المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *·~-.¸¸,.-~*بكــاء تحت المــطــر *·~-.¸¸,.-~*



بنت الرافدين
19-10-2006, 07:35 PM
http://www.heartqtr.com/fourm/images/smilies/j21.gif



الجزء الأول




في يوم غائم ممطر التقيته لأول مرة .. كان شارد اللب حزينا تقطر عيناه دموعا ومرارة .. وكنت في أسوأ حالا قلبا وقالبا .. أحسست بأعماقي انه مصدوم .. صدمة قوية أطاحت بكل آماله وأحلامه .. كما أن حياتي بأسرها هي صدمة .. صدمة مؤلمة منذ بدايتها والى الىن وحتى النهاية .. لابصيص نور يضيء حياتي ولوحتي انكسار ضوء يبدد العتمة ..

سألته وحبات من الدموع تغرق عيني :

- أهي أزمة مالية .. أم اجتماعية ؟

أجاب بانكسار معذب :

- لا هذه ولاتلك ..

استطرد بعد أن نظر إلي بشرود :
- ربما هي ازمة عمر .. وربما هي ليست أزمة بمعنى الكلمة .. فكلمة أزمة هي كلمة فضفاضة واسعة تحمل ألف معنى ومعنى .. بينما ما أعانيه وما أشعر به وما أحسه لا علاقة له بتلك الكلمة لا من قريب ولامن بعيد ..

تمالكت نفسي وحاولت السيطرة على مشاعري المنهارة ..
ابتلعت دموعي المنسابة داخلي وغصة ألم تقتادني بمرارة نحو دهاليز لا أجهلها ..

اغتصبت ابتسامة وانا اقول :

- أهو لغز أم فزورة ..؟

تنهد بقوة خلت معها أن قلبه سيقفز خارج صدره .. قال بكلمات اعتدت رنينها : أتفضلين أن أجلس كما أنا ؟ أم لابد من ذلك المقعد الطويل لما له من اهمية لديكم أيها الاطباء النفسانيون ؟

ترددت برهة .. لا .. لن اعامله كأي مريض يزور عيادتي .. إنه .. هو .. حالة خاصة .. حالة خاصة جدا .. وجلوسه على المقعد الاعتيادي سيجعله أكثر قربا مني .. وأكثر صدقا .. وأقل مرارة .. لن أجعله يشعر بالفروق الفردية بيننا كطبيبة ومريضها .. سأعامله كصديق .. كقريب يحكي لصديقه عن عذاباته وكأننا نجلس في مقهى أو على ناصية في أحد الشوارع أو في مطعم للوجبات السريعة .. ساكون كما لم اكون قبلا , الأم والصديقة والطبيبة ..
هززت كتفي بلا مبالاة وأنا أقول :

- كما يحلو لك .. ولتبق مكانك إن أردت .. وأضفت برقة :
لنتحدث كأصدقاء ..

التفت إلي فجأة .. تألقت عيناه ببريث طالما أحببته .. همس بصوت خافت :
- غريبة .. إن الاطباء الذين زرتهم كانوا دائما يصرون على أن استلقي على ذلك المقعد ..

هتفت بمرح :

- إذن فأنا لست اول طبيبة تزورها ؟

رد بأسى :

- بالضبط يادكتورة .. فلقد زرة خمسة من الأطباء قبل أن أسمع بك .. وللأسف كلهم تجاريون .. ولم أجلس عند أي منهم أكثر من خمسة دقائق فقط ..

ازداد الصخب في أعماقي وأنا اسأله :

- لقد تجاوزت فترة مكوثك لدي الخمس عشرة دقيقة فهل تفضل الانصراف أم ..؟

قاطعني قائلا :

- لقد ارتحت هنا .. وأعتقد من أهم بنود العلاج النفسي هي ارتياح المريض للطبيب وثقته به ..

