المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـــتخـــنـــدق الـــطــائــفــي



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
19-11-2006, 12:14 AM
التخندق الطائفي هو: إقامة جبهوية سياسية واجتماعية وثقافية على أساس الإنتماء الطائفي لهذه الطائفة أو تلك، هدفه كسب الإعتراف وتأمين الحماية وتحقيق المصالح.
يتم اللجوء إلى هذا النوع من التخندق في حالتين: الأولى، فشل مشروع الدولة في التعبير عن جميع مكوناتها الوطنية بحيادية ومساواة وعدالة دونما تمييز أو إقصاء، سواء في الإعتراف بالمواطنين أو حمايتهم أو توفير الخدمات لهم. والثاني، بسبب الفشل في إنتاج مجتمع الدولة من قبل المكونات العرقية والطائفية الداخلة في تركيبة الدولة. الفشل الأول هو فشل سياسي، والفشل الثاني هو فشل اجتماعي،.. وكلاهما ناتج عن فشل مشروع دولة الدولة التي لا تنجح في أداء دورها إلاّ بقيام مجتمع مدني تضامني وسلطات وطنية ديمقراطية وتنمية حقيقية وشاملة.

السبب الأساس في التخندقات الطائفية السياسية، والتي قد تتضخم لتقضي على وحدة المجتمع والدولة، يكمن في فشل مشروع الدولة، فعندما تتحول الدولة إلى سلطة مجردة تمارس الطغيان والتعسف والتمييز بين رعاياها سيرتد المواطنون إلى الوراء للبحث عمّن يعترف بهم ويحميهم ويسهم بتوفير الحاضن التكافلي لهم للتقليل من مخاطر الإقصاء والتهديد والحرمان،.. ويترتب على هذا الأمر، تدريجياً، إحياء الإنتماءات والولاءات الفرعية على حساب الإنتماء والولاء الوطني، وهو ما يقود إلى خلق تخندقات اجتماعية في الوعي واللاوعي على أساس الهوية والإنتماء الفرعي ومنه الإنتماء الطائفي.
تتعقد المشكلة الطائفية عندما تؤسس على أساسها الأحزاب والقوى المدنية، فعندها لا يعود للمصلحة الوطنية العامة من وجود، وتكون الأحزاب قوى ردة على مشروع الدولة الوطنية ذاتها. وتتعمق الطائفية أكثر عندما يندفع الخطاب المذهبي والفكري وراء تأصيلها الديني والثقافي.. فيتم توظيف المقدس الديني والتنظير الثقافي لتبرير العزل والإقصاء والتخوين والتكفير على أساس الإنتماء الطائفي. وتترسخ الطائفية أيضاً عندما يتم تأسيس الدولة على وفق استحقاقات المحاصصات السياسية-الطائفية لتتمذهب مؤسساتها بلون المذاهب.. فينتج لدينا دولة المذاهب المفصلة سياسياً على وفق أقيسة الطوائف.
لا ريب أننا نعيش مأزق التخندق الطائفي المذهبي والسياسي الذي أنتجه فشل مشروع الدولة، وفشل إعادة بنائها على وفق مقاسات المواطنة والمدنية والسلم الأهلي،.. فالمأزق الطائفي اليوم من أعظم المآزق التي تهدد كيان المجتمع والدولة بعد أن رسخته كوارث النظام الصدامي، ومخططات مجموعات الموت والجريمة والإرهاب، وغذته خطيئة المبادئ وأخطاء القادة في تعاطيهم والشأن الوطني العام، وزادت في أواره الأجندة الخارجية.
الحقيقة التي يتغافل عنها الجميع، أنّ الدولة وجود سياسي لا يمكن أن تنتج أو تستمر على وفق المقاسات الطائفية،.. وإذا كانت الطائفية وتر تعزف عليه بعض القوى السياسية الآن لكسب التأييد والتمثيل الشعبي في خضم معركة يؤججون سعيرها طائفياً،.. فسيعلمون أي جحيم يصنعون اليوم وغداً. فجحيم الحرب الأهلية وصراعات السلطة والثروة وحتى التقسيم وتجزئة المجتمع والدولة.. ما هي إلاّ نتائج للتخندقات الطائفية التي يرسم حدودها الآن الدم والتمييز والإقصاء على أساس الهوية الطائفية.
ليس للأحزاب السياسية والنخب الوطنية وقوى المجتمع اليوم رسالة أقدس من السمو على أطرهم الطائفية الضيقة ومصالحهم السياسية الخاصة لإنقاذ إنساننا البائس ووطننا المدحور ودولتنا المحتضرة،... ومشروع المصالحة ووثيقة مكة المكرمة وعهود ومؤتمرات ومساعي الحوار والمصالحة.. كلها خطوات في الطريق الصحيح تنتظر النوايا السليمة والسياسات الصائبة والإرادات الحازمة لتفعيلها وجعلها أمراً واقعاً يقبر الطائفية كرؤى وأفكار وأجندات،... وبخلافه علينا الإستعداد لإستقبال الجحيم!!