عراقي هواي وميزة فينا الهوى
11-12-2007, 08:24 AM
معاقبة الضحية
حادثة القطيف من وجهة نظر الإصلاح الشرعي
أثارت "حادثة القطيف" اهتماما عربيا ودوليا واسعا، حتى أصبحت قصة الفتاة السعودية التى تعرضت للإغتصاب، موضوعا فى الحملة الانتخابية الأمريكية.
والقصة كما هو معروف بدأت بمعاقبة الفتاة، ولما سعت الى استئناف الحكم، فانها عوقبت أكثر.
وقدمت السلطات السعودية تفسيرا للحكم الجديد بالقول ان الشابة استحقت العقاب الأول لانها كانت فى "خلوة غير شرعية"، واستحقت مضاعفة العقاب لانها استخدمت القضية للتشهير بالقضاء السعودي، ثم كشفت عن خفايا جديدة، كانت بدورها زيادة فى الفضيحة، عندما أشارت الى ان الفتاة كانت فى الواقع تفعل أكثر مما عوقبت عليه أول مرة. هنا مراجعة قيمة لبعض المعانى التى استخدمت فى معاقبة الضحية
شيماء الصراف*
على الرغم من ان هناك تفاصيل انطوت على فروقات ضئيلة فى ما نشر حول "حادثة القطيف"، إلا ان هناك أمرين أساسيين: الفتاة وعمرها 19 عاماً من منطقة القطيف فى المملكة العربية السعودية كانت جالسة مع شاب لا تربطها به قرابة فى سيارة. هاجمهما سبعة شباب واغتـصبوهما معا.
قضت المحكمة للفتاة ورفيقها بـ 90 جلدة عقوبة بتهمة "الخلوة غير الشرعية"، وتراوحت أحكام السجن بين سنة وخمس سنوات والجلد بين 80 و1000 جلدة للشباب مرتكبى فعل الإغتصاب. حدث هذا فى اكتوبر- تشرين الأول من العام الماضي.
ومؤخرا قدّمت الفتاة ـ بواسطة محاميهاـ طلباً لمحكمة الإستئناف فى 14 ـ 11ـ 2007 فخسرت الفتاة الدعوى. وقامت المحكمة، إثر ذلك، بمضاعفة العقوبة.
استـُعمل فى تكييف التهمة تعبير فقهى إسلامي، كما ان نوع العقوبة مـُستمدّة من التشريع الإسلامي. كباحثة وقانونية فى العموم وبالأخص فى بعض جوانب الفقه الإسلامى وجدت ان من المفيد الرجوع إلى قواعد الشريعة.
مصطلح الخلوة الشرعية
"الخلوة الشرعية" تـُستعمل عادة فى إثبات المهر أو عدمه للمرأة. فإن أُغلقت الباب وأُسدلت الستارة أو الستور على الزوجين بعد إتمام عقد الزواج ثبت المهر للمرأة باعتبار استطاعة الرجل الدخول بزوجته، وهذا على مذهب الإمام ابى حنيفة فقط.
والحال اننا لا نستطيع استعمال هذا المصطلح خارج إطاره وذلك فى الحياة الإجتماعية اليومية فهناك خلوة واجتماع يحصل بين رجل وإمرأة فى كل لحظة وفى أى مكان فينفردان لوحدهما، فالتاجر أو التاجرة مع العميل من الجنس الآخر، خلوة فى الدوائر الحكومية، فى المصانع والمعامل، فى ممرّات أو صالات الفنادق، مع سائق السيارة حين استئجارها وغير ذلك فى عشرات وعشرات الحالات. السؤال: هل يتم القبض على الرجل والمرأة ومحاكمتهم فى كل مرّة بتهمة "الخلوة غير الشرعية"، والعقاب بالجلد؟
الخلوة بين المرأة والرجل موجودة فى جميع المجتمعات العربية- الإسلامية، منذ أقدم العصور ولا سلطة من أى نوع كانت تعاقب أو تحاسب عليها، هذا الأمر الأخير ـ أى المحاسبة والحساب ـ يتحقق فى حالة مفاجأة المرأة والرجل فى حالة ممارسة جنسية تامة أو اتصال جسدى بأفعال متنوعة، وأن لا علاقة شرعية تربطهم.
