لمحات من حياة ناظم الغزالي
حياة قصيرة مثمرة
بعد (44) عاماً على رحيله الغامض عودة ناظمالغزالي
نقلا عن: صالون عبد الوهاب الشيخلي
بعد (44) عاماً على رحيل سفير الأغنية العراقية الفنان ناظم الغزالي عام 1964، شهدت الساحةالفنية طرح أهم اغنياته واشهرها في اسطوانة مدمجة (CD) تحتوي على اغانيه الشهيرة في الكويتومن أهمها: (تيهي على أريج الورود) فوق أغاني حفلته، (عيرتني بالشيب، حياك باباحياك، له خال خايف عليها، ياام العيون السودـ اقول وقد ناحت، وكول لي ياحلو، اي شيءبالعيد، وسمراء من قوم عيسى واخيراً طالعه من بيت ابوها)،
كان الفنان الراحل ناظمالغزالي قد تلقى دعوة من وزارة الإعلام الكويتي عام 1963 لأحياء حفلات غنائية معمجموعة من نجوم الغناء العربي وصحبة في الدعوة من العازفين حسن عبد الله ضاربالإيقاع وخضر الياس عازف الناي وناظم نعيم عازف الكمان وسالم حسين عازف آلة القانونونظم إليهم عازفون من فرقة الإذاعة
التي شاركت في أحياء حفلات نجوم الغناءالعربي آنذاك، ومنهم عبد الحليم حافظ الذي قدم ولأول مرة اغنيةخليجية بعنوان (ياهلي يكفي الملام).. وكانت حفلة المرحوم ناظم التي قدمها في سينماالأندلس شهدت اقبالاً كبيراً وظلت الجماهير تطالب استمراره في الغناء على الرغم منوجود فقرتين غنائيتين بعده للفنانة نجاة الصغيرة والفنان اللبناني وديع الصافي..
ومن المفارقات العجيبة ان وديع الصافي بعد أن شاهد هذا التجاوب الكبير منالجمهور مع الفنان العراقي ناظم الغزالي طلب في الليلة التالية من عازف القانونسالم حسين ورئيس الفرقة المصاحبة للغزالي ان يتحدث مع الغزالي لتأخير وصلتهالغنائية، وهذا يعني ان وديع الصافي خاف من الموقف الذي شهدته امسية الليلة الأولى،ولكن ومع بداية رفع الستار بدأ الجمهور يطالب بالغزالي فلم يجد سالم حسين بدأ منتقديم فقرةالغزالي الذي يتمسك به الجمهور على المسرح حتى الساعات الولى من صباحاليوم التالي.
الغزالي في بيروت
بعد هذهالمشاهد المؤثرة بين الجمهور أرتات وزارةالإعلام الكويتية تمديد إقامة الغزاليلتسجيل العشرات من الأغاني والمقامات العراقية، واستمر بقاؤه لأكثر من عشرين يوماً،وخلال انشغاله بتسجيل اغنياته في الكويت جاءه صاحب فندق (طانيوس عالية) في بيروتطالباً منه التقاعد لأحياء حفلات عدة، وقد تكللت حفلاته بالنجاح وزدادت شهرته فيلبنان وسوريا واطلق على الموسم السياحي لعام 1963 بموسم ناظم الغزالي،
ولم يكتفالغزالي بهذه الحفلات بل قام ومعه زوجته الفنانة العراقية سليمة مراد بجولة في أورباواحيا العشرات من الحفلات واجرى لقاءات صحافية وإذاعية وتلفزيونية وبهد هذه الجولةالغنائية الناجحة عاد الى بيروت ونزل في فندق (نورماندي) وفي صبيحة يوم 1963/10/20غادر بيروت في سيارته بصحبة صديقه وقائد فرقته الموسيقية الفنان سالم حسين.. وفيالساعة العاشرة والنصف في يوم 1963/10/21 توقف قلب الغزالي بعد وصوله الى بغداد فيمنتصف الليلة الأولى وهو لم يتجاوز الثانية والربعين من عمره، وكان رحمه الله فيقمة نضجه وفي كامل حيويته ونشاطه..
وظلت وفاته غامضة حتى اليوم وعلى الرغم منوجود شائعات ترددت بين أوساط العراقيين مفادها ان الغيرة الزوجية هي التي قتلته..
ولد ناظم الغزالي عام 1921 في أسرة فقيرة فابوه فقير مكافح وامه كفيفه البصر وقدكفله في صغره عمه حت أكمل دراسته الإبتدائية والمتوسطة واتبعها في معهد الفنونالجميلة قسم المسرح بإشراف الفنان حقي الشبلي الذي احتضنه خلال دراسته في المعهدولكن الظروف القاسية التي كان يعاني منها الغزالي أضطرته الى ترك الدراسة والعمل فيمشروع الطحين في العاصمة في أوائل الأربعينيات..
بين أزقة بغداد القديمة عاشالغزالي شاباً وبعد دراستنه التمثيل انظم الى فرقة (الزبانية) المسرحية وشارك فيعروضها وخاصة مسرحيتي (اصحاب العقول) و(فتح باب المقدس)..
لم يستمر ناظم طويلاًمع فرقة (الزبانية) إذ سرعان مع تحول الى الغناء.. وكان أول لحن يغنيه من ألحان حقيالشبلي (هلا هلا) التي دخل بها إذاعة بغداد واردفها باغنية ثانية لحنها له الفنان (وديع خونده) وهي أغنية (وين الكه الراح مني وانا المضيع ذهب.. وراحت السلة من إيديوراح وياها العنب.. وهاتان الاغنيتان كانتا بمثابة جواز سفره للدخول الى عالمالشهرة والأضواء والنجومية الحقة.
