آيات القرآن محكمة مفصلة مبينة
القرآن "ألر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" "هود آية 1" فيه آيات بينات منزلة على قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله "ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون" "البقرة آية 99" وفيه دلائل واضحات، وأخبار صادقة، ومواعظ رائقة، وشرائع راقية، وآداب عالية، بعبارات تأخذ بالألباب، وأساليب ليس لأحد من البشر بالغا ما بلغ من الفصاحة والبلاغة أن يأتى بمثلها، أو يفكر فى محاكاتها، فهو آية الله الدائمة وحجته الخالدة "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولمن خلفه تنزيل من حكيم حميد" "فصلت آية 42" أنزله الله على رسوله ليبلغه قومه وهم فحول البلاغة، وأمراء الكلام، وأباة الضيم، وأرباب الأنفة والحميّة فبهرهم بيانه وأذهلهم افتنانه فاهتدى به من صح نظره، واستحصف عقله ولطف ذوقه، وصد عنه أهل العناد والمكابرة واللجاج فتحداهم أن يأتوا بمثله فنكصوا، ثم بعشر سور مثله فعجزوا، ثم بسورة من مثله فانقطعوا، فحق عليهم إعجازه، قال تعالى "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" "الإسراء آية 88".
وللقرآن فضل على اللغة، فعمّرها، وصانها، وبقيت هى اللغة الحية الخالدة من غيرها التى انطمست آثارها. وأحدث فيها علوما جمة وفنونا شتى. وأسند حفظ القرآن لله بقوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" "الحجر آية9"وبقى محفوظا "بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ" "البروج الآيات 21-22".
كان القرآن ومايزال واضحا وإن بدا أحيانا فى بعض آياته صعب الفهم، فالسبب إما نقص معرفى أو تقصير فى سعة ثقافة أو جهل بمسألة ولا يتواضع هذا ليسأل أهل الذكر فى الاختصاص ومن العسير إن لم يجتمع العلماء من مختلف الاختصاصات العلمية قديمها وحديثها فى اللغة بالدرجة الأولى ويليها بقية الاختصاصات كونية، أو إنسانية، أو تجريبية، أو رياضية، أو تكنولوجية إلى غيرها من العلوم السابقة والحاضرة والمستقبلية تبعا لقول الله تعالى "قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" "العنكبوت آية 20" إنها دعوة لمعرفة الماضى معرفة علمية عميقة واسعة. وظاهر اللوم يبدو موجها للمتواكلين "أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور" "الحج آية 46".
ثم تكون الآية "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون" "النحل آية 8" قد جمعت بين الماضى والحاضر والمستقبل ففى الماضى وصف لوسائل النقل، وفى الحاضر أصبحت هذه زينة، وحلت التكنولوجيا بإلهام من الماضى فى البر والبحر والجو. وللأسف أهل عصرنا يقرؤون القرآن وفيه عن نوح "فأوحينا إليه أن اصنع الفك بأعيننا ووحينا" "المؤمنون آية 27" ويقرؤون عن داود وسليمان "ولقد آتينا داود وسليمان علما" "النمل آية 15" وعن داود "وألنا له الحديد" "سبأ آية 10" وتتجلى النظرة المستقبلية فى قوله تعالى "ويخلق ما لا تعلمون" "النحل آية 8".
ولمزيد التوضيح بعد أن علّم الله محمدا صلى الله عليه وسلم القراءة وهو "الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" "العلق 4-5" أمره بالإجابة عن سؤال الضالين الماكرين "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" "الإسراء آية 85" وما زال العلماء يجهلون بوضوح حقيقة الروح. فالعلماء الموسوعيون عندما يدركون حقيقة كونية يخشون الله "إنما يخشى الله من عباده العلماء" "فاطر آية 28" فيدعون الله اهتداء بما هدى الله به رسوله عليه الصلاة والسلام "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدنى علما" "طه آية 114" ونهيه تعالى "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه" "القيامة آيات 16-19" وفى تعليل ذلك "خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتى فلا تستعجلون" "الأنبياء آية 37" فإذا أطعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطعنا الله "من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا" "النساء آية 80".
ثم نجد حرية الاختيار "فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" "آل عمران آية 20" ويتجلى الدليل العلمى فى قواعد الجلد الرفيع أثناء مخاطبة أهل الكتاب "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون. ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" "آل عمران آيات 64-66".
بعد الجدل العلمى تأتى الحقيقة العلمية من الله عالم الغيب "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" "آل عمران آية 67" ويقع التوجه بالأسئلة التالية لأهل الكتاب "لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" "لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" "آل عمران آيتان 70-71" بعد تقديم الحقيقة "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما تشعرون" "آل عمران آية 69" فالقرآن المنزل من رب العالمين، ومبلغ القرآن محمد صلى الله عليه وسلم، لن يستطيع بشر، إذاءتهما لأن الله هو حافظ القرآن وحافظ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكره فى كل عبادة وصلاة.