التزمت الصمت وابتسامة ثقة ترتسم على شفتي المرتجفتين انه يرتاح لي .. انه يثق بي .. انه .. لا .. لا .. الماضي لايمكن أن يعود .. يجب أن أنسى .. وهيهات أن أنسى ..

أفقت فجأة من تأملاتي على صوته المتذبذب .. هدير صوته كشلال ينساب في أعماقي فيوقظني .. يوقظني حتى الحنين .. حتى الألم .. حتى جروح الذاكرة المقفلة على صديد .. سألني بغته :

- دكتورة .. هل أبدأ منذ البداية .. أعني بداية قصة حياتي ..

ترددت برهة قبل أن أقول :

- دع نفسك على سجيتك وحادثني في أي موضوع ترتاح إليه ,
حديث الأصدقاء أو كما تحب أن يكون ..
أغمض عينيه بشدة , وكأنه يحجب صورة بشعة عن ناظريه كأنه يهرب من قدر يطارده ..
وأضحيت نفسي أتأمله .. أتأمله كما لم أتأمل مريضا يدخل عيادتي .. بشعره الأسود الداكن وأنفه الروماني الدقيق .. واستدارة الوجه العجيبة .. إنها الاستدارة بنفسها بالشارب الأسود الخفيف نفسه .. والشفتين الممتلئتين .. وكأنهما غاضبتان من العالم بأسره ..
اهتزت رموشه فجأة .. لتضيء عينيه دموع .. دموع حقيقة .. دموع رجل في قمة مأساته .. قمة معاناته .. منتهى الأنهيار والخضوع ..
قال بتداع :

- أكره الأطباء .. لم افكر باللجوء الى أحد منهم حتى تجازت مأساتي ( إن صح إطلاقي عليها لقب مأساة ) خطوطها الحمراء .. طفولتي كانت عادية, أو هذا ما أذكره منها إنها كانت عادية .. لا شيء غير اعتيادي سو انفصال أمي وأبي بالطلاق .. مشاكل وقضايا وتخبط في أروقة المحاكم .. انتهت بأن انضممت إلى أمي أنا واختي الصغرى بينما أخواتي الثلاث الكبيرات ذهبن على غير إرادتهن إلى أبي .. أمي لم تكن قاسية ولم تكن حنونة بل كانت حزينة .. حزينة ويائسة إلى حد الجنون .. عشت معها وأختي في جو كئيب حزين تخيم عليه التعاسة من كل جانب .. ولم نكن نرى أبي ولا حتى أخواتي , وكأنهم انفصلوا عن دنيانا إلى دنيا آخرى وعالم ىخر لايمت لعالمنا بصلة ..

صمت وعيناه تغيمان بسحابة حزن غامضة .. نضر إلي فجأة وهو يسألني عن الوقت ..

ابتسمت وأنا أبادله السؤال :

- ألا ترغب في إكمال الحديث ؟

رد بحرج :

- لقد مضت ساعة يادكتورة وانا لست المريض الوحيد .. سىتي فيما بعد أيقنت أنه يهرب .. يهرب من شيء ما .. شيء لم يذكره ولا يريد ذكره .. لم أشأ الضغط عليه .. وإبقاءه رغما عنه .. فهذا يفشل خطة العلاج ويدمر العلاقة بين الطبيب والمريض , يجب أن يشعر بالحاجة لي من تلقاء نفسه .. يجب أن يعود دون ضغوط ..

هززت كتفي بلا مبالاة قائلة :

- حسنا هذا يكفي اليوم .. إذا شئت أن تعود مرة آخرى, فالرجاء أن تأخذ موعدا لاحقا ..

نظر إلي بدون تركيز وهو يهمس :

- سأعود .. حتما سأعود ..

