الإخوة الأعزاء

السلام عليكم

هذا هو اول موضوع لي و هو يتناول مقالة بقلم الزميل وليد جواد نشرها موقع ايلاف و بعض المواقع الاخرى. المقالة تلخص مقابلة أجريت مع مسلم أمريكي يعمل بصفة مرشد ديني في سلاح البحرية الأمريكي. المقالة جاءت على طريقة السهل الممتنع في تناول قضية ثلاثية الأبعاد (دينية-اجتماعية-سياسية) ألا و هي الإسلام و المسلمين في أمريكا حيث استخدم الكثيرون من مناصري التطرف بكل أنواعه هذه القضية ليظهروا حالة لم تكن موجودة أبدا و لن يقدر لها ان تكون وهي "اضطهاد المسلمين في أمريكا" و أقول أنه لن يقدر لها أن تكون وذلك ليس رجما بالغيب و لكن استنادا إلى المعقول والتطبيق فالقانون والدستور (و ثم تحول هذا الى عرف و عادة اجتماعية) في امريكا يعطي كل الحق والحرية للإنسان أيا كان لونه و عرقه و لغته في أن يمارس الدين الذي يريده بحرية كاملة و مضمونة و هي كما أسلفت مكفولة بحكم الدستور والقانون ولا تتحكم بها المتغيرات و الأحداث. وذلك دون أن يكون الدين الذي يدين به الانسان سببا أو أداة للتمييز أو الاضطهاد أو ما إلى ذلك. و ما تجربة هذا المسلم الأمريكي إلا خير مصداق لما أقول. فهذا الرجل مسيحي تحول إلى الإسلام و عاد ليخدم في صفوف البحرية الأمريكية ليكون مرشدا دينيا للمسلمين الآخرين في نفس السلاح دون أن يكون ذلك مدعاة للقلق بالنسبة له بل على العكس كان له تاثير إيجابي على الجميع. أترك لكم اكتشاف ذلك من قراءة المقال.





الإمام البحري: ابن نويل

بقلم: وليد جواد




كنت أتحدث إلى مجموعة من الطلبة الجامعيين قبل أسبوع عندما سألني أحدهم عن ما إذا كنت عضوا في إحدى المنظمات الاجتماعية الإسلامية على موقع " فايس بوك" “FaceBook” فقلت له أنني سمعت بتلك المجموعة ولم أكن أدرك أنها متوفرة على "فايس بوك"؟ وبمجرد جلوسي إلى شاشة الكمبيوتر قمت بإجراء بحث عن المنظمات الاجتماعية الإسلامية ، وبعد ساعة أو اثنتين – أو ربما أكثر – وقعت عيناي على صفحة تعرض خبر تعيين إمام في البحرية الأمريكية. كنت على معرفة بأن هناك مجموعة كبيرة من المسلمين في السلك العسكري الأمريكي ولكنني لم أكن على علم بأن عددهم وصل إلى الحد الذي أوجب تعيين من يؤم صلاتهم ويخطب بهم ويتحدث باسمهم.



قادني بحثي من بعد ذلك إلى الإمام محيى الدين بن نويل الذي كان أول إمام تعينه البحرية الأمريكية. فأردت أن أتعرف عليه وعلى تاريخه من خلال الإنترنت قبل أن ألتقي به ، ولكن المعلومات كانت مقتضبة. لم أكترث كثيرا لأنني كنت على يقين أن قصته ستكون شيقة ، فكونه أول إمام في البحرية كافيا بحد ذاته. امتد لقاؤنا ليشمل ماضيه وحاضره وكيف يوفِّق بين دينه ودنياه في ظل العلاقات الأمريكية العربية/الإسلامية في هذه المرحلة بالذات.



لقد سمعت بكثيرين دخلوا في دين الله وتعرفت شخصيا على بعض منهم ولكني كنت مقبلا على اللقاء مُفترِضا أن الإمام محي الدين قد وُلِد ونشأ على الإسلام. الواقع أن هذا الأربعيني قد نشأ مسيحيا والتحق بالبحرية مسيحيا وأسلم في التسعينيات ، وبعد أن صقل دينه ونمت عقيدته وازدادت معارفه الدينية تطوع ليؤم الجنود في وحدته. تلك المسؤولية شجعته وحثته على أن يدرس الإسلام بشكل معمق ، وبالفعل استقال من البحرية بعد حرب الخليج الثانية والتحق بالجامعة لدراسة الشريعة والفقه. وبحصوله على شهادته في العلوم الدينية عاد إلى البحرية مسلحا بفكر واسع وعلم يقين ليصبح في عام 1996 مستشارا دينيا. في ذلك الوقت لم يكن هناك أي إمام رسمي في البحرية وتعينه كان فاتحة لعهد يسهل معه للأئمة الخدمة في البحرية الأمريكية.



يعيش الإمام محي الدين حاليا في الولايات المتحدة مع ولده وابنتيه وزوجته التي التقاها في أوكيناوا في اليابان. وقد كانت زوجته مترجمة تعمل في المستشفى الذي كان يزوره الإمام محيى الدين من أجل مؤازرة المرضى من الجنود. حينها كانت هي تبحث عن الله ووجدت في الإمام مصدرا للطمأنينة والسكينة. ولكنها اختفت بعد فترة قصيرة إلى أن ظهرت بعد ستة أشهر وأخبرته أنها أسلمت فتقدم طالبا الزواج منها. لقد أخبرني الإمام أنه كان يريد زوجة له لكي: "نتشارك في الدين ، وحين أصلي أجد من تصلي معي" ، فكان له ما أراد وكان لها ما ابْتَغَت ، واجتمعا في الله.