وهذا أيضاً مشروط ومربوط بقرار الأشخاص أى الشهود فإما هتك ستر الفاعلين وفضحهما على الملأ، وإما الستر والتستر والحال أن الشريعة ـ قرآناً وسنة ـ حثّت على الستر.
التعزير
هى العقوبة التى يفرضها القاضى على الرجل أو على الرجل والمرأة اللذين فوجئا فى حالة لا توصف بالممارسة الجنسية الكاملة كالقبل والإحتضان....الخ. ويرجع تقدير العقوبة إلى القاضى حسب ملابسات وأحوال كل حالة على حدة. والتعزير مصطلح عام شامل واسع؛ فقد يكون النصيحة والإرشاد، أو التعنيف والزجر أو عقوبة جسدية أو الحبس.. إن الفرق بين الفعل الذى يستحق التعزير وذلك الذى يستوجب الحد ورد فى السنّة: فحين جاء أحدهم وأقرّ بالزنا بين يدى الرسول الكريم قال له -ص-: أبِك جنون؟ قال لا، وفى رواية: لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟ وفى أُخرى لعلك قبّلت، لعلك لمست، لعلك غمزت؟ وهذه أمور مسقطة للحد.
إن الفعل من الخطورة بمكان فلا يثبت بالظن ولا مع الشبهة القوية، بل لابد فيه من التحقيق والتثبت من غير شك ولا ريبة من جميع النواحى على الإطلاق بدءا من اعتراف الشخص "والتراجع عن الإعتراف يُسقط الحد" إلى الشروط الواجب توفرها فى شهادة الشهود موضوعياً وذاتيّاً، وظروف الحادث. وهناك حديثان للرسول الكريم، الأول: "ادرؤوا الحدود بالشُبهات". الثاني: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة".
إذاً يجب دفع العقوبة عن الشخص إن كان هناك سبيل، فأبسط وأقل شك يوقف تطبيق العقوبة. وكان لكلام الرسول الكريم تطبيقه الكامل من بعده وعلى مر القرون -1-.
من السنّة
أبو اليسر بن عمرو الصحابي، قال: إن المرأة قد جاءته، وكان زوجها قد أرسله النبى الكريم فى بعث -غزو-، قالت: بعنى بدرهم تمرا، قال: وأعجبتني، فقال لها: إن فى البيت تمراً هو أطيب من هذا، فلحقتنى فغمزتها وقبّلتها.
ذهب ابن عمرو إلى أبى بكر الصديق -رض-وقصّ عليه ما فعل، وقال: هلكت، فهل من توبة؟ قال الصدِّيق: نعم، تب ولا تعد ولا تخبر به أحدا. لم يستطع ابن عمرو الصبر فذهب إلى الرسول-ص-قصّ عليه الأمر فقال له -ص-:" أخـَلَفـْتَ رجلاً غازياً فى سبيل الله بهذا؟"، ثم أطرق. انصرف ابن عمرو يقول:" فظننت انى من أهل النار وأن الله لا يغفر لى أبدا"، نزلت آية:" أقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"- هود، آية114-. أرسل الرسول -ص-فى طلب ابن عمرو وتلا الآية عليه، وصرفه -2-.
نتائج
ـ ليس هناك ذكر لـ"خلوة شرعية" وحساب وعقوبة لها. الخلوة والإجتماع على انفراد توفّرا من اللحظة الأولى حين جاءت المرأة لوحدها لتتبضع، وكان الرجل لوحده.