كان هذا هو اللقاء الأول لي معه .. مع الصورة المجسمة لحبيبي الراحل .. صورة خلتها عادت من لحم ودم كما كانت قبل أعوام .. زوجي وحبيبي حسن .. الهيئة نفسها .. والمنظر نفسه, وله ذات الوجه الأسمرالمهيبوالشارب الأسود الخفيف .. والشفتان ذاتهما الغاضبتان من العالم بأسره .. هو .. هو بشحمه ولحمه .. هو هذا المريض .. خالد .. ظهوره سكب الملح على جراحي وأيقظ حنينا يسكن الضلوع .. ضهوره أعاد لي ذكريات الماضي القريب غاية القرب إلى نفسي, لم يكن حبي له وليد المصادفة .. أو الظروف .. ولد معي وتنفسته مع هوائي وعايشته بأجوائي .. فهو ابن عميوأقرب قريب لي .. أحببته منذ الطفولة وعايشته في صباي وتعاهدنا على الزواج ونحن على مشارف المراهقة .. لم يخب أبواي رجائي .. ولم تكتنف طريق حبنا عثرة من أي نوع .. كان كل شيء سهلا ميسرا بصورة تبعث الشك .. وكيف لي أن أرتاب في سعادتي ستغتال في أقرب فرصة .. وأنني ساعود عما قريب صفر اليدين وحيدة إلا من ذكرياتي .. أجتر أحزانا هائلة يعجز عنها قلب بشر .. وجراحا عميقة تمزق أعتى القلوب ..

رففت إلى حسن في ليلة حلوة بهيجة .. رقص فيها كل شيء حولي , حتى أشياء حجرتي الصغيرة .. ارتديت الثوب الأبيض الذي أهداه لي حسن , والعقد الماسي الذي قال لي يوما أنه يحاكي لون قلبي ..
بدوت جميلة .. كما لم أكن أبدا من قبل .. سعادتي الداخلية أضفت على مظهري رونقا لم أكن أعهده .. غدوت حديث الجميع في تلك الليلة حتى ابنة خالتي الغيورةهمست بحقد اخترق أذني :

- إنها تبدو جميلة على غير العادة ..

لم أعر أحد انتباها ومضيت بطريقي غير عابئة بأحد أستقبل سعادتي المنتظرة بكل شوق وحب ولهفة ..

تزوجته .. واتفقت معه ألا يفرقنا عن بضعنا إلا الموت .. وهيهات للموت أن يتغلغل في أفكارنا حينذاك ، ونحن في قمة الفرح والسعادة .. كانت كلمة الموت بالنسبة لنا في ذلك الوقت كقصة اسطورية .. كظهور طبق طائر في الفضاء تثير سهريتنا اكثر مما تثير خوفنا ..

وتكلل حبنا بقدوم اول طفل لنا .. وقتها ظهرت أول مشكلة في حياتنا .. كانت تبدو لي حينها ضخمة مجسمة محيرة .. وهي اكمال دراستي في كلية الطب ، وقد اجتزت المستوى الثالث بنجاح مشرف .. اعترض حسن على ذلك وقال لي بأن رعاءة الطفل أهم .. بينما أصررت على رأيي وخيرته بين اكمال دراستي وحياتنا معا ..

تذكرت الدموع التي انسابت على وحهه حينذاك وهو يهمس :

- ألهذه الدرجة أبدو تافها بنظرك .. تفضلين دراستك علي ؟

أسرعت إليه تسابق دموعي دموعه .. وأعلنت له بكل حرارة بأن حبي له وحياتي معه أثمن من أية شهادة في العالم ..ومضت حياتنا في سعادة خالصة حتى احسست بما اعترى زوجي وحبيبي من تغير .. لاحظت سحوبه ونحوله .. شروده الدائم والصداع القاتل الذي يكاد أن يمزق رأسه .. طلبت منه مرار أن يعرض نفسه على طبيب ..

إجابته الدائمة كانت ان ما به لايعدو صداعا نصفيا ستقضي عليه المسكنات وأن هذا هو تشخيص كل طبيب زاره ..

إحساس خفي يؤكد لي بأنه يكذب ، وأنه يحاول أن يجنبني عذابا لا طاقة لي بتحمله ..

