قال ابن قتيبة : << ثم كتب عبد الله بن عامر "" يعني رسول معاوية إلى الحسن (ع) "" إلى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه ، فكتب معاوية جميع ذلك بخطّـه ، وختمه بختمه ، وبذل عليه العهود المؤكّـدة ، والأيمان المغـلَّظة ، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام ، ووجّه به إلى عبد الله بن عامر ، فأوصله إلى الحسن عليه السلام (12)
وذكر غيره نصّ الصيغة التي كتبها معاوية في ختام المعاهدة فيما واثق الله عليه من الوفاء بها ، بما لفظه بحرفه .
<< وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك ، عـهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على أحـد من خلفه بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه >> .(13)
وكان ذلك في النصف من جمادي الأُولى سنة 41 – على أصح الروايات -
ومن الحق ان نعترف للحسن بن علي عليهما السلام على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصّل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ضروفه من زمانه ، بالقابلية السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظروف غير هـذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها ، لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من الساسيين المحنّكين وحكّام المسلمين الّلامعين .(14)
ومن تصريحات معاوية بعد الصلح فيما يمت إلى معاهدته مع الحسن (ع) قوله فيما يرويه عنه كثير منهم ابن كثير .(15)
<< رضينا بها ملكاً >> وقوله في التمهيد لهذه المعاهدة قبل الصلح فيما كان يراسل به الحسن (ع) : << ولك أن لا يستولي عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمور ولا تعـصي في أمر >> .(16)
ويكفينا من تصريحات الحسن (ع) ما قاله أكثر من مرّة في سبيل إفهام شيعته حيثيات صلحه مع معاوية : << ما تدرون ما فعلت والله للذي فعلت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس >> . وما قاله مرّى اُخرى << إلا أن أدفع عنكم القتل >> (17) . وما قاله في خطابة – بعد الصلح - << أيّها الناس إنّ الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وقد سالمت معاوية ، وإنْ أدري لعلهُ فتنةٌ ومتاعٌ إِلى حينٍ >> .(18)
والحديث الذي يهمنا هو اثبات نفاق معاوية بن ابي سفيان ، حيث قال رسول الله (ص وآله) لعلي بن ابي طالب (ع) : << يا علي فلا يحبك إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضك إلاّ منافق كافر >> .
الاتفاق شريعة المتعاقدين والاتفاق ليس جديد او لأول مرة يحدث بين الامام الحسن (ع) وبين اللقيط معاوية بن هند آكلة الاكباد ، فسبقه " صلح الحديبية " بين رسول الله (ص وآله) وبين مشركي قريش ، وبعده الاتفاقية بين علي بن ابي طالب (ع) وبين معاوية ، والاتفاقيات كانت هي حقن للدماء واخذ الفرصة للمستفيد منها لتصحيح خططه او افكاره ... وكان الطرف النبوي في الاتفاقيات الثلاث ملتزم بروح وحذافير البنود ، بينما نرى الطرف الآخر غير ملتزم وكان يعتمد على المكر والخداع ، كان في الاتفاقيتين الاولى والثانية فيها فترة زمنية حتى ظهر الطرف الاموي خذله للمعاهدة ، بينما معاهدة الصلح الأخيرة لم يتريث معاوية وإنما خرج الى النخيلة في الكوفة وخطب كما في رواية المدائني :
<< يا أهل الكوفة ، أتروني قتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ وقد علمت انكم تصلون وتُزكّون وتحجّون ؟ ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأليَّ رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون ! ، ألا أنّ كل دم أُصيب في هـذه الفتنة مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين !! ، ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخرج العطاء عـند محلّة ، وإقفال الجنود لوقتها ، وغـزو العدو في داره ، فإن لم تغزوهم غـزوكم >> ...
وروي أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب بن ابي ان ابي ثابت مسنداً ، انه ذكر في هـذه الخطبة علياً فنال منه ، ثم ّ نال من الحسن . (19)
وزاد أبو إسحاق السبيعي (20) فيما رواه من خطبة معاوية قوله : << ألا وأنّ كلّ شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به !!! >> .