ـ لا عقاب للمرأة بل ولم تـُذكر وكأنها لم تعد طرفاً فى الأمر. لم يجر سؤالها عن رضاها من عدمه، المرأة فضّلت التستر على الفعل وهذا خيار لها كاف بنظر الشرع.
ـ الرجل يعرف أبعاد فعله؛ إنه عصيان أوامر الله فى وجوب إعانة الناس والتعامل بالمعروف، وليس العكس باستغلال وضعية معينة، فهذا يضاعف من سوء فعله.. إن نفسه ملتاعة حزينة.
ـ أدرك أبو بكر الصديق -رض-معاناة الرجل، فتصرف تبعاً لأحكام الشريعة من قرآن وسنة؛ نصح الرجل بالتوبة والتكتم على فعله فهناك طرف آخر هو المرأة التى ستضرر باشتهار الأمر.
ـ لم يهدأ الرجل وها هو أمام الرسول الكريم، كان رد فعله -ص-أن لامه برفق وبدون تعنيف، أهذا سلوك عادل؟ أهكذا أمر الله؟ وفى عبارة واحدة يذكّره الرسول بواجباته تجاه عائلة غاب الزوج المعيل عنها. إن ابن عمرو فى حالة يرثى لها وشعوره صادق شطراه الندم والتوبة.
ـ نزول الآية حسم الأمر: الحث على التوبة الصادقة والعمل بما يرضى الرب.
إغتصاب/ استكراه المرأة
الإغتصاب لغة: من الغصب وهو أخذ الشيء ظلماً.
غصبها نفسها: واقعها كرهاً. المواقعة: الفعل الجنسي
الإكراه: حمل الشخص على أمر هو له كاره.
إمــــــــــــــرأة مـُستكرهة: غـُصبت نفسها، فأُكرهت على ذلك.
فى الفقه
فى جميع المذاهب الفقهية يـُعاقب مغتصب المرأة بتطبيق الحد عليه. لا عقاب للمرأة المستكرَهة، وهذا الحكم متفق عليه إجماعاً. يدفع الرجل صداقاً لها، وعلى المرأة العدّة بغرض معرفة براءة الرحم. فإن هى حملت يـُلحق ولدها به ويثبت النسب منه.
وحكم الأمة والحرّة سواء، فيـُقرنان ببعضهما عند الكلام عن الإستكراه. وهذه الأحكام تشمل المرأة المجنونة التى لا تعقل، المرأة النائمة، والصبية الصغيرة.
استند الفقهاء فى وضعهم لهذه القواعد على ما سبق من أحكام وفتاوى صدرت عن:
الإمام على بن أبى طالب، الصحابى ابن مسعود. ومن التابعين: عطاء، فقيه ومفتى مكة فى عصره، وسليمان بن يسار الفقيه والمحدَّث. وكذلك المجتهد الفقيه ربيعة الرأى وبه تفقه الإمام مالك فى "المدينة".
إذاً هناك عقوبة الموت لمغتصب المرأة، والمهر لها ويـُقدَّر بما تأخذه أمثالها من النساء، وهو هنا تعويض مالى عن الضرر الذى لحق بها.
تطبيقات: القضاء والسلطان
التابعى الإمام الحسن البصري، إمام أهل البصرة وحبر الأُمّة فى زمنه، أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك توفى عام 110 هـ ـ728 م. تولى القضاء فى فترة من حياته، له حكمان فى استكراه المرأة، وفى الإثنين عاقب الرجل وأغرمه مالاً. اخترت هذا المثل لكى أُبيّن ما يجب أن يفعله القاضى فى حماية الضحية وهى هنا المرأة.
إن الحسن عُرف بشجاعته وعظيم هيبته فى القلوب لم يكن يخاف السلطة فكان يدخل على الولاة يأمرهم وينهاهم، وكان له مواقف مع الأمراء والخلفاء، هذا الرجل الحسن البصرى أبكته إمرأة؛ أدخلت عليه وقد انتـُهكت، اغتـُصبت، استـُكرهت، كانت ممزقة الثياب، يحمل جسمها آثار مقاومتها وجه مخمّش، وجسد منهك معذّب. أصدر الحسن حكمه بشأن الجاني، ثم ـ يقول الراوى ـ "جعل الحسن يبكى يومئذ وهو قاض".
ما الذى رآه فى وجهها؟ه ل استحضر كل ما فى الشريعة من وصايا وأوامر فى وجوب حماية المستضعفين ورفع الحيف والظلم عنهم. ومع السلطان محمود بن سُبـُكْتـِكين الغزنوي، توفى عام 421 هـ ـ 1030 م.فاتح الهند وحاكمها من أقاصيها إلى نيسابور.
اتخذ من غزنة عاصمة له، وهى مدينة عظيمة اشتهرت بعلمائها تقع على الحد بين خراسان والهند. السلطان تركى الأصل عربى اللغة، كان من أعيان الفقهاء موسوعى العلم والثقافة وله مؤلفات عديدة، يجالس العلماء ويناظرهم، وُصف بالحزم وصواب الرأي. رجل بهذه الصفات يعرف أن دوام الملك لا يكون إلاّ بالعدل والإنصاف وهكذا كان.
راوى الحادثة هو مبعوث الخليفة العباسى القادر بالله إلى الغزنوى حاملاً رسالة له. يـُنهى المبعوث مهمته ويخرج برفقة السلطان وبطلب منه، كان الموكب عظيماً؛ فالجيش نصفان، نصف يتقدم السلطان والمبعوث والنصف الآخر من خلفهما.
توقف الموكب فقد اعترضته إمرأة تستغيث بالسلطان، يقف هذا ويسألها عن حالها فتخبره عن نفسها وعائلتها المتواضعة ثم تقول انها خرجت لقضاء بعض أمورها فاعترضها رجل من رجال السلطة ودولة السلطان، وذكرت له اسمه ومن هو، لقد أرادها وقاومته لكنه "غلبها على نفسها وارتكب الفاحشة منها". فى الحال استدعى السلطان الرجل حقق معه فأقر هذا واعترف بصحة ما روته المرأة، كان الرجل متزوجاً فلا مجال لتطبيق العقوبة الأقل، فقُتل الرجل رجماً وأُحرق أمام السلطان، ثم أصدر السلطان أمرأ ببيع أملاك الرجل وتسليمها للمرأة "بحق ما ارتكبه منها"، فالتعويض المالى حق لها مقابل الضرر الذى لحقها. ولم يصدر أمر السلطان بتحرك الموكب إلاّ بعد أن أتمّ كل ما يتعلق بإنصاف المرأة ورد ظلامتها.
* باحثة فى الحضارة الإسلامية
هوامش
1 ـ الغَمـْز : العصر والكبس فى اليد،الإشارة بالعين والحاجب، وضع اليد على ظهر الآخر.
إن عقوبة المُغتـَصَب المتزوج هى الموت.ولغير المتزوج الجلد وقد يـُضاف إليها عقوبة التغريب أى النفى إلى مدينة أخرى.
2 ـ وفى رواية أخرى مشابهة أن رجلاً أقرّ بين يدى الرسول -ص-بأفعال مع إمرأة هى دون الفعل الجنسى الذى يوجب الحد. كان عمر بن الخطاب -رض-حاضراً فقال للرجل: سترك الله لو سترت على نفسك ، ولم يقل الرسول الكريم شيئاً، خرج الرجل أرسل -ص-فى استدعائه وتلا عليه الآية المذكورة.
مصادر
ـ الفقه على المذاهب الأربعة ، عبد الرحمن الجزيري
ـ فقه السنة، السيد سابق
ـ كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي
ـ التشريع الجنائى الإسلامي، عبد القادر عودة
ـ أخبار القضاة، القاضى وكيع
ـ تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي
ـ الأعلام، الزركلي
ـ لسان العرب.