قلبي يود تصديقه وينفى كل احتمال آخر بذبه .. وكيف لي أ، اكذبه وهو حياتي التي أعيشها وعمري الذي أحياه حتى سقط بين اقدامي ذات يوم فاقدا الوعي .. حاولت إسعافه بأدويته التي يتناولها عادة , ولكن بدون اية فائدة .. اتصلت بوالده الذي حضر على الفور وساعدني على إفاقته من الغيبوبة ودموعه لا تفارق خديه ..

هتفت جزعة :

- عمي .. ماذا حدث .. هل زوجي حسن مريض ؟

هز رأسه دون أن يتكلم ..

صرخت دون وعي :

- مابه ؟

ارتجفت شفتاه وهو يقول برهبة :

- ذلك المريض اللعين .. السرطان ..

اغمي علي وافقت على واقع بشع مخيف .. يخلو من حبيب العمر حسن .. انطفأت شمعة حياتي وغدا عالمي حالك الظلام .. حالك السواد ..
صرخت من أعماقي .. لماذا لم تخبرني من قبل ؟ لما لم لم تدعني أشاركك مأساتك ومرضك وعذابك وقد تشاركنا من قبل في كل شيء .. في حلاوة الدنيا ومرارتها, لما حاولت أن تجنبني العذاب لأصحو على عذاب أشد قسوة .. وأكثر مرارة .. لما حرمتني من وداعك .. لأعطيك من أنفاسي حرارة تبعث الحياة في جسدك واعطيك من حبي دفقة امل تواجه بها المرض الكاسر وتهزمه .. وضاعت صرخاتي وسط صدى الأحزان ولكني لم أبك .. لم أذرف دمعة واحدة .. تحجرت دموعي لتدميني من الداخل ولتفجر احزانا تشفق من حملها الأضلاع ..

كل شيء يذكرني به .. كل كلمة استشعرها بوجوده .. حتى وجه طفلي الحبيب أبيت النظر إليه ودموع الداخل تنساب دون حساب ..

وعيناي جافتان بدون دموع .. فقط حين رأيت خالد بكيت !! فوجوده اعاد صورة حسن إلى ذهني .. بشبابه وصحته وحيويته .. حسن

كما عرفته دائما وكما تمنيت دائما أن يكون .. ظهور خالد اعادني إلى واقع طالما حاولت الهروب منه .. إن حسن موجود بأعماقي

لم يمت ولن يموت .. هو حبي الوحيد الذي يسري في دمائي, ولن أنساه ماحييت رغم انشغالي بدراستي في السنوات الماضية ,

وتخرجي من الجامعة .. حتى طفلي لم ينس والده , ومافتئ يذكره في صحوه ومنامه ويسالني عنه في كل شاردة وواردة وماذا

كان يحب وماذا كان يكره رغم مرور سبع سنوات على رحيله ..

أيقظني صوت الممرضة من تاملاتي :

- دكتورة .. لقد حان موعد الأنصراف .. هل ترغبين بشيء؟

مسحت دمعة فرت من عيني وأنا اجيبها باستسلام :

- شكرا ياهدى .. مع السلامة ..

عشت أياما رهيبة تلت لقائي بالمريض خالد .. عانيت ضغوطا وصراعات نفسية غاية في القسوة .. كنت أحاول اقناع

ذاتي بأن الماضي لايمكن ان يعود, وأن ماتمضى به الايام لا يمكنه بحال من الاحوال العودة إلى الوراء مرة آخرى ..

ولكن قلبي .. مشاعري .. أحاسيسي كلها انتفضت من جديد وعاد كياني ينبض بأسى عشت عمري كله أقاومه ..

ضممت ابني إلى صدري وصور الماضي بكل عذاباته تتدافع إلى نفسي من جديد .. كفاحي في الدراسة بعد غياب

وحملي لقب أرملة وسط زيلاتي الطالبات .. ومأساة بعد التخرج واجتماع العائلة لتقرير مصيري .. اعمل أم لا أعمل ..

