كلنا قرأ او سمع عن عمليات قتل اليهود العراقيين ونهب ممتلكاتهم "الفرهود" في خمسينيات القرن الماضي والتي جاءت كرد فعل على نكبة العرب سنة 1948وقيام الدولة اليهودية.
و"الفرهود" لغير العراقيين, تعني سلب ونهب الاموال العامة او الخاصة من قبل مجموعة من الناس في "فزعة" بمباركة الدولة او بسبب ضعفها وغياب سلطة القانون. و "فرهود" يهود العراق تم بمباركة الحكومات العراقية السابقة ورجال الدين حيث قام المفرهدون بفرهدة املاك معتنقي الديانة اليهودية من العراقيين الذين سكنوا وعاشوا في العراق منذ القدم ثم تبع "الفرهود" اسقاط الجنسية العراقية ومصادرة الدولة للاموال والممتلكات التي سلمت من "الفرهود" واعدم من اعدم بتهمة التجسس وهجر الناجون الى اسرائيل.
وفي مطلع الثمانينيات قام النظام العراقي السابق بأصدار عدداً من القرارات والتوصيات التي بموجبها ابعد الكورد الفيليين من العراق على خلفية محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز من قبل طالب فيلي يدعى سمير نور غلام اثناء قيام عزيز بزيارة الجامعة المستنصرية. اصدر مجلس قيادة الثورة سيء الصيت انذاك القرار المرقم 150 والقرار 180 ثم القرار 666 والذي نص على اسقاط "الجنسية العراقية عن كل عراقي من اصل اجنبي اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والاهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة”. وطلبت القيادة السياسية انذاك من وزير الداخلية ان يأمر بأبعاد كل من اسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب الفقرة (1). وبعد صدور هذه القرارات قامت السلطات العراقية بتهجير ابناء هذا المكون الاصيل من مناطق سكناهم في بغداد والمحافظات وإلقائهم على الحدود العراقية الإيرانية بدعوى انهم من التبعية الايرانية بعد تجريدهم من الوثائق والمستمسكات الرسمية تبعها "فرهود" ومصادرة الدولة لاملاكهم واموالهم.
عادت ممارسات التهجير و "فرهود" املاك المهجرين لتظهر الى السطح بعد انهيار النظام العراقي السابق وسيطرة المليشيات والتنظيمات الارهابية على الكثير من المناطق والمدن العراقية, وأتسعت عمليات التهجير و "الفرهود" بعد تفجير قبة مرقد الامامين العسكريين (ع) في سامراء وما صاحبها من عمليات تطهير مذهبي وقتل على الهوية طالت ابناء المذهبين السني والشيعي بألاضافة الى التهجير الممنهج للمسيحيين وابناء الطوائف والاديان الاخرى.
مقدمة طويلة لظاهرة قديمة متأصلة في شخصية الفرد العراقي تطفو الى السطح كلما ضعفت السلطة او تغَير نظام الحكم لتُستَغل من قبل بعض الاحزاب او الاشخاص من اجل منافع شخصية او حزبية.
كنت قرأت قبل ايام في صحيفة الزمان العراقية وفي عددها الالكتروني الصادر يوم الثلاثاء المصادف 19 كانون الثاني 2010, خبر اصدار مجلس محافظة النجف الاشرف انذاراً "للبعثيين والتكفيريين" لمغادرة المحافظة. جاء هذا الانذار على شكل بيان رسمي صادر من المجلس تضمن عدة اوامر وتوصيات اهمها امهال "البعثيين والتكفيريين" يوماً واحداً للخروج من المحافظة واعطاء السلطات التنفيذية الضوء الاخضر بالضرب بيد من "حديد" وتطهير دوائر الدولة هؤلاء "البعثيين والتكفيريين" وابعادهم عن العملية السياسية.
بيان مجلس محافظة النجف يؤكد من جديد تجذر ظاهرة "الفرهود" في المجتمع العراقي, ورغم ان النظام الاستبدادي قد سقط في العراق لكن الممارسات الاستبدادية سواءً للاحزاب او الافراد واقصاء المعارضين السياسيين بقيت كما هي. بالامس اقصي الوطنيون بحجة انتمائهم للاحزاب الاسلامية واليوم يقصى الوطنيون نفسهم مرة اخرى ولكن بتهم الانتماء للاحزاب القومية. نحن لا نريد تبرئة حزب البعث ونعرف ان قسماً من البعثيين متورط في العمليات الارهابية ولكن في دولة القانون يجب ان يعتمد مبدأ العدالة الذي يقول ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته, وان ادين فلا علاقة لاهله بما اقترف. هكذا يجب ان تكون دولة القانون والا فأننا لم نغير نظامنا بأسقاط صدام حسين انما استبدلنا دكتاتور بأخر.