الديانة والايمان
ان الصابئة قوم موحدون، يؤمنون بالله واليوم الأخر، وأركان دينهم التوحيد – التعميد – الصلاة – الصوم – الصدقة). وهي أول ديانة توحيدية في التاريخ ، حيث يعود اصلها إلى نبي الله آدم(ع) كما هو مذكور في كتبهم المقدسة، أما ياقوت الحموي فقال عنهم بأنهم ملة يصل عمقها إلى شيت بن آدم (ع) .. ويرجع ابن الوردي تاريخهم إلى النبي شيت بن آدم والنبي إدريس (هرمس) (ع) .. ويقول الفرحاني ان الصابئة أصحاب ديانة قديمة ولعلها اقدم ديانة موحدة عرفتها البشرية وأشار إلى الكثير عنهم في كتاب أقوام تجولت بينها فعرفتها))
كما يؤمن الصابئة المندائيون بان أول نبي ومعلم لهم هو ادم وابنه شيث (شيتل) وسام بن نوح ويحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) والذي يدعى في لغتهم المندائية ب يهيا يوهنا))
اما بخصوص الكتب الدينية .. فللصابئة المندائيين كتاب ديني مقدس يدعى (كنزا ربا) أي الكنز العظيم مخطوط باللغة المندائية، ويحتوي هذا الكتاب على صحف ادم وشيت وسام (ع). ويقع في 600 صفحة وهو بقسمين القسم الاول: من جهة اليمين ويتضمن سفر التكوين وتعاليم (الحي العظيم) والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلام وكذلك تفاصيل هبوط (النفس) في جسد ادم ويتضمن كذلك تسبيحات للخالق واحكام فقهية ودينية القسم الثاني: من جهة اليسار ويتناول قضايا (النفس) وما يلحقها من عقاب وثواب. اضافة إلى تراتيل وتعاليم ووصايا. ولدى الصابئة المندائيون كتب اخرى مثل كتاب (دراشا اد يهيا) أي تعالم النبي يحيى بن زكريا (ع). والكتابين انفي الذكر قد ترجموا إلى اللغة العربية في السنة الماضية
التوحيد او الشهادة: وتسمى باللغة المندائية (سهدوثا اد هيي) أي شهادة الحي .. هو الاعتراف بالحي العظيم (هيي ربي) خالق الكون بما فيه، ويصفونه بصفات مقدسة لاتختلف عن ما ورد في الكتب المقدسة الاخرى كالتوراة والإنجيل والقران، مثل الرحيم، الرحمن، القوي، المخلص، الذي لايرى ولا يحد، العظيم، المحب .. الخ
فقد ورود في كتابهم المقدس (كنزا ربا) ما يلي (لا أب لك، ولا مولود كائن قبلك، ولا أخ يقاسمك الملكوت، ولاتؤام يشاركك الملكوت، ولا تمتزج، ولا تتجزأ، ولا انفصام في موطنك، جميل وقوي العالم الذي تسكنه)
الصلاة: وتدعى بالمندائية (براخا) وتعني المباركة او التبريكات. وهي لديهم نفس مفهوم الاديان الاخرى بالنسبة للصلاة وهي التقرب للذات العليا الله سبحانه وتعالى. حيث ورد في كتابهم المقدسة مايلي (( وامرناكم ان اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون)
والصلاة لديهم فرض واجب على الفرد المؤمن، يجب تاديته ثلاث مرات يوميا (صباحا-ظهرا-عصرا)، وتسبق الصلاة طقس صغير يقام بالماء الجاري يدعى (الرشاما – الرسامة) وهو يقوم مقام الوضوء عند المسلمين، وهو عبارة عن غسل الاعضاء الرئيسية في الانسان والحواس، بالماء الجاري مع ترتيل مقطع ديني صغير، مثلا عند غسل الفم يقول المصلي (ليمتلىء فمي بالصلوات والتسبيحات) وعند غسل الاذن (اذناي تصغيان لاقوال الحي) وهكذا البقية إلى اخره
الصوم: ويسمى بالمندائية (صوما ربا) أي الصيام الكبير. والصيام في مفهوم الصابئة الديني هو الكف والامتناع عن كل مايشين الانسان وعلاقته مع الرب هيي ربي (مسبح اسمه) واخوانه البشر .. أي الصيام او الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات.
