المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زوال العنف



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
17-11-2006, 08:38 AM
http://www.kululiraq.com/images/pix.gif
إن ظاهرة العنف في المجتمعات الإنسانية تعددت ضروبها وأنواعها، حتى تفنن رجال السياسة والمجتمع فأطلقوا على العنف أسماءً ونعوتاً مختلفة كالعنف المشروع واللامشروع، والعنف الثوري والعنف الموجه والعنف العشوائي وغيرها من المعاني الاصطلاحية… ومهما تعددت أنواع العنف فإن معناه العام لا يتعدى كونه الخرق المتعمد للمبادئ والنظم الإنسانية وتجنب الرفق فيها، واستخدام الشدة والبطش في معالجة المعضلات…





عندما نتحدث في هذه المقالة عن ثقافة العنف فإنما نعني بهذا مجموعة التصرفات والسلوك والمفاهيم غير الحميدة التي تترسخ في أعماق البعض من أفراد المجتمع فيعبرون عنها في محيطهم وخلال حياتهم اليومية بتصرفات وسلوكيات تنطوي على التمرد والكراهية للآخرين وتتسم بالقسوة والبطش دون الرفق والتسامح مع الطرف المختلف في الرأي، وهذا السلوك لا ينسجم مع خصائص وطبيعة الثقافات الرفيعة ويتنافى مع الثقافة الإسلامية السمحاء مصداقاً للحديث الشريف: (إن الله تعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).. إن ثقافة العنف تعد أمراً تربوياً سايكولوجياً ينشأ وينمو مع الطفل منذ نعومة أظفاره فالمناهج التربوية المدرسية وأساليب تدريس التأريخ بفصوله المشرقة والمعتمة، ووسائل اللهو والرياضة ولعب الأطفال التي تحمل معاني السلم أو الحرب، وكذلك المحيط الاجتماعي ونظام الحكم السياسي، وطبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية ووسائل الإعلام الموجهة نحو الخير أو الشر، كل هذه المفردات تعد من الركائز الأساسية في استنبات ثقافة العنف أو ثقافة اللاعنف لدى أفراد المجتمع… لقد نمت في مجتمعنا العراقي منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن ثقافة العنف السياسي والتي ولدت مع انطلاقه فعاليات الأحزاب السياسية إبان ثورة تموز 1958 وما أعقبها من انقلابات متلاحقة وتصدعات في وحدة الصف العراقي حيث غابت خلالها لغة الحوار والتسامح وحل محلها أسلوب القوة والعنف الذي شاع لفترة طويلة على الساحة السياسية العراقية… وبدأ الإرث الثقافي ينقل جرثومة العنف من جيل إلى آخر مع تبدل النظام السياسي، فعندما حدث انقلاب شباط عام 1963 تجسدت صورة العنف السياسي بأقسى أنواعها ضد القاسميين والشيوعيين واستمرت عشرة أشهر فانقلب السحر على الساحر وعاد عبد السلام عارف ليمسك بزمام الأمور ويستخدم أبشع صور التنكيل بالبعثيين ويذيقهم أنواع العنف والإيذاء.. ثم انتهى عارف بحادث الطائرة المريب ولم تقف سياسة العنف عند نهايتها بل استمرت بين مد وجزر فدخلت أخطر مرحلة من مراحل العنف السياسي والعسكري عندما اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية فأصبح الجندي العراقي ذا ثقافة خاصة لا يعرف إلا العنف والقسوة ولا يتحرج من أن يغفو بين دماء القتلى وأنين الجرحى… ثم جاء الغزو العراقي للكويت الشقيق فتطورت ثقافة العنف السياسي إلى عنف النهب والسلب والسرقة لأموال الآخرين، ثم تطورت أكثر بعد سقوط النظام السابق وغياب السلطة إلى عمليات إرهابية من القتل والاختطاف وتدمير البنية التحتية للمجتمع.. إن الخطأ لا يعالج بالخطأ.. وإن ثقافة العنف لا تنذر إلا بالشر والدمار… والعراق لا يعمره ولا يحميه إلا أبناؤه… إن العراقيين مهما اختلفت أعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم سواء كانوا في السلطة أو خارجها مدعوون من موقع الضمير والمسؤولية الوطنية والدينية أن يوحدوا صفوفهم، فالرب واحد والدين واحد وعليهم أن يحبطوا مخططات أعداء العراق الهادفة لخلق الفتنة الطائفية ونحر العراقيين في عقر دارهم.