المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : * إلى طلاب كلية الطب *



حقائق إيمانية
17-02-2009, 01:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتور: foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? عدنان الجبوري
متخصص في جراحة الجملة العصبية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إلى طلاب كلية الطب مع التحية:
http://www.iugaza.edu.ps/ar/RelationUpload/upload/68%20كلية%20الطب%20-%20التشريح.jpg



كم هي جميلة تلك الأيام التي قضيناها في كلية الطب ولم يكن الجمال المقصود هو اللعب واللهو والحفلات والتعارفات التي سادت في الكليات هذه الأيام بل كان الجمال هو في استثمار تلك الأيام في البناء الروحي والعقلي ...
وما كان ذلك ليكون لو لا توفيق الله سبحانه فإني وفي بداية أمري لم اكن أرغب في دراسة الطب بل كانت أقل درجة حصلت عليها في الإعدادية هي في مادة الأحياء أقربها إلى الطب ولكن لظروف وملابسات دَخلتُ هذه الكلية فتململت في بداية الأمر واستصعبتُ المواد من تشريح وكيمياء وفيزياء طبية وغيرها لكن حدث وأن دَخلتُ مرة إلى مختبر التشريح وكان الأستاذ يُظهر لنا الأعصاب في ذراع الإنسان فدُهشتُ عندما رأيت دقة التصميم وروعة البناء فكل عصب موضوع في مكانه المناسب وقد دُفنت الأعصاب الحركية في أعماق العضلات وقسم منها قد أُلسق بالعظم لكن مع ذلك فعندما تتقلص العضلة فإن ذلك لا يضغط على العصب رغم كونه محصوراً بينها وبين العظم ثم إن هذه الأعصاب تَعبر من فوق المفصل أو خلفه لكنها لا تتأثر بالحركة فرَجعت أقرأ التشريح بعقل متأملاً ومتسائلاً لماذا وضِع هذا العصب هنا ؟ وكيف سيكون الأمر لو كان في غير ذلك المكان؟ ولماذا كان تصميم العظم بهذا الشكل؟ وما الفائدة من هذا البروز أو ذاك ؟ فتحول درس التشريح إلى رياضة ذهنية ممتعة والأهم من ذلك رافداً إيمانياً عظيماً لكني كنت أشعر بالوحدة في تفكيري هذا حيث كان معظم الطلاب يعانون من مادة التشريح ويستصعبونها ولا يجدون فيها ما وجدته ثم حدث وأن حضرت محاظرة لمادة علم وظائف الأعضاء وكان الأستاذ (البروفسور ... ) يتكلم عن الخلايا العصبية الحركية في الحبل الشوكي وكيف أنها فعّالة بشكل دائم غير أن خلايا حركية أخرى موجودة في قشرة الدماغ تقوم بتثبيطها فإن حدث وتلِفت قشرة الدماغ فإن ذلك يؤدي إلى (تحرير) الخلية العصبية الشوكية (أي التي في الحبل الشوكي) فتظهر أعراض الجلطة الدماغية من تقلص في عضلات الذراع والساق...



خرجت بعد هذه المحاضرة فأتّبعني أحد الطلاب في مرحلتي فرحنا نتذاكر ما قال الأستاذ، فقال لي هذا الطالب: أسمعت ما قاله الأستاذ؟ قلت له: وما ذاك؟ فقال لي: عن الخلية الشوكية والأخرى الدماغية. فقلت له: نعم ورحت أسرد له ما قاله الأستاذ فقال لي أوَ تؤمن بذلك؟ فأدهشني سؤاله فقلت له: وما تعني؟ فقال:أوَ تؤمن إن هناك خلية فعّالة (Active) تستهلك طاقة لفعاليتها تلك ثم تأتي خلية أخرى فعّالة لتثبط وتوقف من نشاط الأولى؟ ليس في ذلك حكمة وإن هذا إهدار في الطاقة غير مبرر وهذا ليس من حكمة الله !!
فوقفت أتأمل كلامه وأُعجبت أيما إعجاب بمنطقه ونظرته للأمور فهو لم يحفظ ما قاله الأستاذ حتى يكتبه في الامتحان لينجح إلى المرحلة التي تليها لكنه تأمل الأمر ورأى أن ليس فيه حكمة، فقلت له: وماذا نعمل الآن؟ فقال:تعال نقرأ هذا الأمر في الكتب والمراجع لنقع على حقيقة ما يجري... ذهبنا إلى المكتبة وعكفنا على أمهات كتب الأعصاب لنقرأها ولم يكن ذلك لِمَجْدٍ شخصي أو لتفوق في الدراسة بل كان للوقوف على حكمة الخلق في أمر استشكل علينا فهمه فوجدنا أن الأمر غير ما يقوله الأستاذ وإن الخلية الشوكية تنقسم عشرة آلاف اشتباك عصبي (Gynapses) فتقوم بمعالجة الألوف من الأوامر الواردة إليها سواء من الدماغ أو من الأعصاب المحيطية ثم تقرر أتحرك العضلة أم لا، وإن المسألة هي مسألة تكامل (integration) وليس صراع وهدر في طاقة الجسم ...