ولديهم ايضا مايدعى بالصيام الصغير .. وما هو إلا تذكرة للانسان بصيامه الأكبر .. ويتم بالكف عن تناول لحوم الحيوانات وذبحها خلال أيام معينة من السنة يبلغ مجموعها 36 يوم .. لكون ابواب الشر مفتوحة على مصراعيها، فتقوى فيها الشياطين وقوى الشر، لذلك يطلقون عليها أيام مبطلة ))
الصدقة: وتسمى بالمندائية زدقا )) وهو من اخلاقيات المؤمن لديهم، وواجباته اتجاه اخيه الانسان والخلق باسره. وتشترط في الصدقة لديهم ان تعطى بالسر، لان المجاهرة في اعطاء الصدقة تفسد ثوابها. فقد جاء في هذا الموضوع في الكنزا ربا ما يلي (( أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمأن واكسوا العراة .. لان من يعطي يستلم .. ومن يقرض يرجع له القرض)). وجاء ايضا في نفس الكتاب، ما يلي ((ان وهبتم صدقة ايها المؤمنون، فلا تجاهروا .. ان وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وان وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم .. كل من وهب صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له))
التعميد او الصباغة: او ما يدعى ب(مصبتا) باللغة المندائية. ولقد جاءت تسمية الصابئة من جذر هذه الكلمة لغة ومفهوما، كما اوضحنا اعلاه وهذا الطقس يعتبر عماد الديانة المندائية وركنها الاساسي، وهو فرض واجب على الانسان ليكون مندائيا. والتعميد لديهم يجري في المياه الجارية الحية وجوبا، لانه يرمز إلى الحياة والنور الرباني. وطقس التعميد المندائي محتفظ إلى الان باصوله القديمة، وهو نفسه الذي نال المسيح به التعميد على يد النبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) مباركة اسمائهم
ويهدف التعميد في نظرهم للخلاص والتوبة ولغسل الذنوب والخطايا القصدية وغير القصدية، وللتقرب من الرب ايضا. وهو ياخذ نفس مفهوم الحج عند المسلمين. ويستفاد من التعميد لديهم في حالات النزولية الطقسية لرجال الدين .. وعند الولادة والزواج وعند تكريس رجل دين جديد، وان هذا الطقس يكرر عدة مرات للانسان ووقتما يشاء، وذلك في ايام الاحاد او في المناسبات الدينية، وهو خلاف التعميد المسيحي الذي يجري مرة واحدة فقط. وكما وضح اغلبية الباحثون والمستشرقون بان المسيحية قد اخذت طقس التعميد من المندائية وطورته بما يخدم مفاهيمها المقدسة. ويقول البروفيسور اوليري ( ان الصابئين المندائيين في جنوب العراق هم اصل معمدي الآباء المسيحيين الأوائل،
الصابئة في القران
لقد ورد ذكر الصابئة وبصورة مستقلة في القران الكريم وفي الايات الاتية. الآية 62 من السورة الثانية ( سورة البقرة ) وردان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم آجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون). وفي الآية 69 من السورة الخامسة ( سورة المائدة ) ورد
ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون). وفي الآية 17 من السورة 22 ( سورة الحج ) ورد : ( ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا انالله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد)
مهن الصابئة
قد اشتهر الصابئة المندائيون منذ القدم، بالنتاجات الادبية والعلمية الرائعة، ولحد الان تجد فيما بينهم الطبيب والمهندس والمعلم والمهني والشاعر والاديب الكثيرين .. فقديما برع منهم : أبو إسحاق الصابي وزير الطائع والمطيع، وثابت بن قرة وولديه سنان وإبراهيم اللذان برعا في الطب والرياضة والفلك والترجمة، وأيضا إبراهيم بن هلال الأديب الذائع الصيت، الذي تولى ديوان الرسائل والمظالم سنة 960م)). وحديثا برع منهم الكثير مثل العلامة العراقي القدير المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله صاحب الانجازات العلمية العالمية في علم الفيزياء والانواء الجوية، وهو من القلائل الذي ساهم في شرح نظرية انشتاين النسبية، حيث اسند أليه منصب رئيس المجمع العلمي لعلوم الأنواء الجوية في أمريكا. كما انه كان المؤسس لجامعة بغداد و رئيسا لها في فترة ما، وقد ساهم ايضا في تأسيس جامعة البصرة. ويعده البعض المع عالم في مجاله في القرن المنصرم
وأيضا البروفيسور صبيح السهيلي والشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد والشاعرة المعروفة لميعة عباس عمارة والدكتور عبد العظيم السبتي (الذي كرمه اتحاد الفلكيين العالمي مؤخرا، وذلك بإطلاق اسمه على أحد الكواكب المكتشفة سنة 1981 وهو بذلك يعد أول عراقي وعربي ينال مثل هذا التكريم) وغضبان الرومي ونعيم بدوي وعبد الفتاح الزهيري والرسامة والشاعرة سوسن سلمان سيف .. إضافة إلى الكثير من الأدباء والأطباء والمهندسين
ولكن في نفس الوقت هنالك مهنة يعشقونها وكانها سارية في عروقهم وهي مهنة الصياغة التي توارثوها اب عن جد، وبرعوا فيها، ولازالت أسواقهم ومحلاتهم في شارع النهر وخان الشابندر في بغداد وفي جميع المحافظات العراقية وفي الأهواز في إيران .. والان هم منتشرين بمحلاتهم في أستراليا وأوروبا وأمريكا وكندا أيضا .. ولا زالت أعمال صياغة الذهب والفضة، والنقش على الفضة بمادة «المينة» هي من إبداعاتهم
واعمالهم الرائعة كانت محط إعجاب الرؤساء والملوك والقادة العسكريين والمدنيين إضافة إلى السياح والرحالة الأجانب الذين كانوا يبتهجون عند اقتناءهم مثلا علبة سجائر منقوشة عليها صورتهم بكل دقة وروعة ومطعمة بمادة المينة السوداء التي يدعوها((بالمحرك)) أو منقوش عليها أسد بابل أو الدلة العربية أو النخلة الشامخة
ولقد برع في مجال فن صياغة الذهب والفضة الكثير منهم: زهرون بن ملا خضر وحسني زهرون وعنيسي الفياض وناصر وحاتم ومنصور حاتم وعبد سكوت وبدن خضر وكريم النشمي وياسر صكر وزامل وضامن حويزاوي وسعد رهيف والمهندس حامد عبد الرزاق رويد واخوته ونصير لفتة شميل.
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<\
انتهى


رد مع اقتباس