((الطنطل))
لكل شعب من شعوب المعمورة موروثات شعبية بعض منها مستوحى من الخرافة والخيال، وهذا الجزء يتلاشى وينتهي تقريبا مع تحضر المجتمعات وتطور المستوى الثقافي فيها، والبعض الآخر من تلك الموروثات يبقى مع عمر تلك الشعوب ويصبح جزءا من بعض ممارساتهم وتقاليدهم
والسبب في هذا يعود الى كون ذلك الموروث قد جاء من مفاهيم وأشياء حقيقية وواقعية مثل الديانات التي كانت تدين بها تلك الشعوب او الاعراف التي يتفقون عليها. وهذا ما يجعلها باقية معهم رغم انها قد لا تكون اليوم مشابهة تماما لما كانت عليه في الماضي، إلا انها حافظت على مضمونها، والعراق هو واحد ممن يمتلك شعبه تلك الموروثات بشقيها، ولكن يختلف عن البقية بعدة امور منها انه لا يعتز بموروثاته كالآخرين رغم ممارسته لها، ومنها ان الجزء الخرافي والخيالي بذلك الموروث لا يتلاشى عنده ولا ينتهي، والامر الثالث الذي يختلف فيه عن الآخرين هو ان تلك الموروثات لا تشمل الرقعة الاكبر لجميع حدود الدولة العراقية، إنما تقتصر على منطقة دون اخرى ولربما تنحسر في مدن وقرى صغيرة جدا، وهذا يعني انهم مختلفون حتى على موروثاتهم الشعبية شأنهم فيها كشأنهم في اختلافاتهم السياسية اليوم. وإن الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه من تلك الموروثات من شمال العراق الى جنوبه هو (الطنطل)، وأعتقد ان سبب ذلك الاتفاق يعود الى كون تلك الشخصية مستوحاة من الخرافة والخيال أولا، وثانيا كونها تمثل له الشخصية المرعبة والمخيفة والقادرة على فعل كل ما هو خارق ومستحيل، والسبب الثالث هو كونها شخصية وهمية لا يستطيع احد منهم ان يحدد شكلها وجنسها. ولهذا أرى ان السبب في عدم توحد العراقيين في يوم من الايام يكمن في رؤيتهم للواقع والمنطق المختلفة تماما عن رؤية الآخرين لها، حيث نراهم يبالغون في الامور ولا يميلون الى التوسط والاعتدال، وهذا ما يجعلهم شعبا متطرفا. فلم اسمع ولم أقرأ بأن العراقيين قد توحدوا تحت قيادة منطقية وواقعية وعادلة، إلا انهم قد توحدوا تحت قيادات يبالغون في اعطائها صفات الجبروت والظلم والبغي، مثل اللعناء يزيد والحجاج وصدام، فإنهم يميلون الى تهويل الامور ويرغبون في اعطاء صورة (الطنطل) لأولئك القادة وهم أضعف خلق الله وأجبنهم في الحقيقة والواقع. وإن رؤيتهم لذلك الواقع بتلك المفاهيم هي التي جعلت للـ (طنطل) سطوة وسيطرة عليهم برغم شخصيته الوهمية والخيالية، ولأنهم لا يزالون يحملون الرؤى نفسها نجدهم يتفرقون تحت ظل القيادات الحكيمة والمعتدلة والوطنية بينما نراهم يتوحدون امام بندقية واحدة يحملها أرعن وجبان يمنحونه لقب (الطنطل) ليستكينوا تحت ذله وهوانه.
![]()