موقف طريف في زمن الطفولة
منذ طفولتي والشقاوة تلازمني لدرجة أن الجن كانوا يرحلون عن منزلنا وذلك بسبب لعبي لكرة القدم وركضي المستمر في أرجاء المنزل .. ذلك المنزل الذي يتدمر كل يوم وكأن غارة عشوائية أصابته لتقوم والدتي بترتيبه ومتابعتي في كل مكان أذهب إليه وكأنها حارس شخصي .
استمر الوضع هكذا حتى أتى يوم زارنا خالي فيه وشكت له والدتي حالتها معي وقالت أخشى أن يكون أصيب بمس من الجن فنشاطه وحركته لا تنطبقان على أي طفل عرفته في حياتي إنه يتحرك في كل مكان وكأنه قائد سيارة أجرة ، حتى وهو نائم قدماه تتحركان وتضرب في كل اتجاه ..لذلك أريدك يا أخي أن تذهب به إلى شيخٍ يقرأ عليه ليخرج ما بداخله ..
وافق خالي على طلبها بشرط أن لا تخبرني بذلك وأن تقول لي بأنه سيصطحبني إلى السوق لشراء بعض الألعاب .. بعدها أخبرتني بما طلب منها وأضافت بأن ولده سيأتي معنا فطرت من الفرح وقفزت على خالي الذي سقط من شدة القفزة وهو يقول بفرح أذهب إلى السيارة أنت وولدي .. ما إن أنهى كلماته حتى صعدت لينطلق بنا في شوارع مدينة الرياض حتى وقفنا أمام منزل متهالك وقال لنا انزلا من السيارة سوف نجلس عند هذا الرجل قليلا وبعدها نذهب إلى السوق .. نزلنا بسرعة إلى الداخل فرأيت أناساً كثر لا يعدون ولا يحصون وكأنني أقف في (( حراج أبن قاسم ))
أمرنا خالي بأن نجلس في الساحة مع الناس وما إن فعلن حتى دخل علينا شيخ وقور أخذ يقرأ كتاب الله وأنا أنظر إليه وحواسي منجذبة معه حتى قطع انسجامها رجل قفز وسقط أمامي وبدأ في الترفيس بقدميه وهو يصرخ محاولاً النهوض والخروج ولكن هناك من قفز عليه وكتفه والقى به في غرفة منعزلة وأنا مشدوه البصر مشدود العصب وقدمي ترتجفان من شدة الخوف ..
بينما أنا في زمرة الخوف .. قال الشيخ كلكم قفوا وشكلوا صفا واحدا حتى أقرأ وأنفث عليكم .. تقدم خالي وقرأ عليه وتقدم ولده وقرأ عليه وما إن وصلني الدور حتى التفت الشيخ إلى شخص جالس في ركن من أركان الساحة وطلب بإحضاره وجعلوه أمامي وقرأ عليه الشيخ وكان يتلفت ويبعد وجهه إلى أن غرز الشيخ إصبعه تحت ذقن الرجل وأخذ يقول له (( أطلع .. أطلع .. ))
وأنا واقف خلف الرجل وقدمي ترتعدان من ذلك الصوت الذي صدر من حنجرة الرجل لم يكن صوتاً عادياً بل كان أشبه بصوت شخص يتحدث من أنفه ..وكان يصرخ والشيخ يقول له (( أطلع ..أطلع )) ومن شدة الألم نطق من في داخله (( أبطلع ..أبطلع )) .. ليقول الشيخ للذين يقيدونه دعوه وحملوه بعيدا .. وبعدها ألتفت الشيخ علي وقال لي أقترب ولم يكن يعلم بأنني قد أصبت بالشلل الجزئي من شدة الخوف فأقترب الشيخ مني وأخذ يقرأ علي وكان يخرج من فمه رذاذ وكنت أبعد وجهي عنه..
وبينما أنا أبعد وجهي غرز الشيخ أصبعة تحت ذقني بحركة خطافية فرفعت يدي حتى أمسك بيده ولكن هيهات قفزوا من هم حوله ليقيدوني والشيخ يغرز إصبعه بشده لدرجة أنني قلت (( أبطلع ..أبطلع ))فقال لي الشيخ قل لا إله إلا الله ..قلتها وتركني وهو يضحك ويقول لي لماذا قلت(( أبطلع )) قلت لأنني رأيت الذي قبلي قالها فضننت بأن كل شخص يقولها تتركه .. وبينما أنا أتحدث إليه كان خالي يبكي ويضن بأن في داخلي مس من الجن عندما رآني أردد(أبطلع.. أبطلع)
بعدها ذهبنا إلى السوق والألم لم يبرح فكي .. واخذوا يضحكون علي في المنزل عندما روى لهم خالي تلك القصة ..