قال أبو إسحاق : << وكان والله غـدّاراً >> (21)
ومن صفات المنافق : إذا أوعد أخلف ، وإذا تكلمة كذب ، وإذا ءأتمنة خان وهذا الطليق ابن الطليق لم يثمر معه المعروف لان بفتح مكة المكرمة كانت حياتهم بيد رسول الله (ص وآله) قال لهم ماذا تنظرون إني صانع فيكم ؟ قالوا : اخٌ كريم وابن اخٍ كريم ، فقال (ص وآله) اذهبوا انتم الطلقاء .. يذكرني هـذا الموقف بمثل : << خير تعمل شر تلقى >> وينطبق هـذا المثل على هؤلاء الفاسقون أولاد الزنا ، لانهم كانوا في الجاهلية يفـتخرون بهـذا العمل ، وهـذ يثبت على انه يريد اغتصاب الامر من أهله الشرعيين .. بإستعمال شعار << الغاية تبرر الوسيلة >> حتى لو كانت تُهْـدر دماء وتهتك اعراض وتسبي النساء والاطفال مثل ما صنعوا بأبي الاحرار ( الامام الحسين بن علي الشهيد ) ، حتى الشاة اذا ذبحت تذبح باحترام فكيف ابن بنت رسول الله صلوات الله عليكم أهل البيت ، يكفينا ان ننظر الى قبره معاوية الحقير حتى اتباعه يستنكفون من قبره ...
والذي اجبر الامام الحسن على هكذا صلح ، هو خذلان الناصر من تآمر عليه وعلى جنوده ، واكثرهم دخلوا في معسكره لغايات كثيرة .
لقد قسّم المؤرّخون جيش الإمام الحسن (عليه السلام) إلى الأقسام التالية :
الأوّل : الشيعة المخلصون الذين اتّبعوه (عليه السلام) لأداء واجبهم الديني وإنجاز مهمّتهم الإنسانية ، وهم قلّة .
الثاني : الخوارج الذين كانوا يريدون محاربة معاوية والحسن (عليه السلام) ، فالآن وقد سنحت الظروف فليحاربوا معاوية حتّى يأتي دور الحسن(عليه السلام) .
الثالث : أصحاب الفتن والمطامع ، الذين يبتغون من الحرب مَغنماً لدنياهم .
الرابع : شكّاكون لم يعرفوا حقيقة الأمر من هذه الحرب ، فجاؤوا يلتمسون الحُجّة لأيٍّ تكون يكونون معه .
الخامس : أصحاب العصبية ، الذين اتّبعوا رؤساء القبائل ، على استفزازهم لهم على حساب القبيلة ، والنوازع الشخصية . وقد أعرب الإمام الحسن (عليه السلام) عن هذه العلّة التي تثبّط عزيمة أهل الكوفة عن الخروج معه ، قائلاً : « وكنتم تتوجّهون معنا ودينُكم أَمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أَمام دينكم ، وكنّا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ، ثمّ أصبحتم تصدّون قتيلين ، قتيلاً بصفّين تبكون عليهم ، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم ، فأمّا الباكي فخاذل ، وأمّا الطالب فثائر » (22)
فكيف يحارب وهكذا جيش معه فالاجدر ان يحفظ القلة المتبقية من المخلصين من شيعته ، وقد كشف زيف معاوية امام المسلمين بنقض بنود الاتفاقية وطبق عكس كل مادة من مواد الاتفاقية لهـذا السبب نرى الرسائل ارسلت الى الحسين للبيعة للنهضة من شدة الضغط الاموي عليهم ويتمثل هـذا الضغط بالقتل والتنكيل والجوع وتسليط الظالمين من ولاة بني أمية ... لعنة الله والملائكة عليهم .. وختاماً نسأل من الله القبول والتوفيق لشيعة علي بن ابي طالب عليه السلام ولنصرة الدين والمذهب ... انه سميعٌ مجيب ..