أدركت بعد هذه الحادثة أن هذا الطالب هو ضالتي المنشودة فلازمته ملازمة الظل لصاحبه وكلما قرأت شيئاً حدثته به لنفكر فيه معاً ونتأمله سويهً...
قال لي مرة: أتعرف ما هي درجة الحرارة اللازمة لحرق السكر (الكلوكوز)؟
قلت له : لا، فقال: هي أكثر من مئة درجة مئوية لكن الجسم يحرق الكلوكوز حرقاً كاملاً محرراً ثاني أوكسيد الكربون والماء (Crib cycle) وطاقة في درجة حرارة الجسم أي في (37ْ) مئوية !! أنكرت كيف يحدث ذلك ؟ فقلت له والدهشة تتملكني لا!! فقال لي: إنها معجزة الأنزيمات فهي تُخفض من درجة الاحتراق إلى ْ37 درجة مئوية ولو استطعنا أن نقلدها لفعلنا ذلك في محركات السيارة فجعلناها من مادة البلاستك بدل الحديد ولما احتجنا إلى أنظمة التبريد لكنها معجزة الأنزيمات...



فأعجبت بكلامه هذا أيما إعجاب وتحول درس الكيمياء الحياتية وهو درس معقد شائك إلى درس شيق نرى فيه آيات الإعجاز والإبداع فكنا كلما قرأنا موضوعاً نتدارسه سويةً ونفكر فيه ملياً. فلماذا كان التفاعل بهذا الإتجاه؟ وماذا يحدث لو لم تتولد المادة الفلانية وهكذا بقية الدروس والمناهج؟ فيا طلاب الطب، إني لأعلم أن الأساتذة قد لا يوقفوكم على بديع الصنع وحكمته وقد يقدمون الطب على أنه مادة جامدة ومتعبة غير أن الحقيقة غير ذلك فحاولوا أن تفكروا فيما تقرأون واسألوا الله أن يعلمكم فإنكم بذلك تربحون الدنيا والآخرة فتحكمون المادة العلمية وتزدادون تعرفاً وتقرباً إلى الله في آنٍ واحد ثم بعد ذلك عندما تصلون إلى مراحل متقدمة فتذهبون إلى المستشفى فإن أول وأقدس ما يجب أن تتعلمونه هو الرحمة بالمريض واللين له والتواضع أمامه فإن ذلك أهم من فحصه أو التعلم من جسده...




حدث ذات مرة أن كان هناك طالب في الدراسات العليا لجراحة الدماغ لم يكن مميزاً من الناحية العلمية والنظرية غير أنه كان نموذجاً في التفاني في سبيل المريض فكان رحوماً عطوفاً متواضعاً خادماً للمريض بل كان بيده يرفع كيس البول وينظف ما تحت المريض وبيده يقوم بتضميد جرح المريض ولا يدع ذلك للممرض علماً إن هذا من اختصاص الممرض .وكان آخر يحفظ الكتاب العزيزعن ظهر قلب إلا أنه كان قاسياً مع المريض يعتبره سلعةً أو حيوان تجارب فدخل الطالبان إلى الامتحان سوية وكنا لا نشك برسوب الأول وتفوق الثاني غير أنه عندما أعلنت النتائج: جمعنا أستاذنا الكبير (سعد الوتري) في قاعة المحاضرات وأعلن النتائج أن الناجحين هم فلان وفلان وطبعاً كان الطالب المتواضع المتفاني في خدمة المريض منهم، ثم نظر إلى الطالب المُجِد المتعالي بنظرة مغضبة منتقمة وقال له: (وبس) أي إنك لست من الناجحين فكان درساً لنا وله. إن النجاح هو ليس فقط في التفوق العلمي بل في التفوق الخُلقي كذلك فإنك تتعامل مع إنسان بروحه وأحاسيسه وعقله وجسده .


وهكذا... فيا طلاب الطب، أوصيكم باثنتين: تعرفوا على روعة الخلق ثم اتقوا الله في مرضاكم فإنهم ضعاف والضعيف موطن نظر القوي جل جلاله.

النورس الجريح
17-02-2009, 03:24 PM
موضوع هادف ومميز ومفيد بارك الله فيك

حقائق إيمانية
18-02-2009, 01:23 PM
شكرا جزيلا على المرور
بارك الله فيكم
وجزاكم الله خير