كشف ناطق باسم الجمعية رقماً رهيباً عن عدد الأطفال الذين يموتون سنوياً بواسطة أبويهم: (200) طفل، وأفاد انّه خلال كلّ أسبوعين يقتل طفل واحد في بريطانيا من قبل غرباء أو بواسطة أقرباء.
إنّ دوائر التسجيل في انكلترا وويلز وإيرلندا الشمالية فوجئت بتسجيل ما مجموعه (30) ألف طفل كانوا ضحايا لسوء المعاملة، وهذا الرقم يمثّل زيادة تفوق (5) آلاف حالة جديدة اكتشفت خلال السنتين الماضيتين.
إن ظاهرة الانهيار الأسري في بريطانيا يمكن أن تعلل رواج وانتشار حالات العيش دون زواج شرعي، فالأرقام الجديدة التي أصدرتها حكومة المملكة المتحدة في الرابع عشر من كانون الثاني عام 1988م كشفت زيادة في نسبة الولادات غير الشرعية، فقد ارتفعت النسبة من (4%) في الخمسينات إلى (21%) من مجموع الولادات في عام 1986م باستثناء الدانمارك التي سجلت معدّلاً أوربيّاً عالياً بلغ (43%).
إنّ الاحصاءات الصادرة عن المصادر الاجتماعية، أشارت إلى ارتفاع كبير في معدل الطلاق في بريطانيا وانّ ضعفي هذا المعدل موجود في فرنسا وألمانيا، فقد اكتشف أنّه ما بين عامي 1979و 1985م تضاعفت نسبة هؤلاء الذين يعيشون معاً بدون زواج، كما أن نسبة تقدر بـ (15%) من مجموع النساء العازبات - عام 1985م- ما بين سن (18) و(49) بضمنهن كثير من المطلّقات،يعيشون حياة غير مشروعة
كما شهدت حالة الانهيار الأسري ارتفاعاً حادّاً في عدد الأشخاص الذين يعيشون حياة وحيدة، فبينما كانت النسبة (10%) عام 1951م، إذ بها ترتفع إلى (25%) من المجموع الكلّي لعدد أفراد العائلة
هذه صورة مختصرة لعلاقة المرأة بالرجل، وأوضاع الأسرة في ظلّ عدد من الحضارات غير الاسلامية،وخصوصاً الحضارة الأوربية الحديثة والتى انتشرت من خلالها العديد من القوانين الغريبة والتى تحمل اسم الحرية
يتبع