الطريق نحو السعادة الأبدية
قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} صدق الله العلي العظيم .
لا يختلف اثنان على أن الزواج مطلب وحلم للشاب والفتاة ,وأن كلاهما يتمنى الوصول إلى هذا المطلب والحلم
ليحققه ويقطف ثماره .
و كذلك نستطيع أن نقول أن الزواج رحلة, إما أن تكون رحلة ناجحة وسعيدة ,أو أن تكون رحلة فاشلة وتعيسة .
فإن كانت رحلة ناجحة, فإنها سوف تؤسس أسرة قوية الروابط , و ستكون مصدر للسعادة و الطمأنينة النفسية والعاطفية...
وستحقق الكثير من الأحلام والأمنيات التي كانوا يتمنون تحقيقها (( قبل الزواج )).
أما لو كانت رحلة فاشلة , فإنها سوف تؤسس أسرة ضعيفة الروابط , وستكون مصدر للشقاء والألم والمشاكل النفسية
والعقلية , حتى أنها ربما تتطور وتصل إلى اعتداءات جسدية وغيرها.
لذا يجب علينا أن نبحث عن الطريق السليم والسريع والآمن ؛ للوصول إلى هدفنا المنشود , وهو الحياة السعيدة
والرحلة الناجحة ذات الاستقرار النفسي والعاطفي..
أنه طريق سهل الوصول إليه ,وذلك بأن تتفاعل أفراد الأسرة الواحدة عن طريق النقاش والحديث عن كل ما يتعلق
بشؤون أسرتهم من أهداف ومقومات وعقبات ويتم وضع حلول لها، وذلك بتبادل الأفكار والآراء الجماعية
حول محاور عدة، مما يؤدي إلى خلق الألفة والمحبة والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة
ونستطيع أن نطلق عليه أسم طريق الحوار الأسري .
كما أن مسؤولية الحوار الأسري لا يمكن أن يتحملها طرف دون آخر، سواء داخل الأسرة أو خارجها؛ فالحوار عملية تبادلية
بين أكثر من طرف، ويجب أن يظل حياً في أذهان جميع أفراد الأسرة ، ولابد له أن يكون خياراً استراتيجياً
لكل منهم في التواصل مع البيئة المحيطة به.
ولا يقتصر الحوار الأسري على الزوجين فحسب- كما يعتقده الكثيرين منا- بل أن هنالك طرف ثالث وعنصر فعال
في عملية الحوار وهم الأبناء ,لان الأبناء عنصر مهم وفعال في استقرار الأسرة. لذلك نرى الكثير من الأسر
تتفكك وتنهار لافتقارها للعنصر الثالث والمؤثر جداً !!!
وكذلك لأن الأبناء سيكونون في المستقبل - إنشاء الله تعالى - أسر أخرى ومن هذه الأسر؛
سيتكون المجتمع آخر بأذن الله .لذا لابد من إشراك الأبناء في اتخاذ القرارات ...والأخذ بآرائهم الصالحة والمفيدة .
وكما جاء في الخبر عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) في قوله:
" ما خاب من أستشار"
من جانب الحكمة التي ذكرها أحد الشعراء في إحدى قصائده:
الــرأيُ كاللــيلِ مســوداً جوانبُــهُ ...واللــيلُ لا ينجلــيْ إِلا بــإِصبـــاحِ
فاضممْ مصابيحَ آراءِالرجالِ إِلى ... مصباحِ رأيِكَ تزدد ضوءَ مصباحِ
وللحوار الأسري أهمية كبرى تتمثل في حل الكثير من المشكلات الأسرية ,
وتؤدي إلى انتشار روح التفاهم والتآلف والتكاتف
بين أفراد الأسرة,
ويمكن توضيح أهمية الحوار الأسري في نقاط عدة منها :
·يساعد على مواجهة السلوكيات الخاطئة داخل الأسرة.
·يبث روح الشفافية بين أفراد الأسرة .
·يقوي الروابط بين أفراد الأسرة .
·يزيد من روح الحماس والاحترام داخل الأسرة, و ينبذ الترهيب والتخويف والوعيد .
·يساعد في تبادل الآراء والأفكار داخل الأسرة ؛وذلك من خلال حوار الكبارمع الصغار, واحترام آرائهم - بغض النظر-
عن صحة هذه الآراء ومن ثم يتم توجيههم من خلال آرائهم .
كما أن هنالك عوامل عدة تؤثر في عملية الحوار الأسري منها عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية وثقافية ..... إلخ
,وبالتالي ستنعكس على الأبناء وعلى الاستقرار الأسري وسوف أتناول عاملين منهما :
أولاً : العوامل الاجتماعية:
1.انشغال أحد الزوجين أو كلاهما عن واجباته الأسرية ,ويبقى الأبناء بلا رعاية واهتمام .
2.ضغوط العمل اليومية لكلا الزوجين ؛مما يؤثر على أدائهما داخل الأسرة .
3.افتقار أحد الزوجين طريقة تعبيره عن حبة للطرف الآخر ؛ مما يولد فجوة بين الزوجين ,
فإظهار الحب يوجد الحوار والاستقرار .
4.كثرةالمشاكل بين الزوجين سواء بسبب ((الأبناء أو تدخل الأقارب والأصدقاء والجيران في حياتهما )).
5.التفاوت في العمر أو في الطبقة الاجتماعية قد يؤثر تأثيراً سلبياً في عملية الحوار بين الزوجين .
