زلات اللسان
أثار الرئيس الأمريكي موجة من الاستياء خلال زيارته الأخيرة الى استراليا عندما أشاد بذلك البلد وهفا بلسانه فسماه أستريا (النمسا). بالطبع كان الاستراليون مستعدين لأن يغضوا النظر عن زلته لولا انه مضى فكررها وراح يشير الى الشعب الأستري ويعيد ويكرر. جورج بوش من الرؤساء الأمريكان الذين سيذكرهم التاريخ بشيئين، كبوته في العراق وكبوته في لسانه. فقبل عدة اشهر رحب بزيارة الأمير شارلس الى أمريكا فأشار اليه بالأميرة شارلس. يظهر انه كان يفكر بديانا. وهو ما كان يفعله أكثرنا ولا نلومه عليه.
حدت هفواته اللسانية بأحد الصحافيين الأمريكان الى نشر كتاب كامل عن أخطاء جورج بوش البنت، عفوا الابن. ذكرني ذلك بالكتاب الممتع الذي نشره الأديب السعودي منذر الأسعد «طرائف الأخطاء الصحفية والمطبعية». هذه فرصة للأديب النابه أرجو أن أوقعه بها، وهي أن يؤلف كتابا آخر لنا عن الأخطاء اللسانية التي وقع بها الساسة وكبار الرجال والنساء. يالله يا أخانا منذر شد ذيلك، أقصد حيلك.
لنا في تراثنا العربي الكثير من هذه الزلات اللسانية المؤنسة. ولربما تحمل في طياتها الكثير من المخفي وأكثر من مجرد المؤنس. فالعالم النفسي سيغموند فرويد يعتقد ان الزلات اللسانية كثيرا ما تفصح عما في نفس القائل من الحقائق التي يؤمن بها ولكنه يحاول كبتها فتأبى الا ان تنكشف لا شعوريا. من ذلك ـ كما أعتقد ـ ما روي عن ذلك القاضي الذي كان يقضي بين العراقيين في بغداد في أيام أسعد من أيامهم هذه وأشرف. جاءته امرأة حسناء في دعوى ضد زوجها. دخلت المحكمة تتهادى في مشيتها فبادرها بالسؤال قائلا:
ـ «هل جامعك الشهود؟».
فثارت عليه وتعصبت فقال لها كاتب المحكمة مصححا: «إن القاضي يقول لك: هل جاء معك الشهود؟».
فقالت: «نعم. هلا قلت مثل ما قاله كاتبك. لقد كبر سنك، وقل عقلك، وعظمت لحيتك حتى غطت على لبّك. ما رأيت ميتا يقضي بين الأحياء غيرك!».
وكانت أفصح من القاضي وابلغ.
الحقيقة أن ما وقع به ذلك القاضي تقع به آلة الكمبيوتر باستمرار. فمن الزلات اللسانية الشائعة للكمبيوترات انها كثيرا ما تتكاسل وتتجاهل الترابط بين الحروف والفواصل بين الكلمات. وهو ما حصل لذلك القاضي الفاضل. من ذلك كما أتذكر أنني كنت قد بعثت بإيميل لصديق عزيز عرفته من ايام الجامعة وكاتبني مؤخرا فكتبت قائلا له: «سلامك يا أخي كله حب وشوق. فوصله الإيميل بهذه الصيغة: «سل أمك يا أخي كله حب وشوق...!»
اللهم ربي اكفنا شر زلات اللسان