حقوق الزوجة
لقد دَحض القرآن الحكيم الأفكار الباطلة التي كان الناس يعتقد بها في السابق ، وأقرَّ بأن طبيعة التكوين وأصل الخلقة بين الرجل والمرأة واحد ، فلم يخلق الرجل من جوهرٍ مكرم ، ولا المرأة من جوهر وضيع ، بل خلقهما الله من عنصر واحد وهو التراب ، ومن نفس واحدة ، فيقول تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) النساء : 1 .
وبذلك ارتقى بالمرأة عندما جعلها مثل الرجل تماماً من جهة الطبيعة التكوينية ، ووفر لها من خلال ذلك حقَّ الكرامة الإنسانية ، ثم إن القرآن وحَّد بين الرجل والمرأة في تحمُّل المسؤولية ، فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) .
على أن التساوي بينهما في أصل الخلقة والكرامة والمسؤولية ، لا يعني بتاتا إنكار الاختلاف الفطري والطبيعي الموجود بينهما ، والذي يؤدي إلى الاختلاف في الحقوق والواجبات ، فميزان العدالة السليم هو التسوية بين المرء وواجباته ، وليس التسوية في الحقوق والواجبات بين جنسين مختلفين تكويناً وطبعاً .
ومن هذا المنطلق فليس التفضيل في الإرث اختلالاً في العدالة ، بل هو عين العدالة ، فالرجل عليه الصداق منذ بداية العلقة الزوجية ، وعليه النفقة إلى النهاية .
ومن جانب آخر لا يريد القرآن تحديد حرية المرأة ومكانتها من خلال فرض الحجاب ، بل أراد صيانتها بالحجاب دون تقييدها ، مع الإيحاء باحترام المرأة لدى نفسها ولدى الآخرين .
إذ أراد لها أن تخرج في المجتمع - إذا خرجت - غير مثيرة للغرائز الكامنة في نفوس الرجال ، فتكون محافظة على نفسها ، وغير مضرّة بالآخرين ، كما أقرَّ القرآن للمرأة بحق الاعتقاد والعمل وفق ضوابط محدَّدة ، ومنح المرأة الحقوق المدنية كاملة ، فلها حق التملك ، ولها أن تهب ، أو ترهن ، أو تبيع ، وما إلى ذلك .
كما منحها حق التعليم ، فوصلت إلى مراتب علمية عالية ، وأشاد بنزعة التحرر لدى المرأة من الظلم والطغيان ، فضرب لذلك مثلاً في آسية امرأة فرعون ، الَّتي ظلَّت على الرغم من الأجواء الضاغطة ، محافظة على عقيدة التوحيد ، التي آمنت بها ، فأصبحت مثلاً يُحتَذَى به .
فقال الله تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم : 11 .
فإنه موقف صارم لا هوادة فيه ، ويختلف عن موقف مؤمن آل فرعون الذي وقف بوجه فرعون بلين وبلباقة .
وهكذا يكشف لنا القرآن عن مقدار الصلابة التي يمكن أن تكتسبها المرأة ، إذا امتلكت الإيمان والرؤية السليمة ، ويحدث العكس من ذلك لو حادت عن طريق الهداية كامرأة نوح ( عليه السلام ) ، فسوف تغدو أسيرة لعواطفها وأهوائها ، تحرِّكها أينما شاءت ، فتكون كالريشة في مهب الريح .حقوق الزوجة في السنّة النبوية :
وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أمّ مَثَار اهتمام السنة النبوية الشريفة ، فيقول النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَا زَالَ جِبرائِيل يُوصِينِي بِالمَرْأةِ ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّه لا يَنْبَغي طَلاقُهَا إلاَّ مِن فَاحِشَةٍ مُبِينَة ) .
ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي : توفير القوت لها ، توفير اللباس اللائق بها ، حسن المعاشرة معها .
