الديمقراطية تتطلب ثلاث أشياء : أولا: المواطنين – وهم الناس الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من المجتمع دون تمايز وطني حيث يمكن لأي منهم أن يكون حاكما أو محكوما.
ثانيا: المسؤولية في تقرير المصير واتخاذ القرار- وهذا يعني ممارسة حق الانتخاب بمسؤولية وطنية. وثالثا: التحرر من القيود الفكرية الكونكريتية البالية.
في حين تحدد الانتخابات من يحكم ،فان التحرر يحدد صلاحيات الحكومات مما تستطيع او لاتستطيع ان تفعله. التحرر طبعا يشمل جميع القواعد والحدود التي تحكم السياسة والعدل والاقتصاد والدين .
وبناء الحرية والديمقراطية ليس سهلا في الدول المنقسمة ولاءات شعوبها الى ولاءات قبلية وعرقية وطائفية وحيث الخطر من اندلاع حرب أهلية من أي وقت.
ماذا تعلمنا في العراق؟ أول ماتعلمنا هو ان ازالة النظام السلطوي خلق توترات ومشاحنات بين الأكراد والعرب من جهة وبين الشيعة والسنة من جهة اخرى وبدات كل مجموعة باختبار قوة الاخرى في نزاع عرقي وطائفي وقانا الله شر استمراره.
ولكننا تعلمنا أيضا ,اضافة الى ماتعلمناه من مآسي الصراع الطائفي الذي لله الحمد لم يدم طويلا ، ان كثيرا من العراقيين عبروا عن توقهم القوي للعيش معا في عراق موحد يتساوى فيه مواطنيه. وهذه الحقيقة هي التي اجهضت كافة جهود القتله من تنظيم القاعدة لاشعال حرب أهلية شاملة في العراق.
وهذا مااكدته نتائج الانتخابات العراقية الاخيرة فكان المرشح الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد ، شيعي ، أياد علاوي ، مترأسا لكتله متعددة الطوائف غالبيتها من السنة.
وعلى الرغم من الولاءات القبلية والطائفية المتأصلة والتي يمكنها ان تفجر نزاعات في اي لحظة,هناك هذه الايام حركة ثقافية قوية وأكثر تحضرا ترتبط من خلال الاندية الاجتماعية على الانترنت كالفيسبوك وغيره
لكن ما ساعد على طرد شبح الحرب الأهلية في العراق ، وما ساعدنا في كتابة دستورنا لنعيش معا تحت احكامه ، وما ساعدنا على إدارة انتخابات حرة ونزيهة هو أنه كان لدينا حكم محايد طوال هذه الفترة الانتقالية وهذا الحكم هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيرا فنحن العراقيون تعلمنا ان وجود حكم خارجي محايد لرعاية العملية السياسية رغم ضرورته فهو غير كافي.
أمريكا ستغادر العراق في نهاية السنة (ما لم تطلب الحكومة العراقية منها تأخير الانسحاب). وللحفاظ على ديمقراطيتنا بعد مغادرة القوات الامريكية نحتاج الى نيلسون مانديلا عراقي فيجمعنا قبائل وجماعات سنة وشيعة عرب واكراد ويقول لنا كما قال الممثل الذي يمثل دوره في فيلم "انفكتوس" للسود حول معاملة البيض الذين اضطهدوهم لسنين عديدة "لنعاملهم بالكرم وضبط النفس".
وكلما زادت اعداد أشباه مانديلا في العراق كلما كنا قادرين على إدارة التحولات في عراقنا، دون جنرالات الجيش أو القوات الاجنبية. فهل سنرى مانديلات عراقية؟
أتمنى ذلك.