رغم أن للإمام محي الدين رتبة عسكرية من ضمن الوحدة الدينية التي يُلحق بها رجال الدين ، إلا أنه لا ينظر إلى نفسه على أنه "رجل دين" ، فحين سألته عن ذلك قال لي: "أنا لست شيخا أو مفتيا أنا مُعَلّم (أستاذ في الشريعة) ،،، أستعمل وصف سفير لديني لأوصف نفسي ،،، فأنا سعيد بتعريف الآخرين بتجربتي وعلاقتي مع الله". وتأتي مع هذه المسؤولية الكثير من الأسئلة التي يطرحها عليه الجنود بشكل دائم حين يتساءلون عن حقيقة الإسلام وعن طبيعته وأساسياته ورسالته. يتلقى الإمام محيى الدين هذه الأسئلة بقلب رحب: "لأنني أعتقد أنه لا يجب أن تكون هناك أسراراً بيننا وبين من يريد المعرفة ، فذلك جزء من واجبنا تجاه الله ،،، أي مشاركة الآخرين ومساعدتهم على اكتشاف الإسلام الحقيقي".



هناك دلالات تشير إلى عقيدة الجندي إذا قرر الكشف عن دينه ، ولكن الإفصاح عن المعتقد هو من أمور الجندي الخاصة ولا يوجد ما يفرض عليه الكشف عنها. ولكن إذا قرر الفرد الإفصاح عن دينه الإسلامي فمن الأرجح أنه سَيُسْأل عنه. وتلك هي إحدى أوجه الاختلاف التي كان يمكنني أن أتوقعها والتي تُفرِّق بين حياة الجندي المسيحي والمسلم في البحرية الأمريكية. الإمام محيى الدين له تجربتان إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة ، فكما ذكرت اعتنق الإسلام بعد دخوله الجيش ، وفي إجابته على سؤالي حول تجربته المزدوجة قال أنه في العموم أن حياة المسيحي وحياة المسلم في العسكرية متقاربتان ولعل أوضح الاختلافات تكمن في حب المعرفة والفضول الذي يملكه الكثيرون تجاه أسباب تحوله من المسيحية إلى الإسلام وعن الأبعاد الزمانية والمكانية والوجودية لذلك القرار. وأوضح بأن الأسئلة تتراوح من "لماذا تصلي خمس مرات في اليوم" إلى لماذا تتوضأ ، هذه الأسئلة لعلها تضايق البعض ولكنها تسعد الإمام محي الدين لأنها تفتح له بابا لتعليم الآخرين عن الإسلام ، فهو يعتقد أن تعريفه للغير بِمَاهّية الإسلام هو جزء من علاقته بالله.



طلبت منه أن يخبرني عن 9-11-2001 فقال: "في 9-11 كنت على متن حاملة الطائرات USS Enterprise وكنت في غرفتي التي يشاركني فيها اثنان ، وكنا نطلق عليها "القدس الصغيرة" وذلك لأن زميلنا الأعلى رتبة كان طيارا يهوديا وأنا مسلم والأصغر رتبة مهندسا مسيحيا وكانت علاقتنا ببعضنا ممتازة ، كما كانت مع جميع الجنود. وقمت بالتجول على سطح الحاملة بعد ذلك الحدث بوقت قصير وكانت هناك نظرات غريبة موجهة إلي ولكن بعد أقل من ساعة بدأ زملائي بمصافحتي واضعين أيدهم على كتفي وهم يقولون: نحن نعرفك منذ فترة ، وهذه الهجمة يقولون عنها أنها إسلامية فالآن لدينا صورتان عن الإسلام ولكننا نصدق الإسلام الذي تمثله أنت". يعتقد الإمام محي الدين أن سبب ذلك التجاوب يعود إلى العلاقة القائمة بينه وبينهم والتي سمحت لهم بالتعرف على الإسلام.



عرجنا على كثير من الأمور منها ما يتعلق بمدى تقبل القادة لأداء الجنود المسلمين لشعائرهم الدينية وعدم أكلهم للحم الخنزير وتغطية شعر المجندات ، فأجاب بأنه لم يصادف أي تعنت أو رفض من أي من القادة وأنه تم تعديل العديد من الإجراءات كي تحترم المسلمين والمسلمات مثل عدم فرض خلع غطاء الرأس للمجندات داخل أبنية معينة أو في أماكن معينة على السفن كما هي العادة المتبعة بالإضافة إلى غيرها من التعديلات والاستثناءات. وأنهى حديثه معي بقوله: "نحن لا نستطيع أن نقول بأننا مليار وسبعة أعشار مسلم بينما نسمح لأقل من واحد بالمائة بتمثيلنا ... أعتقد أن هذه مصيبة علينا ... فالمسلمون الذي اختاروا أن يصمتوا هم الملامون حين يعتقد غير المسلمين أن الإسلام هو دين العنف والإرهاب ". وأكد أنه يجب أن يشاهد الآخرون أن المسلمين بشر يضحكون ويمرحون ويبكون كسائر الناس وأنهم ليسوا مبرمجين "فهذه مسؤولية تقع على كاهلنا ويجب علينا أن نتخلص من الاعتقاد بأن مسؤولية فهم الإسلام تقع على الغير" كما قال ناصحا.



انتهى لقاؤنا وبقي في خلدي المثل الذي أعطاهعن كأس الماء العكر وكأس من الماء الصافي ، وقال لي أن المتطرفين يقدمون كأسا عكرا للعطشى وجرمنا أننا لم نقدم كأس الإسلام الصافي للناس.