ملغين بذلك وجودي واختياراتي كمرأة ناضجة لها الحق في تمييز دربها الصحيح .

بعد أسبوع من لقائي مع خالد .. أتتني الممرضة لتخبرني بحضور المريض خالد .

دق قلبي بعنف .. حاولت جاهدة إخفاء ملامح اللهفة والاشتياق .. خانتني دمعة .. وهل حقا هذا الذي يحدث .. من

بين آلاف البشر يطرق عيادتي ذات مساء شبيه لحبيبي الراحل ..

إنها حكمة الله والله في خلقه شئون .

دخل خالد الحجرة دون أن يلقي علي السلام .. نظرت إليه بسرعة .. لم يكن كعادته ..

كان بادئ الأضطراب يعلو وجهه الوسيم وجوم شديد .. ترتجف يداه بعنف ..

بادرته قائلة :

- مرحبا .. هل أنت في أحسن حال ؟

باقتضاب أجاب :

- لقد عاودتني النوبة ..

لم أسأله أية نوبة يقصد .. فأنا لم أكن أعرف عنه إلا القليل .. القليل جدا مما حكاه لي .. ولم يتشعب حديثنا إلا عن

حياته العائلية فقط ولا شيء آخر ..

ولم أدر بقصة النوبات التي تحدث له ..

حاولت الإفراخ عن روعه وأنا أقتاده إلى المقعد الطويل ليرتاح عليه ..

جلست قربه وأنا اسأله بطريقة ودودة :

-ما الأمر .. ماذا حدث .. ؟

تنفس بعمق قبل أن يقول :

- لقد عاودتني النوبة .. نهضت من النوم من غير ان أشعر وصعدت إلى أعلى البناية التي اقطن بها , وحاولت ان ألقي بنفسي

من فوق سبعة ادوار .. لولا أن تجمهر الناس وأنقذوني .. والكلمات المعادة نفسها :

- لماذا تحاول الانتحار ؟ أنت شاب وأمامك مستقبل لامع فلماذا تقتل نفسك بهذه الطريقة ؟ وغيرها الكثير من العبارات التي مللت من سماعها ..

فمتى يعرفون أنني لا أدري عن نفسي شيئا وأنا أعمل ذلك .. متى يفهمون بأنني مسير ولست مخيرا وأن هذا شيء لا أفهمه ..

يحدث بغير إرادتي وكأن شخصا ما يحركني رغما عني .. لقد تعبت يادكتورة وأريد أن أستريح ..

- منذ متى تعاودك هذه النوبات ؟

ألقى برأسه إلى الوراء وكأنه يعتصر ذاكرته .. قال أخيرا باستسلام :

- منذ ثلاث سنوات تقريبا ..

- وهل تحدث هذه النوبات بانتظام ؟ شهريا مثلا ؟

أشاح بيده قائلا :

-لا .. إنها غير منتظمة .. وقد يحدث ان تأتيني في الشهور الستة مرتين واحيانا تمر شهور طويلة دون أن تأتي ..

- خلال هذه السنوات الثلاث .. كم مرة عاودتك ؟

- تقريبا أربع أو خمس مرات ..

- وكلها انتهت بالفشل ؟

- طبعا .. إلا لما كنت أمامك الآن على قيد الحياة ..

- وماذا يحدث أثناء النوبة بالضبط ؟

- لا ادري بالضبط .. ولكن شيئا ما يدفعني بقوة إلى الانتحار .. شيء لا أدري كنهه ..

وبدون شعور أحاول أنا أقتل نفسي .. أفقت مرة وأنا أحاول طعني نفسي بسكين حادة .. وأمي تحاول انتزاعها مني وهي تنتحب بحرقة ..

