الحمد لله الكريم المنان عظيم البرهان الذي يقول في كتابه أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن انه بكل شيء بصير صدق الله العظيم يقدر العلماء عدد أنواع الطيور المختلفة في العالم بنحو عشرة آلاف نوع تقريبا يختلف كل منها كل نوع عن الآخر من حيث الحجم والشكل والعادات ونوع الطعام الخ وتتوزع في جميع أنحاء العالم بين القطبين الشمالي والجنوبي وحتى الجزر النائية الصغيرة لا تكاد تخلو من الطيور والصحاري والجبال ايضا لاتخلو من انواع الطير المختلفة ويقدر العلماء مجموع أفراد الطيور في العالم بمائة ألف مليون طائر وقد اخبرنا سبحانه وتعالى بان هذه الطيور امم امثالنا لها عادات وتقاليد ونظام خاص بها كما لنا نحن البشر لقوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ولقد اجاد ابن حبيب الحلبي رحمه الله واحسن في وصف الطيور قائلا




منتديات الفرات


أخبرني بعض الإخوان، أنه رأى بلدة من البلدان، متسعة الفناء، محكمة البناء، تروق العيون، وتحرك السكون، بالقرب منها واد خصيب، يشتمل من الأطيار على كل غريب، مديد الأشجار، منسرح الأنهار، وافر الخير، يعرف بوكر الطير. فتقت إلى رؤية ذلك الوادي، وحدا بي من الشوق إليه حادي، فسرت أطوي البيد، وأصل التحليج بالتخويد، إلى أن أتيت إليه، وأنخت راحلتي عليه. فعاينت منه ما حقق مطالبي ووجدت به ما صاح بي كما قال صاحبي:
واد عليه للمحاسن رونق ... وبه طيور طاب عيش نديمها
أرجاؤه مشحونة بسباعها ... وكلابها وبغاثها وبهيمها
فمن صقر شريف النجار، رفيع المقدار. القمر منظره، والهلال منسره. له ثوب أرقط، بياضه بالسواد منقط، حسن السلوك، لا يصحب إلا الملوك.
ومن باز أشهب، جمر مقلتيه يتلهب. خفيف الجناح، سريع النجاح. يلمع في الجو كالبارق، وينقض انقضاض الطارق. قوي الافتراس، يثب على الطريدة وثوب الهرماس.
وصقر أحمر الجلبات شهم ... طموح العين معقود اللواء
يطير إلى الفلاة يروم صيداً ... فيرجع بالأرانب والظباء
وشاهين رحيب الصدر جون ... يجيد السبح في بحر الفضاء
إذا الكركي لاح سما إليه ... وعاجله بمحتوم القضاء
ومن كوهية حالية الحلة، تجلى كالعرائس في الأكلة، ملابسها مدبجة، ومخالبها بدم القلوب مضرجة، ذات درع ظلها ضافي، منتظمة القوادم والخوافي. تمر مر السحاب، وتأتي بما لم يكن في الحساب.
ومن باشق فرعه مع صغر حجمه باسق، زعرور الأخلاق ذهبي الأحداق. شاكي السلاح، محمود الغدو والرواح. يمرق كالسهام، ويوقع الحمام في شرك الحمام:
وطاو أعار الروض لما ... مشى في اللازوردي المدثر
يلوح على المفارق منه تاج ... بديع تاج قيصر عنه قصر
وديك عرفه من أرجوان ... وجؤجؤه من الوشي المحبر
يرى سهر الدجا حتى إذا ما ... دنا الإصباح هلل ثم كبر
ومن ببغاء جميل الصفات، قوي على حكاية الأصوات. فهمه صحيح، ولسانه فصيح. هندي الأوطان، زبرجدي الأردان. طرفه مركب من قار، وله من الياقوت منقار.
ومن هدهد وافر الهداية، نافر عن الضلالة والغواية. يرى الماء في باطن الفجاج، كما ينظره الإنسان في داخل الزجاج. مرقوم البرود، كثير الركوع والسجود. يميد في حلله الفاخرة ويميس، كأنما ألبسه سليمان تاج بلقيس:


ودراج تبدى في قميص ... نضير الزهر زهري أنيق
فصوص بنفسج في ياسمين ... وريحان تشقق عن شقيق
ومن حجل يعاقيب عليها ... مروط أشبهت لون الدبيق
لها طرف تركب من نضار ... ومنقار تكون من عقيق
ومن قطا، ياله من قطا، حسن المشي متقارب الخطا، جيده مطوق، ومبسمه بالزعفران مخلق. منقوش الإزار، كأنه عب من كأس عقار. جناحه مخضوب، وصدره بماء الذهب مكتوب. ومن يمام، يفي بالعهد والذمام، مشهور بالسجع، معروف بالذهاب والرجع. يألف الرياض ويرفل في ثوب فضفاض. يؤدي الأمانات إلى أهلها، ويتحرى في رواية الأحاديث ونقلها:
ومن هزار كامل المعاني ... حلو الحلى منطلق اللسان
تراه إن غنى على العيدان ... يطرب ما لا تطرب المثاني
وبلبل بلبل قلب العاني ... حلته من أسود الجنان
قام خطيباً في ذرا الأغصان ... يأمر بالعدل وبالإحسان
ومن ورشان، يودع المسامع أطيب الألحان. نوبي الدار، علي المنار. شهي التغريد، معبدي الأناشيد. يحسن الأنغام، ويغري الخلي بالوجد والغرام.
ومن قمري أخفى القمر، كم نهى على منبر الأيك وأمر. ساجع مطراب، إعجامه لذي المعارف إعراب. أشهل العيون، وفي جيده من خط القلم نون. يستديم شكر الدائم، ولا تأخذه في التسبيح لومة لائم:
وفواخت كدرية أطواقها ... مسكية والطرف منها أسود
طوراً تفوح على الغصون لفقد من ... تهوى، وطوراً للوصال تغرد
وغراب تغريب فصيح أعجم ... داجي الإهاب مقامه لا يحمد
يهوى نوى أصحابه فإذا نأوا ... أضحى مقيماً بالديار يعدد
فيالله من واد أنبت السرور، وحوى أصنافاً جمة من الطيور، لا أجمع بين أشخاصها وأسمائها، ولا أتحقق شيئاً من أحوالها وأنبائها. فسبحان المتكفل بأرزاقها، المباين بين طباعها وأخلاقها. فلما سبرت سر الوادي، تطلعت إلى طلعة شمس بلادي، فلويت زمام الراحلة، وودعت من الطير نجوماً غير آفلة، قائلاً: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأوطان، تالياً: " أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن " .