أن اختيار كرسي الحلاقة ـ رمزاً لكرسي المنصب ـ كان بعيداً عن التوفيق تماماً، ففي حين أن الجلوس على كرسي الحلاقة غير مريح لأن الحلاق يصادر حرية الجالس ويسلبه، فضلاً عن الراحة وحرية الحركة، شعر رأسه ولحيته وبعضاً من ماله، فإن المنصب يعطيك حق التعدي على حرية الآخرين وسلب حقوقهم والتصرف بالمال العام، وفي هذا يكمن سر التمسك بالمنصب وانعدام القدرة النفسية والعقلية على مغادرته إلا بقوة قاهرة، بينما يتم التنازل بسهولة ويسر عن كرسي الحلاق حين يتشذب ويتجمل ويتعطر(المحلوق)!!
نظن أن الأكثر توفيقاً لو أن واضع سيناريو هذا الإعلان قد اختار كراسي (الكية) رمزاً لكرسي المنصب، لأن بعضاً من الراكبين ينتقون المقعد فيه بعد تمعن وتدقيق كبيرين، المقعد قرب السائق له الأفضلية دوماً حيث يتصدر الراكب الجلسة، خصوصاً لو كان يلاصق زجاج النافدة المفتوحة متقمصاً دور الموجه للسائق والناقد لتصرفات السائقين الآخرين واضعاً نفسه مستشاراً وخبيراً بشؤون السياقة والمرور.
أما أفضل كرسي ثان فهو المقعد القلاب، حيث تجد ـ غالبا ـ أحد الراكبين وقد استحوذ عليه حتى حين تكون(الكية) خالية من الركاب، وحتى لو أعاق الآخرين عن بلوغ المقاعد في الصف الأخير، ولن يتنازل عن حقه الدستوري والقانوني بصفته أول من (قلبه) وهيأه للجلوس!!
حين يمعن المرء في ممارسات يبدو أنها صارت جزءاً من سلوك كثيرين، يجد أن كرسياً دورته الانتخابية لا تتجاوز نصف ساعة ليس بالإمكان التخلي عنه طواعية مهما سبب من حرج وصعوبات للآخرين في بلوغ مقاصدهم، خصوصاً لو كان الآخرون شيوخاً أو نساء، يتأكد له أن خطراً فادحاً تأصل في نفوس الكثيرين وصار خلقاً من أخلاقهم يصعب تغييره.. يتأكد له بما لا يقبل الشك طرفة عين أن المنتخب هو نتاج الناخب وعلى شاكلته.. يتأكد له أننا، بصفتنا ناخبين، مسؤولون عن غياب الحكومة لأكثر من خمسة أشهر على غمس أصابعنا بحبر الانتخابات.
يُروى أن أحد الشيوخ صعد باصاً للركاب، وبقي واقفاً الطريق كله لكون الباص كان ممتلئاً عن آخره ولأن أحداً لم يتنازل ويخلي له مقعداً مراعاة لعمره، فقال بألم:
( كرسي بريم محد يعوفه، وتريدون من صدام يعوف السلطة)!!
منقووول