كان بردُ الشتاء قد ألهبَ صقيعَ الغربةِ في روح أسماء،
وما إن رأت للربيع إطلالة،، حتى انفرجت أساريرها
فقالت: هوذا الفرح يلوّح من بعد تعبٍ دام طويلاً
وانحباسٍ أضجرَ مني الروح والقلب.
فلوّحت بيدها للربيع الآتي، واستقبلته بذراعيها المفتوحتين،
وكانت منها ابتسامةٌ لطيفة لنسماته تداعب وجنتيها برقّة وعاتبته:
قالت: أين كنتَ أيها الربيع؟؟ وأين كان هذا الأمل مختبئاً؟؟
لماذا تركتني أعاني زمهرير الوحدة، وأصارع عواصف الغربة؟؟
إقترب منها مبتسماً،،
وقال: أسماء.. يا فتاة الربيع، إنها الحياة أخذٌ وعطاء.
قالت: نعم،، وكيف ذلك يكون؟؟ هل بالأسى والمرارة اللاذعة؟؟
قال: لا يا أسماء.. فالحياة تأخذ كما تعطي، ومن يرفض ذلك
لا يستحق أن يعيش.
قالت: كيف؟؟ علّمني أرجوك أيها الربيع.
قال: الحياةُ يا حُلوتي،، كالسنة وفصولها ،، ففصل الشتاء أعطى الكثير
للربيع كما أن الربيع أخذ منه الكثير.
قالت: وكيف للشتاء وظلامه ووحشته أن يُعطي الربيع وروعته؟؟
قال: أعطى الشتاء البرد للأرض فنامت بذورها ثم رواها بالمطر فانتعشت
في أحضانها وبعدها ظهرت الشمس لترسلَ أشعتها وتوقظ البذور فتتفتّح
أزهاراً راقصة.
قالت: وأين الحياة وعطاؤها من هذا كلّه؟؟؟
أين الشتاء الذي أعطاني أيها الربيع ؟؟؟
قال: أنتِ الأرضُ والبذور يا أسماء ...
والأحزان التي هي ابتلاءاتٌ لك ، إنما هي محبّةُ الباري ورحمته التي روَتْ
روحكِ وسقتها ، وأشعّة الشمس يا صغيرتي هي الأمل
والصبر الذي تحلّيتِ به وغذّيتِ روحكِ عليه .
قالت: لكنّ شتاء حياتي ظلمني ،، كان قاسياً جداً !! ولا زال ...
آثارُ تشوّهاته لا زالت بارزةً حتى الآن .
قال: أسماء...
لا حياة بلا متاعب،، ولا عبورَ بلا مصائب ،،
إنّما هو الإمتحان ، هو الأبيض والأسوَد ،، هو الخير والشر ،،
هو الربيع والشتاء ،، هكذا صراعٌ دائم ....
حتى يكون النصر للخير ،، للأبيض ،، للربيع ...
قالت: وأراني لا أرى سوى أسوَداً ،، وأتألّم بأنياب الذئاب ،،
وأرى الشتاءَ مستمرّاً ،، فهل النصر لهذه الأشياء ؟؟؟
وهل هكذا يكون الأخذ والعطاء؟؟؟
قال: لا يا أميرتي ...
إنما هو الخير أصل الحياة ،، ونحن من جعلها فصولاً كثيرة ..
فبإرادتنا نعبُرُ كلَّ هذه الفصول بأمان ،، وبإرادتنا ننهزم .
أسماء..
رحلتُنا مع فصول الحياةِ طويلة ، وحكايتنا لا تنتهي ،،
فهلاّ أعطَيْتِني يدَ الأمل،، ومنحتِني ابتسامةَ رضىً حتى نعبرَ بأمان...
إبتسمتْ أسماء ،، مدّتْ يدها له ،،
تمّ انطلقا يُنشِدان للربيع أملاً .
مريم
11-10-2009
11:00 صباحاً



رد مع اقتباس