حادثة القطيف من وجهة نظر الإصلاح الشرعي
أثارت "حادثة القطيف" اهتماما عربيا ودوليا واسعا، حتى أصبحت قصة الفتاة السعودية التى تعرضت للإغتصاب، موضوعا فى الحملة الانتخابية الأمريكية.
والقصة كما هو معروف بدأت بمعاقبة الفتاة، ولما سعت الى استئناف الحكم، فانها عوقبت أكثر.
وقدمت السلطات السعودية تفسيرا للحكم الجديد بالقول ان الشابة استحقت العقاب الأول لانها كانت فى "خلوة غير شرعية"، واستحقت مضاعفة العقاب لانها استخدمت القضية للتشهير بالقضاء السعودي، ثم كشفت عن خفايا جديدة، كانت بدورها زيادة فى الفضيحة، عندما أشارت الى ان الفتاة كانت فى الواقع تفعل أكثر مما عوقبت عليه أول مرة. هنا مراجعة قيمة لبعض المعانى التى استخدمت فى معاقبة الضحية
شيماء الصراف*
على الرغم من ان هناك تفاصيل انطوت على فروقات ضئيلة فى ما نشر حول "حادثة القطيف"، إلا ان هناك أمرين أساسيين: الفتاة وعمرها 19 عاماً من منطقة القطيف فى المملكة العربية السعودية كانت جالسة مع شاب لا تربطها به قرابة فى سيارة. هاجمهما سبعة شباب واغتـصبوهما معا.
قضت المحكمة للفتاة ورفيقها بـ 90 جلدة عقوبة بتهمة "الخلوة غير الشرعية"، وتراوحت أحكام السجن بين سنة وخمس سنوات والجلد بين 80 و1000 جلدة للشباب مرتكبى فعل الإغتصاب. حدث هذا فى اكتوبر- تشرين الأول من العام الماضي.
ومؤخرا قدّمت الفتاة ـ بواسطة محاميهاـ طلباً لمحكمة الإستئناف فى 14 ـ 11ـ 2007 فخسرت الفتاة الدعوى. وقامت المحكمة، إثر ذلك، بمضاعفة العقوبة.
استـُعمل فى تكييف التهمة تعبير فقهى إسلامي، كما ان نوع العقوبة مـُستمدّة من التشريع الإسلامي. كباحثة وقانونية فى العموم وبالأخص فى بعض جوانب الفقه الإسلامى وجدت ان من المفيد الرجوع إلى قواعد الشريعة.
مصطلح الخلوة الشرعية
"الخلوة الشرعية" تـُستعمل عادة فى إثبات المهر أو عدمه للمرأة. فإن أُغلقت الباب وأُسدلت الستارة أو الستور على الزوجين بعد إتمام عقد الزواج ثبت المهر للمرأة باعتبار استطاعة الرجل الدخول بزوجته، وهذا على مذهب الإمام ابى حنيفة فقط.
والحال اننا لا نستطيع استعمال هذا المصطلح خارج إطاره وذلك فى الحياة الإجتماعية اليومية فهناك خلوة واجتماع يحصل بين رجل وإمرأة فى كل لحظة وفى أى مكان فينفردان لوحدهما، فالتاجر أو التاجرة مع العميل من الجنس الآخر، خلوة فى الدوائر الحكومية، فى المصانع والمعامل، فى ممرّات أو صالات الفنادق، مع سائق السيارة حين استئجارها وغير ذلك فى عشرات وعشرات الحالات. السؤال: هل يتم القبض على الرجل والمرأة ومحاكمتهم فى كل مرّة بتهمة "الخلوة غير الشرعية"، والعقاب بالجلد؟
الخلوة بين المرأة والرجل موجودة فى جميع المجتمعات العربية- الإسلامية، منذ أقدم العصور ولا سلطة من أى نوع كانت تعاقب أو تحاسب عليها، هذا الأمر الأخير ـ أى المحاسبة والحساب ـ يتحقق فى حالة مفاجأة المرأة والرجل فى حالة ممارسة جنسية تامة أو اتصال جسدى بأفعال متنوعة، وأن لا علاقة شرعية تربطهم.
