الحمد لله فائض الأنوار وفاتح الأبصار. وكاشف الأسرار ورافع الأستار. والصلاة على محمد نور الأنوار وسيد الأبرار وحبيب الجبار وبشير الغفار ونذير القهار، وقامع الكفار وفاضح الفجار؛ وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين الأخيار.
وبعد السلام عليكم ورحمة الله اخوة الايمان اليكم بعض ما جاء عن الشيخ ابراهيم بن محمد البيهقي رحمه الله في محاسن المواعظ ارجو ان يتعظ بها كل مسؤول فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قال عليه الصلاة والسلام
حكي عن الأوزاعي قال: بعث إليّ المنصور فقال: لم تبطيء عنا؟ قلت: وما تريد منا؟ قال: لآخذ عنكم وأقتبس منكم. فقلت له: مهلاً فإن عروة بن رويم أخبرني أن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، قال: من جاءته موعظة من ربه فقبلها شكر الله له ذلك، ومن جاءته فلم يقبلها كانت حجة عليه يوم القيامة، مهلاً فإن مثلك لا ينبغي له أن ينام.
إنما جُعلت الأنبياء رعاة لعلمهم بالرعية يجبرون الكسير ويسمنون الهزيلة ويردون الضالة فكيف من يسفك دماء المسلمين ويأخذ أموالهم! أُعيذك بالله أن تقول إن قرابتك من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تدعوك إلى الجنة، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانت في يده جريدة يستاك بها فضرب بها قرن أعرابي فنزل عليه جبريل، عليه السلام، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يبعثك جباراً مؤيساً مقنطاً تكسر قرون أمتك، ألق الجريدة عن يدك، فدعا الأعرابي إلى القصاص من نفسه فكيف بمن يسفك دماء المسلمين؟
إن الله عز وجل أوحى إلى من هو خير منك إلى داود، عليه السلام: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق. وأوحى إليه: يا داود إذا أتاك الخصمان فلا يكونن لأحدهما على صاحبه الفضل فأمحوك من ديوان نبوتي.
اعلم أن ثوباً من ثياب أهل النار لو علق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من نتن ريحه، فكيف بمن تقمّصه؟ ولو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على جبال الدنيا لذابت كما يذوب الرصاص حتى تنتهي إلى الأرض السابعة، فكيف بمن تقلدها؟
قال: ودخل عمرو بن عبيد على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل يقفك ويسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر، وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة، وإن الله جل وعز لا يرضى منك إلا ما ترضاه لنفسك، ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلا بأن يعدل عليك وإن الله جل وعز لا يرضى منك إلا بأن تعدل على الرعية، يا أمير المؤمنين، إن وراء بابك نيراناً تتأجج من الجور، والله ما يُحكم وراء بابك بكتاب ولا بسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم،
قال: فبكى المنصور. فقال سليمان بن مجالد وهو واقف على رأس المنصور: يا عمرو قد شققت على أمير المؤمنين! فقال عمرو: يا أمير المؤمنين من هذا؟ قال: أخوك سليمان بن مجالد. قال عمرو: ويلك يا سليمان! إن أمير المؤمنين يموت وإن كل ما تراه ينفد وإنك جيفة غداً بالفناء لا ينفعك إلا عمل صالح قدّمته، ولقرب هذا الجدار أنفع لأمير المؤمنين من قربك إذ كنت تطوي عنه النصيحة وتنهى من ينصحه،
يا أمير المؤمنين إن هؤلاء اتخذوك سلماً إلى شهواتهم. قال المنصور: فأصنع ماذا؟ ادع لي أصحابك أولهم! قال: ادعهم أنت بعمل صالح تحدثه ومر بهذا الخناق فليرفع عن أعناق الناس واستعمل في اليوم الواحد عمالاً كلما رابك منهم ريب أو أنكرت على رجل عزلته ووليت غيره، فوالله لئن لم تقبل منهم إلا العدل ليتقربن به إليك من لا نية له فيه.