وآخرى وجدت نفسيقد سكبت البنزين على رأسي , وأحاول إشعال عود الثقاب , لولا تدخل أختي الصغرى ىخر لحظة لتنقذني .. والكل يتساءل

لماذا احاول الانتحار .. ماذا يحدث في حياتي لأحاول التخلص منها بهذه الطريقة .. الكثير يقولون لي ألهذه الدرجة هانت عليك نفسك ..

وأمي أوعزت لإمام المسجد بأن ينصحني ويقول لي بأنني شاب مؤمن بالله وأن الانتحار كفر ..

وأشيح بوجهي يائسا , وأنا اتمزق من الداخل ، فمن يفهمهم بانني فعلا لا أريد أن أقتل نفسي ؟ وأن مايحدث لي هو شيء لا أرغب به ولا أعلم به ..

شيء يصيبني بالرعب والفزع والخوف .. الخوف الشديد.. فماذا لو نجحت إحدى هذه المحاولات وقتلت نفسي بالفعل وأنا لا أشعر ؟ ماذا يحدث عندها ..

إن القلق أدى بي الى الخوف .. والخوف ادى بي إلى مزيد من القلق ومزيد من الضياع والاكتئاب ، فحياتي عادية أو كما تبدو لي كذلك .. فقد تخرجت

في الجامعة منذ عامين وأعمل الآن في وظيفة مكتبية .. وأعيش مع أمي وأختي الصغرى التي تدرس في الجامعة ولا حب في حياتي ولا علاقات من أي نوع ..

اضطرمت أحاسيسي وأنا أسمع جملته الأخيرة .. واندلعت النيران في جوفي .. تذكرت " حسن " .. حسن الحبيب الراحل ..

حبة الفؤاد لؤلؤة العين .. ولماذا أتذكره في هذه اللحظات بالذات ؟

وفي غمرة عملي الذي يجب أن أفصله فصلا تاما عن حياتي الخاصة .. أنني أتعذب .. أتعذب بالماضي .. وبرؤية الحاضر .. وبالخوف من المستقبل ..

آخ لو تعلم ياخالد أنني أشاركك الخوف .. الخوف من الآتي القادم والخوف من كل خطوة أخطوها بعد ذلك .. الخوف من العودة إلى وحدتي ويأسي وعذابي ..

الخوف من سجن الذكريات الذي مازال يضرب أسواره حولي .. الخوف من كل شيء وأي شيء ..

جاءني صوته المضطرب :

- إنني أخشى أن تواتيني النوبة في عملي وبين زملائي فتحدث الفضيحة ويتهمونني بالجنون ..

خرج صوتي قويا على غير إرادتي وأنا اسأله :

- هل تذكر بالضبط متى حدثت لك النوبة الأولى ؟

وضع يديه على رأسه وهو يضغط بعنف ، كأنه يحاول الإمساك بشيء أفلت من بين يديه ..

ثم قال بصوت متهدج :

- لا أدري .. ولكن اعتقد إنها حدثت منذ ثلاث سنوات تقريبا .. كنت في السنة النهائية بالجامعة .. وعدت إلى البيت .. كنت مرهقا مكدودا ..

الجو بارد وغائم .. وجدت أمي تبكي بحرقة ودموعها تسيل على وجنتيها بحرارة .. توجهت إلى حجرتي وألقيت بجسدي على السرير لأنام ..

فوجئت بعد ذلك بأمي وأختي وخالي يحاولون إنقاذي من سلك المدفأة الذي لففته حول عنقي لأموت ..

كانت صدمة قاسية لي .. وأوشكت فعلا على التصديق بأنني حاولت الأنتحار حقا ولكن لم ؟ ولماذا ؟ وليس هناك شيء في حياتي يدعوني لذلك .. ثم إني قبل أن أخلد للنوم لم أكن أفكر في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد .. كيف ؟ ولماذا ؟ ومتى ؟ وإلى أين ؟

كلها أسئلة حائرة تطرق رأسي ولا مجيب .. لاشيء غير خواء داخلي يحيل حياتي إلى قبضة من سراب ..