وهذا أيضاً مشروط ومربوط بقرار الأشخاص أى الشهود فإما هتك ستر الفاعلين وفضحهما على الملأ، وإما الستر والتستر والحال أن الشريعة ـ قرآناً وسنة ـ حثّت على الستر.
التعزير
هى العقوبة التى يفرضها القاضى على الرجل أو على الرجل والمرأة اللذين فوجئا فى حالة لا توصف بالممارسة الجنسية الكاملة كالقبل والإحتضان....الخ. ويرجع تقدير العقوبة إلى القاضى حسب ملابسات وأحوال كل حالة على حدة. والتعزير مصطلح عام شامل واسع؛ فقد يكون النصيحة والإرشاد، أو التعنيف والزجر أو عقوبة جسدية أو الحبس.. إن الفرق بين الفعل الذى يستحق التعزير وذلك الذى يستوجب الحد ورد فى السنّة: فحين جاء أحدهم وأقرّ بالزنا بين يدى الرسول الكريم قال له -ص-: أبِك جنون؟ قال لا، وفى رواية: لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟ وفى أُخرى لعلك قبّلت، لعلك لمست، لعلك غمزت؟ وهذه أمور مسقطة للحد.
إن الفعل من الخطورة بمكان فلا يثبت بالظن ولا مع الشبهة القوية، بل لابد فيه من التحقيق والتثبت من غير شك ولا ريبة من جميع النواحى على الإطلاق بدءا من اعتراف الشخص "والتراجع عن الإعتراف يُسقط الحد" إلى الشروط الواجب توفرها فى شهادة الشهود موضوعياً وذاتيّاً، وظروف الحادث. وهناك حديثان للرسول الكريم، الأول: "ادرؤوا الحدود بالشُبهات". الثاني: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة".
إذاً يجب دفع العقوبة عن الشخص إن كان هناك سبيل، فأبسط وأقل شك يوقف تطبيق العقوبة. وكان لكلام الرسول الكريم تطبيقه الكامل من بعده وعلى مر القرون -1-.
من السنّة
أبو اليسر بن عمرو الصحابي، قال: إن المرأة قد جاءته، وكان زوجها قد أرسله النبى الكريم فى بعث -غزو-، قالت: بعنى بدرهم تمرا، قال: وأعجبتني، فقال لها: إن فى البيت تمراً هو أطيب من هذا، فلحقتنى فغمزتها وقبّلتها.
ذهب ابن عمرو إلى أبى بكر الصديق -رض-وقصّ عليه ما فعل، وقال: هلكت، فهل من توبة؟ قال الصدِّيق: نعم، تب ولا تعد ولا تخبر به أحدا. لم يستطع ابن عمرو الصبر فذهب إلى الرسول-ص-قصّ عليه الأمر فقال له -ص-:" أخـَلَفـْتَ رجلاً غازياً فى سبيل الله بهذا؟"، ثم أطرق. انصرف ابن عمرو يقول:" فظننت انى من أهل النار وأن الله لا يغفر لى أبدا"، نزلت آية:" أقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"- هود، آية114-. أرسل الرسول -ص-فى طلب ابن عمرو وتلا الآية عليه، وصرفه -2-.
نتائج
ـ ليس هناك ذكر لـ"خلوة شرعية" وحساب وعقوبة لها. الخلوة والإجتماع على انفراد توفّرا من اللحظة الأولى حين جاءت المرأة لوحدها لتتبضع، وكان الرجل لوحده.