وفي ذلك يقول الحديث الشريف : وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في العيش ، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمُتعة ، أو وسيلة للخِدمة ، فيعاملها بطريقة إصدار الأوامال( حَقُّ المَرْأةِ عَلَى زَوجِهَا : أنْ يَسدَّ جُوعَهَا ، وأنْ يَستُرَ عَورَتَها ، وَلا يُقَبِّحُ لَهَا وَجْهاً ) .
فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور مادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يقرن ذلك بحقٍّ معنوي ، هو أن لا يُقبِّح لها وجهاً ، وبتعبير آخر أن يُحسن معاشرتها ، لا سيَّما ر .
وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الإنساني مع الزوجة وحتى استشارتها ، وإن لم يرد الزوج أن يأخذ برأيها في ذلك المورد ، لأن استشارة الزوج لزوجته معناه إجراء حوارٍ مستمرٍّ معها ، وهذا مما يندب إليه العقل والشرع .
إذن لها حقٌّ معنوي مُكمل لحقوقِها المادية ، وهُو حقُّ الاحترام والتقدير ، وانتقاء تعابير مهذَّبة لائقة عند التخاطب معها تشيع أجواء الطمأنينة ، وتوقد شمعة المحبَّة ، فيقول الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( قَولُ الرَّجل للمرأة : إنِّي أُحِبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبَداً ) .
فإكرام الزوجة ، والرحمة بها ، والعفو عن زَلاَّتها العادية ، هي الضمان الوحيد والطريق الأمثل لاستمرار العُلقة الزوجية ، وبدون مراعاة هذه الأمور يصبح البناء الأسري هَشّاً كالبناء على الرمل ، فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسبابٍ تافهة .
لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ، وبعدها قال هذه الجملة : إنَّك لتجد التوافه - دائماً - في قرارة كل شقاء زوجي ، فلو تحلَّى الزوجان بالصبر ، وغضّا النظر عن بعض الأخطاء التي تحصل من غير عَمدٍ ، لأمكن صيانة العش الزوجي من الانهيار .
حقوق الزوجة في فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) :
يتطرق الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق لحق الزوجة ، ويلقي أضواء إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرحمة والمؤانسة ، فيقول ( عليه السلام ) : ( وَأمَّا حَقّ رَعيَّتك بِملك النِّكاحِ ، فأنْ تَعلَمَ أنَّ اللهَ جعلَهَا سَكناً ومُستَراحاً وأُنساً وَوِاقِية ، وكذلك كُلّ واحدٍ مِنكُما يَجِبُ أنْ يَحمدَ اللهَ عَلَى صَاحِبِه ، ويَعلَمَ أنَّ ذَلِكَ نِعمةً مِنهُ عَلَيه .
وَوَجَبَ أن يُحسِنَ صُحبَة نِعمَةِ اللهِ ، ويُكرمَهَا ، ويرفقَ بِها ، وإنْ كانَ حَقُّك عَلَيها أغْلَظَ ، وطَاعَتُك بِها ألزَمَ ، فِيمَا أحبَبْتَ وكرهْتَ ، ما لَم تَكن مَعصِية فإنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحمَةِ والمُؤَانَسةِ ولا قُوَّة إلاَّ بالله ) .
والتمعُّن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشُّكر اللَّفظي ، بأن يحمد الله تعالى عليها ، وتستوجب الشكر العملي ، بأن يكرم المرء زوجته ، ويرفق بها ، ويعاملها باللطف والرحمة ، ويعقد معها صداقة حقيقية ، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين .
أما لو تصرَّف معها بالعُنف ، وأحصى عليها كلّ شارِدة ووارِدة ، فسوف يقطع شرايينَ الودّ والمحبَّة معها ، ويكون كَسِكِّين حادة تقطع رباط الزوجية المقدَّس .
ولقد بين الإمام الصادق ( عليه السلام ) بكل وضوح السياسة التي يجب على الزوج اتِّباعها لاستِمالة زَوجتِه ، وعدم قَطع حبال الودِّ معها .
فقال ( عليه السلام ) : ( لا غِنَى بالزَّوجِ عَن ثلاثَةِ أشياءٍ فِيمَا بَينَه وبَين زَوجَتِه ، وهي : الموافَقَة ، ليَجتلِبَ بِها مُوافقَتها ومَحبَّتها وهَواهَا ، وحُسن خُلقِه مَعها واسْتِعمَاله استمَالَةَ قَلبِهَا بالهَيئة الحَسَنة في عَينِها ، وتوسِعته عَلَيها ) .
ومن الجدير ذكره أن هذه الأقوال ، ليست - مجرد - كلمات تنشر في الهواء يُطلقها الأئمة ( عليهم السلام ) من أجل الموعظة ، بل جسَّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع .
فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت ( عليهم السلام ) بين الوعي والواقع ، ومن الشواهد الدالة على ذلك : يروي الحسن بن الجهم قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) اختضَب ، فقلت : جُعلت فداك اختضَبْتَ ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ ، إنَّ التهيِئَة مِمَّا يُزيدُ في عِفَّة النِّسَاء ، ولقَد تَرَك النِّسَاءُ العفَّة بِتَركِ أزواجهنَّ التهيئة ، أيَسُرّكَ أن تَراهَا عَلى مَا تَراكَ عَلَيه إذا كُنتَ عَلى غَيرِ تَهْيئة ؟ ) ، قلت : لا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فَهوَ ذَاكَ ) .
فالإمام ( عليه السلام ) يُدرِكُ أن الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكِلا الزوجين ، لذلك يراعي حقَّ الزوجة ، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلالِ التهيئة ، ولأن عدم التوافق في هذا الجانب يعتبر من الأسباب الأساسية في الإخفاق في الزواج .
صحيح أن الزواج في الإسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس ، فالجنس مجرد وسيلة للوصول إلى الغاية من الزواج ، وهي : رفد الحياة الإنسانية بجيل صالح ، إلاَّ أنَّ ذلك لا يُبرِّر إهمال حقّ الزوجة في المُتعة الجنسية ، لذلك لا يجوِّز الشرع هَجرها أكثر من أربعة أشهر .
حقوق الزوج
من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة ، قال الله تعالى : ( الرِجالُ قوّامُونَ على النِّساءِ بما فَضّلَّ اللهُ بَعضهُم على بَعضٍ وبما أنفقُوا مِن أموالِهم ) (1).
فالاُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلى قيّم ومسؤول عن أفرادها له حقّ الاشراف والتوجيه ومتابعة الأعمال. 1 ـ النساء 4 : 34.
والممارسات ، وقد أوكل الله تعالى هذا الحق إلى الزوج ، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين ، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.
ومن الحقوق المترتبة على حق القيمومة حق الطاعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلاّ باذنه ، ولاتصوم تطوعاً إلاّ باذنه ، ولا تمنعه نفسها ، وإن كانت على ظهر قتب ، ولاتخرج من بيتها إلاّ بإذنه ... » (1).1 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 277.
حتى إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قبل المرأة لكي تتهرب من زوجها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تطوّلن صلاتكن لتمنعنَّ أزواجكن » (2).2 ـ الكافي 5 : 508
ويجب عليها احراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة ، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلاّ باذنه (3)3 ـ الكافي في الفقه : 187.
، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلاّ باذنه ، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها (4) 4 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 191.
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية وإدامة الروابط الروحية وادخال السرور والمتعة في نفس الزوج ، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله ، ما حقّ الزوج على المرأة ؟ قال : أكثر من ذلك ،
فقالت : فخبّرني عن شيء منه فقال : ليس لها أن تصوم إلاّ باذنه ـ يعني تطوعاً ـ ولا تخرج من بيتها إلاّ باذنه ، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتزيّن بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها » (1).1 ـ الكافي 5 : 508.
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «.. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه »(2).2 ـ تحف العقول : 239.
وفي رواية (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : مايهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك ، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « بشرها بالجنة ، وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً ».
وفي رواية : « إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً ، وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد » (3).3 ـ مكارم الاخلاق : 200
ويحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه ، كادخال بيته من يكرهه ، أو سوء خُلقها معه ، أو اسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها
صرفا ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه » (1).1 ـ مكارم الاخلاق : 202.
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها ، لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها ، كغسلها من جنابتها » (2). 2 ـ الكافي 5 : 507.
ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرر شرعي (3)3 ـ جواهر الكلام 31 : 201. ومنهاج الصالحين ، المعاملات : 103.
، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع » (4).4 ـ مكارم الاخلاق : 202.
ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة التي تخلق أجواء التوتر في الاُسرة ، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدبة لها إذا لم ينفع معها الوعظ والارشاد ، وتندرج العقوبة من الأخف أولاً ثم الأشد ثانياً حسب حال المرأة ومقدار نشوزها واعراضها وعدم طاعتها بعد بذل النصيحة والموعظة ، قال الله تعالى : (... واللاتي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهنَّ واهجُرُوهُنَّ في المضاجعِ واضرِبُوهُنَّ فإنَّ أطعنّكُم فلا تَبغُوا عَليهنَّ سَبيلاً ... ) (5). 5 ـ سورة النساء : 4 / 34.
فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها ، وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل ، فيبدأ بوعظها وتخويفها من الله تعالى ، فإن أثّر ذلك وإلاّ هجرها بالاعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير اخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس ، فان أثّر ذلك وإلاّ ضربها ضرباً غير مبرّح ، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو باذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها ، وإن أبت فله تأديبها بالاعراض عنها وقطع الانفاق (1).1 ـ الكافي في الفقه : 294.
وأكدت الروايات على مراعاة حق الزوج ، واتّباع الأساليب الشيّقة في ادامة أواصر الحبّ والوئام ، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الاُسرة ، فجعل الإمام الباقر عليه السلام حسن التبعل جهاداً للمرأة فقال عليه السلام : « جهاد المرأة حسن التبعل » (2).2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 278.
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ حتى تؤدي حقّ زوجها » (3).3 ـ مكارم الاخلاق : 215.
وذكر صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات التي توجب دخول الجنة ، حيث قال : « إذا صلّت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت »(4).4 ـ مكارم الاخلاق : 201.
ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام منهجاً في العلاقات بين
الزوجين يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب ، فأكد على الزوجة أن لا تكلف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة ، وهو أمر يسبب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية ويضرّ بصفوها وانسجامها.
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق ، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته » (1).1 ـ مكارم الاخلاق : 202.
وحث صلى الله عليه وآله وسلم المرأة على اصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال : « حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج ، واصلاح الطعام ، وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به ، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل ... » (2) .2 ـ مكارم الاخلاق : 215.
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته ، قال الامام جعفر الصادق عليه السلام : « خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني » (3).3 ـ مكارم الاخلاق : 200.
وجعل الإمام محمد الباقر عليه السلام رضا الزوج على زوجته شفيعاً لها عند الله تعالى ، فقال : « لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها ، ولمّا ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك ، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها » (4).4 ـ بحار الانوار 103 : 257. ومن أجل التغلب على المشاكل المعكّرة لصفو المودة والوئام ، يستحب للزوجة أن تصبر على أذى الزوج ، فلا تقابل الأذى بالأذى والاساءة بالاساءة ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الاُسرة بالتوترات الدائمة والمشاكل التي لا تنقضي ، والصبر هو الاُسلوب القادر على ايصال العلاقات الى الانسجام التام بعودة الزوج إلى سلوكه المنطقي الهادىء ، فلا يبقى له مبرر للاصرار على سلوكه غير المقبول ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته » .
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الاُسري أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه ، فيحفظون له مقامه ، ويؤدون له حق القيمومة فيطيعون أوامره ، ويستجيبون لارشاداته ونصائحه ، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً ، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الاُسرة بأكمله ، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة
==================
رجل الغرام