وفي صيف 1984 وقبل بداية الحرب العربيةالإسرائيلية واثناء وجوده الجيش العراقي في ارض فلسطين قام الغزالي بأول سفرة لهخارج بغداد مع وفد فني لدعم القادة والجنود.. وإذا كانت هذه سفرته الأولى الىفلسطين، فان رحلته الأخيرة كانت الى بيروت وبين هاتين الرحلتين عاش الغزاليالشهرةوالأضواء، واستطاع ان يجتذب حب الجماهير العربية حتى أصبح يطلق عليه بسفير الأغنيةالعراقية وقتذاك.
الأسطوانات الحجرية
في منتصفالخمسينات وبعد انتشار الحفلات الغنائية الحية بدأت ظاهرة تسجيل الأغاني علىاسطوانات حجرية تنتشر في العراق ومنطقة الخاليج العربي والجزيرة العربية، وقامتشركة (جقماقجي) بتسجيل اغاني لكبار الفنانين العراقيين وكان على رأسهم ناظم الغزاليوتميزت هذه الفترة باختيارات الغزالي الدقيقة لأغانيه ولأعضاء فرقته الموسيقيةوفرقة الكورس المنسجمة الأصوات الى جانب تعامله مع الملحنيين والشعراء في الساحةالفنية العراقية، وظهرت اول مجوعة من هذه الأغاني في أسطوانات وكانت هذه الأعمالالتي قدمها في الحفلات والأمسيات الغنائية مثل (طالعة من بيت أبوها) و(ماريدهالغلوبي) و(يم العيون السود) وغيرها من الأعمال الرائعة وكان يشرف على توزيعهاالموسيقي الفنان الراحل جميل بشير..
وبهذه العمال وغيرها من المقامات العراقيةالتي اشتهر بها ناظم الغزالي بلغت شهرته الأفاق العربية وقدمت شهادت بقدرتهالغنائية والدائية من قبل عمالقة الغناء.. ولم يتوان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن أن ينقل رغبت في التلحين لناظم لاغزالي.. وتم الأتفاق على ذلك في صيف 1961 غير أن فرحة ناظم لم تكتمل وتوفاه الآجل قبل ان يتم هذاالمشروع الكبير..
زواجه من الفنانة سليمة مراد
في إحدى مستشفياتبغداد عام 1970 لفظت الفنانة العراقية الأولى سليمة مراد أنفاسها الأخيرة بعد انتجاوزت الـ(70) من عمرها.. وقد أشتهرت سليمة بعدد كبير من الأغنيات الناجحة مناهمها: (ظل بعنادك اوهام، وخلاني الهوى، لطيف واسمر، ولوجانا الهوى وآه من الولفويعاندنيو كل الهلاو ايها الساقي) وغبرها من الغاني التي سجلتها آنذاك.. كما عرفتبلقت (سليمة باشا) وظلت تحمل هذا اللقب الى أن اصدرت المحكة العراقية قانوناًبإلغاء الرتب العثمانية، فصارت في ما بعد تدعى سليمة مراد، وهي من اب عراقي وامعراقية يهودية، وكانت المعنية الأولى لملك العراق الذي منحها لقب (باشا) كما يشاععنها أن عيرتها الشديدة كانت السبب في وفاة ناظم الغزالي بعد عودته مباشرة منبيروت.. وقد ذكر أحد المعاصرين لسليمة وناظم انها قالت (عدت من بيروت في الساعةالثانية عشر ظهراً وتوجهت الى البيت فشاهدت مجموعة من الناس أمام الباب، وعندماحاولت ان استفهم عن سبب وجودهم لم يخبروني لم يخبروني بشيء، في ما كانت عيونهم تنبئبوقوع كارثة، فدخلت البيت اركض وفاجأتني أحدى الصديقات بالحقيقة التي هي وفاة ناظم،بعدها تهالكت ودخلت البيت وانا في غيبوبه لم افق منها الا والمكان مكتظ بالمعزين).. أما قصة زواجها بناظم فتعود الى (8 كانون الثاني سنة 1952) في إحدى بيوت بغداد،عندما اشتركنا سوياً في حفلة غنائية، وفي سنة 1953 تم زواجها وظلا سوياً حتةزيارتهما الأخيرة لبيروت وعدوتها جواً من دون ان ترافق ناظم سفره بسيارته الى أنتوفي في سنة 1963..
ومنذ وفاة ناظم اصيبت سليمة بانتكاسة واعتزلت الغناء وعاشتحتى تجاوزت الـ(70) من عمرها..
ويلاحظ من سنها بان سليمة مراد كانت تكبر ناظمبـ(20) سنة لكنه احبها وعشقها وظل يشاركها حفلاتها الغنائية سنوات طويلة، ولشدةحبها له توقفت عن الغناء بعد وفاته حتى لحقت به بعد سيع سنوات حيث توفيت سليمة مرادفي سنة (1970) باحد مستشفيات بغدا د ومن الأشياء الجميلة التي جمعت بينهما حفظهماللمقامات والبستات العراقي ويقال انها كانت معلمته في حفظ الوان الغناء العراقيالذي كان ناظم يجهل بعضه..
* تم اعداد هذا التحقيق من كاتب (مبدعون عراقيون) للكاتب والشاعر والصحفي (مناضل التميمي) طبعة سوريا.. 2006.. منشورات اتحادوالأدباء والكتاب العرب.