ثانياً : العوامل الاقتصادية:
1.كثرة المشاكل والخلافات بين الزوجين بسبب الإنفاق والمصروفات المالية في الأسرة .
2.قلة الدخل المالي للأسرة مع كثرة الطلبات والاحتياجات المالية المتعددة للأسرة, يخلق جو من المقارنة
مع الأسر الأخرى فتشتعل نار الحسد .
3.التحفظ الزائد في عملية الأنفاق إلى درجة تصل إلى البخل تخلف فجوة كبيرة في عملية الحوار
بين الزوجين وكذلك الأبناء .
و لكي تنجح عملية الحوار الهادف والبناء ,خاصة بين الزوجين يتوجب عليهما مراعاة أمرين مهمين هما:
أولاً:على الزوج أن يتفهم حاجة زوجته للكلام، ويستوعب حاجتها لأذن صاغية وواعية لها .
ثانياً: على الزوجة أن لا تلح بالضغط على زوجها ليتكلم حين تجده غير مستعد للحديث معها،
وكذلك أن لا تسيء تفسير موقفه .
و بعد كل هذه المقدمات والنقاط الهامة التي ذكرناها؛ نصل إلى النقطة الأهم وهي صلب الموضوع وخلاصة
وهي طرق وتقنيات وآداب ومهارات وأسس الحوار الأسري .
حيث ينبغي على جميع أفراد الأسرة مراعاة أمور عدة من أهمها :
·اعتماد قاعدة : الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .
·الحفاظ على الابتسامة وسعة الصدر.
·الحفاظ على هدوء الأعصاب وخفض الصوت .
·اختيار الوقت المناسب للحوار.
·تجنب تواجد طرف آخر من خارج الأسرة أثناء الحوار، وعليهما أن يبقيا خصوصيات حياتهما سراً
ولا يطلع عليها أحد حتى أقرب المقربين.
·الصراحة التامة شرط أساسي في نجاح الحوار الأسري.
·استخدام طريقة النقاش والحوار والإقناع باللطف لا بطريقة إلقاء الأوامر.
·بدء الحوار بالحديث حول النقاط المتفق عليها وليس النقاط المختلف فيها، فهذا أدعى لهدوء النفس وسكينتها.
·حسن العرض للمشكلة .
·حسن الإصغاء.. الإصغاء.. الإصغاء، لأن المتحدث المقنع هو المصغي الجيد.
·الابتعاد عن المقاطعة أو السخرية أو الاستهزاء أو استخدام عبارات الشتم واللوم أثناء الحديث.
·إظهار التودد و الرغبة في التقارب .
·احترام الخصوصيات والرغبات للطرف الآخر .
·تجنب ذكر الجوانب السلبية المتعلقة بأهل الزوج أو الزوجة .
·الاستفادة من الآراء الأخرى لتوسيع دائرة الأفق.
·الثناء على الجوانب الإيجابية بشكل علني .
·عدم تحويل الحوار إلى جدال، وكأننا ندخل معركة فيها خاسر وفائز, لان الكل في الحوار فائز
ولا يوجد خاسر داخل الأسرة الواحدة .
·الاعتراف بالخطأ ومحاولة تصحيحه.
·إذا تحول الحوار إلى شجار فمن الأفضل إنهاؤه والاتفاق على موعد لاحق للمناقشة، وإذا لم يفلح إنهاء الحوار
على أحد الطرفين أو كليهما أن يبتعد عن مكان النقاش حتى تهدأ الأمور وتستقر الخواطر .
ولكي تتقارب الأفكار المطروحة في الحوار و تعم الفائدة على الجميع لابد من :
·أن يبنى الحوار على أسس مشتركة وفكر مقبولة لدى جميع الأطرف.
·التفرق التام وعدم الانشغال بشيء آخر أثناء الحوار سبب لإنجاح مشروع الحوار.
·وضع جدول للعناصرالمهمة و العاطفية و الأخلاقية.
·ليس بالضرورة أن يكون الهدف من الحوار مناقشة القضايا الساخنة و المشاكل العالقة.
·استخدام أسلوب الملاطفة والممازحة أثناء طرح المواضيع.
·عدم الاستهانة بالمواضيع المطروحة مهما كانت قيمتها الفكرية لأنها تشغل حيزاً نفسياً لدى الطرف الآخر.
·فسح مجال الحرية الشخصية في التعبير لكل محاور.
كما أنه بإمكاننا أن نزخرف ونزين الحوار بكلمات التشجيع لتقوية المشاعر ورفع المعنويات والهمم
من خلال بعض الحركات الخفيفة والرومانسية كـ :
·تقديم بطاقة شكر يومية ولكن بشكل متجدد .
·الثناء على الخصال الحميدة.
·التغني بالجمال والزينة و الشكل و الصفات الجميلة.
·تقديم هدية معبرة عن مدى حبك وتقديرك للطرف الآخر قبل البدء بالحوار .
·رفع المعنويات أمام التحديات و العقبات .
·تجنب التحبيط في المواقف التي يحتاج الإنسان فيها إلى مواساة
·إظهار مشاعر وحدة المصاب و التألم.
·المشاركة في الفرح و ما يجلب السعادة.
·استجماع الطاقة و محاولة التماسك و الانطلاق مرة أخرى.
·عدم الاستسلام لليأس و القنوط قال الله تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
بالختام أتمنى للجميع حياة سعيدة دافئة بالحب والحنان،
ومحاطة بالأمن و الاستقرار... وقودها التشاور والتحاور والألفة.