ثم أجهش بالبكاء ..

قاوممت نفسي بشدة كيلا أقترب منه وأربت على كتفيه بحنان وأزيح عن كاهليه ولو جزءا بسيطا من العبء الذي يحيل حياته لجحيم معذب ..

يجب أن أفصل بين عملي كطبيبة واحساسي وشعوري كامرأة .. فالطبيب النفساني يجب ألا يسلط على المريض أي نوع من أنواع العاطفة حتى يتمكن من إنقاذه

من الحالة التي يتخبط فيها ..

قلت جاهده ألا يبدو في صوتي أية رقة وضعف :

- وماذا كان موقف أسرتك في ذلك اليوم الذي حدثت لك فيه هذه النوبة ؟

نظر إلي برهة وكأنه يستعيد ذكرى ذلك اليوم البعيد ثم قال بصوت اجش :

- أبدا .. اجتمع رأي العائلة على أن أذهب لشيخ يقرأ علي القرآن لعل وعسى ..

قطاعته بلهفة حاولت إخفاءها :

- وهل ذهبت ؟

قال بحسرة :

- نعم ذهبت وذهبت .. وذهبت ..

ذهبت في البداية لرجل ادعى بأنني مسكون بارواح شريرة ، ومضى يحاول خنقي بكل قسوة .. وأنا مستسلم دون حراك ، وكأنني

جثة بلا روح ولما لم يجد بي شيئا ادعى بأن الأرواح ترفض الخروج من جسدي ..

ثم ذهبت إلى آخر فآخر .. والعلاج يتنوع مابين ماء وزيت وخلطة من اعشاب متنوعة .. ولا فائدة .. كنت منهك النفس مهدود القوى .. مشتت الفكر ..

كنت أدرك إدراكا تاما بأن مايكمن داخلي هو علة نفسانية لا أكثر ولا أقل .. ولكنني رغم هذا كنت عاجزا .. عاجزا حتى عن الشكوى ..

أرجوك يادكتورة أنا متعب الآن ..

ابتسمت لأوحي له بالثقة وأنا أقول :

- حسنا موعدنا بعد ثلاثة أيام الساعة الخامسة مساء

استلقيت على شريري شبه منهاره .. لم تكن مشاكل عيادتي تؤثر بي ولكن خالد .. خالد .. إنه شيء آخر .. شيء اكبر من الكلمات وحكاية

تتضاءل عندها كل الحكايات .. إنه حسن الراحل في ثوب جديد .. ربما يصغره بخمس سنوات .. ولكن الشبه بينهما يستحيل تجاهله أو التغاضي عنه ..

بحثت في أحد أدراج وأخرجت صورا قديمة .. صورا من سعادة باتت ذكرى توجع القلب .. صوري مع الحبيب الراحل ..

وانسابت الدموع من عيني بحرارة .. الدوموع التي تحجرت فيما مضى وذابت حين تعلقت بالحلم المستحيل ..

التقيت " خالد " في العيادة .. شوقي تخفيه رزانتي كطبيبة ..

وأحلامي تقتلها عيناه الكئيبتان ..

قال لي بدون مقدمات :

- هل هناك أمل يادكتورة ؟

http://www.heartqtr.com/fourm/images/smilies/j21.gif

آسف على الاطالة ونشوفكم بأذن الله مع الجزء الثاني وتكملة الرواية http://www.heartqtr.com/fourm/images/smilies/j3.gif



يلا اريد أشوف ردودكم الحلوووه





تحياتي
بنت الرافدين

Bint Belady
24-10-2006, 07:45 PM
تسلمين عزيزتي بنت الرافدين على هذه القصه الرائعه والمؤثرة..
ونحن بانتظار التكمله يا وردة..
دمتي بود

prencipe_azul
29-10-2006, 01:05 PM
شكرا يا أختي على إبداعك الملئ بالإثارة و الروائع
أمنى ألا تحرميننا من أبداعتك الأدبية :1: