الماء الكر!..



إن الماء القليل يتنجس بملاقاة النجاسة،
وقد لا يطهر في بعض الحالات؛ ولكن إذا فتحنا عليه الماء الكثير، فإن هذا الماء القليل يتحوّل إلى ماء كر..

وكذلك فإن نفس الإنسان -الفانية، الصغيرة، غير الكر،

التي تتنجس بأدنى ملاقاة للنجاسة- إذا انتسبت إلى مصدر الطهر في الوجود؛
فإن الصفات الربوبية تتجلى فيها، حيث أن رب العالمين يضفي على هذا الوجود من صفاته؛ بمقدار بشريته..

عندئذٍ ماذا ستصبح النتائج، عندما يرتبط الفاني بالباقي، والوضيع يرتبط بالشريف؟!..

هو يتصرف في مخلوقه، كما تصرف في مريم (عليها السلام) التي لم تقم بجهاد: لا بقلمها،

ولا بقدمها، ولم ترفع سيفاً في سبيل الله،

ولم تتحمل أذى في طاعة الله..

ولكنها أصبحت متعلَقاً لهذا الجذب الرباني!..

مريم (عليها السلام) اتصلت بالكر،
فانتسبت إلى الله -عز وجل-
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا..

زكريا (عليه السلام) نبي من أنبياء الله،

لا ارتباط له بمريم (عليها السلام)،

ولكن الله تعالى جعل زكريا (عليه السلام) في خدمة هذه المرأة، بحيث رأى زكريا (عليه السلام) منها ما لم يره في نفسه

﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا..

فرب العالمين أعطى مريم هذا الامتياز،

وجعلها سيدة نساء زمانها، واصطفاها، وطهرها،

وأكرمها بالمائدة الإلهية في المحراب..

ولكن لكل امتياز ضريبة،

وضريبتها كانت المحنة التي مرت بها، وجعلتها تتمنى الموت إلى أن قالت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا..

فرغم أنها كانت حاملاً بروح الله، وبإذن الله، ومع ذلك كان فيها هذا العفاف!..