أزمة رئاسة المجلس
تقدم أزمة رئاسة مجلس النواب مثلا جديدا لمدى العطب الذي اصيبت به الحياة السياسية في العراق بسبب نظام المحاصصة الذي يحكم الدولة العراقية منذ تشكيل مجلس الحكم على يد الحاكم الأمريكي السابق بول بريمر. وهو ما يعتبر الآن واحدا من ابرز واخطر اخطاء بريمر، حيث زرع بذرة الطائفية في بناء الدولة وتشكيل السلطة، ونقلها من حيزها الاجتماعيـالديني الى حيز السياسة والحكم.
لم يكن رئيس المجلس، محمود المشهداني، الذي تولى المنصب بحكم التوزيع الطائفي لمراكز السلطة، شخصا كفوءا لتولي المنصب. ولم يكن تصويت المجلس على اسمه يعني شيئا انذاك، بسبب ان تقاسم المناصب العليا في الدولة على اساس طائفي وعرقي وحزبي قد تم خارج قاعة البرلمان، ولم يكن على البرلمان الا ان يصادق على تم الاتفاق عليه خارجه. فقد كان تصويتا شكليا لا يعبر عن المضمون الديموقراطي للعملية السياسية.
لم يكن المشهداني على علم ودراية بآليات ادارة عمل مجلس النواب. ومنذ وقت مبكر بدأت تتعالى اصوات عدم الرضا عنه. وكتب عنه الكثيرون ناقمين ومنتقدين وداعين الى اقالته او استقالته. ولم يكن هو يعير هذا اهتماما، ولم يحاول ان يكسب رضا الاخرين بتعديل طريقته في التعامل.
وفي لحظة اعتبرها البعض القشة التي قصمت ظهر البعير، اجتمع النواب، الذين لم يكن لهم دور حقيقي في تعيينه، وقرروا اقالته. ولم يكن هذا الاجراء انقلابا على المشهداني بقدر كونه انقلابا جزئيا على نظام المحاصصة. لكن الجو لم يكن يسمح بالانقلاب على المحاصصة، وانما سمح بالانقلاب على احد افرازاتها. وتمثل الانقلاب بالعودة الى آليات الديموقراطية العددية التي تكتفي بالتصويت على اساس اغلبية مقابل اقلية، ولا تتطلب الاجماع وفقا للديموقراطية التوافقية. ولم تقبل كتلة المشهداني القرار بطبيعة الحال. وهذا يعني ان تداخلا حصل بين نظامين سياسيين. ومثل هذا التداخل لم يكن ايجابيا، انما من الممكن ان يؤدي الى نتائج ومضاعفات سلبية، وقد يؤدي الى تدمير النموذجين الديموقراطيين معا: العددي والتوافقي. واذا كان هذا التدمير عند حصوله تعبيرا عن فشل المحاصصة، فانه يعبر من جانب آخر عن سوء تطبيق الديموقراطية العددية. وتضع هذه النتيجة العملية السياسية العراقية امام مفترق طرق: اما الانهيار التام، او التحرك السريع لإصلاح الوضع. والتحرك قد يكون باتجاهين: اما تفعيل نظام المحاصصة مرة اخرى، والتراجع عن قرار الاقالة، وهذا يمثل اصلاحا زائفا وليس حقيقيا، واما التحرك باتجاه التخلي عن نظام المحاصصة، و اعتماد نظام الديموقراطية العددية، وهذا هو الاصلاح الحقيقي. والقرار مازال بيد ارباب هذه العملية.