ـ لا عقاب للمرأة بل ولم تـُذكر وكأنها لم تعد طرفاً فى الأمر. لم يجر سؤالها عن رضاها من عدمه، المرأة فضّلت التستر على الفعل وهذا خيار لها كاف بنظر الشرع.
ـ الرجل يعرف أبعاد فعله؛ إنه عصيان أوامر الله فى وجوب إعانة الناس والتعامل بالمعروف، وليس العكس باستغلال وضعية معينة، فهذا يضاعف من سوء فعله.. إن نفسه ملتاعة حزينة.
ـ أدرك أبو بكر الصديق -رض-معاناة الرجل، فتصرف تبعاً لأحكام الشريعة من قرآن وسنة؛ نصح الرجل بالتوبة والتكتم على فعله فهناك طرف آخر هو المرأة التى ستضرر باشتهار الأمر.
ـ لم يهدأ الرجل وها هو أمام الرسول الكريم، كان رد فعله -ص-أن لامه برفق وبدون تعنيف، أهذا سلوك عادل؟ أهكذا أمر الله؟ وفى عبارة واحدة يذكّره الرسول بواجباته تجاه عائلة غاب الزوج المعيل عنها. إن ابن عمرو فى حالة يرثى لها وشعوره صادق شطراه الندم والتوبة.
ـ نزول الآية حسم الأمر: الحث على التوبة الصادقة والعمل بما يرضى الرب.
إغتصاب/ استكراه المرأة
الإغتصاب لغة: من الغصب وهو أخذ الشيء ظلماً.
غصبها نفسها: واقعها كرهاً. المواقعة: الفعل الجنسي
الإكراه: حمل الشخص على أمر هو له كاره.
إمــــــــــــــرأة مـُستكرهة: غـُصبت نفسها، فأُكرهت على ذلك.
فى الفقه
فى جميع المذاهب الفقهية يـُعاقب مغتصب المرأة بتطبيق الحد عليه. لا عقاب للمرأة المستكرَهة، وهذا الحكم متفق عليه إجماعاً. يدفع الرجل صداقاً لها، وعلى المرأة العدّة بغرض معرفة براءة الرحم. فإن هى حملت يـُلحق ولدها به ويثبت النسب منه.
وحكم الأمة والحرّة سواء، فيـُقرنان ببعضهما عند الكلام عن الإستكراه. وهذه الأحكام تشمل المرأة المجنونة التى لا تعقل، المرأة النائمة، والصبية الصغيرة.
استند الفقهاء فى وضعهم لهذه القواعد على ما سبق من أحكام وفتاوى صدرت عن:
الإمام على بن أبى طالب، الصحابى ابن مسعود. ومن التابعين: عطاء، فقيه ومفتى مكة فى عصره، وسليمان بن يسار الفقيه والمحدَّث. وكذلك المجتهد الفقيه ربيعة الرأى وبه تفقه الإمام مالك فى "المدينة".
إذاً هناك عقوبة الموت لمغتصب المرأة، والمهر لها ويـُقدَّر بما تأخذه أمثالها من النساء، وهو هنا تعويض مالى عن الضرر الذى لحق بها.
تطبيقات: القضاء والسلطان
التابعى الإمام الحسن البصري، إمام أهل البصرة وحبر الأُمّة فى زمنه، أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك توفى عام 110 هـ ـ728 م. تولى القضاء فى فترة من حياته، له حكمان فى استكراه المرأة، وفى الإثنين عاقب الرجل وأغرمه مالاً. اخترت هذا المثل لكى أُبيّن ما يجب أن يفعله القاضى فى حماية الضحية وهى هنا المرأة.
إن الحسن عُرف بشجاعته وعظيم هيبته فى القلوب لم يكن يخاف السلطة فكان يدخل على الولاة يأمرهم وينهاهم، وكان له مواقف مع الأمراء والخلفاء، هذا الرجل الحسن البصرى أبكته إمرأة؛ أدخلت عليه وقد انتـُهكت، اغتـُصبت، استـُكرهت، كانت ممزقة الثياب، يحمل جسمها آثار مقاومتها وجه مخمّش، وجسد منهك معذّب. أصدر الحسن حكمه بشأن الجاني، ثم ـ يقول الراوى ـ "جعل الحسن يبكى يومئذ وهو قاض".
ما الذى رآه فى وجهها؟ه ل استحضر كل ما فى الشريعة من وصايا وأوامر فى وجوب حماية المستضعفين ورفع الحيف والظلم عنهم. ومع السلطان محمود بن سُبـُكْتـِكين الغزنوي، توفى عام 421 هـ ـ 1030 م.فاتح الهند وحاكمها من أقاصيها إلى نيسابور.
اتخذ من غزنة عاصمة له، وهى مدينة عظيمة اشتهرت بعلمائها تقع على الحد بين خراسان والهند. السلطان تركى الأصل عربى اللغة، كان من أعيان الفقهاء موسوعى العلم والثقافة وله مؤلفات عديدة، يجالس العلماء ويناظرهم، وُصف بالحزم وصواب الرأي. رجل بهذه الصفات يعرف أن دوام الملك لا يكون إلاّ بالعدل والإنصاف وهكذا كان.
راوى الحادثة هو مبعوث الخليفة العباسى القادر بالله إلى الغزنوى حاملاً رسالة له. يـُنهى المبعوث مهمته ويخرج برفقة السلطان وبطلب منه، كان الموكب عظيماً؛ فالجيش نصفان، نصف يتقدم السلطان والمبعوث والنصف الآخر من خلفهما.
توقف الموكب فقد اعترضته إمرأة تستغيث بالسلطان، يقف هذا ويسألها عن حالها فتخبره عن نفسها وعائلتها المتواضعة ثم تقول انها خرجت لقضاء بعض أمورها فاعترضها رجل من رجال السلطة ودولة السلطان، وذكرت له اسمه ومن هو، لقد أرادها وقاومته لكنه "غلبها على نفسها وارتكب الفاحشة منها". فى الحال استدعى السلطان الرجل حقق معه فأقر هذا واعترف بصحة ما روته المرأة، كان الرجل متزوجاً فلا مجال لتطبيق العقوبة الأقل، فقُتل الرجل رجماً وأُحرق أمام السلطان، ثم أصدر السلطان أمرأ ببيع أملاك الرجل وتسليمها للمرأة "بحق ما ارتكبه منها"، فالتعويض المالى حق لها مقابل الضرر الذى لحقها. ولم يصدر أمر السلطان بتحرك الموكب إلاّ بعد أن أتمّ كل ما يتعلق بإنصاف المرأة ورد ظلامتها.
* باحثة فى الحضارة الإسلامية
هوامش
1 ـ الغَمـْز : العصر والكبس فى اليد،الإشارة بالعين والحاجب، وضع اليد على ظهر الآخر.
إن عقوبة المُغتـَصَب المتزوج هى الموت.ولغير المتزوج الجلد وقد يـُضاف إليها عقوبة التغريب أى النفى إلى مدينة أخرى.
2 ـ وفى رواية أخرى مشابهة أن رجلاً أقرّ بين يدى الرسول -ص-بأفعال مع إمرأة هى دون الفعل الجنسى الذى يوجب الحد. كان عمر بن الخطاب -رض-حاضراً فقال للرجل: سترك الله لو سترت على نفسك ، ولم يقل الرسول الكريم شيئاً، خرج الرجل أرسل -ص-فى استدعائه وتلا عليه الآية المذكورة.
مصادر
ـ الفقه على المذاهب الأربعة ، عبد الرحمن الجزيري
ـ فقه السنة، السيد سابق
ـ كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي
ـ التشريع الجنائى الإسلامي، عبد القادر عودة
ـ أخبار القضاة، القاضى وكيع
ـ تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي
ـ الأعلام، الزركلي
ـ لسان العرب.