المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دوام الحال من المحال



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
08-12-2007, 09:19 AM
دوام الحال من المحال

الأستاذ حامد المهيري










لم يخطئ شكيب أرسلان فى تعليقاته عن قول الله تعالى "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" "المنافقون آية 8" وقوله عز وجل "وكان حقا علينا نصر المؤمنين" "الروم آية 47" أى نصرهم دون أدنى مزية فيهم سوى أنهم يعلنون كونهم مسلمين.



لو كان قصد هذا لكان ثمة محل للتعجب من هذا الخذلان بعد ذلك الوعد الصريح بالنصر.



ولكن كما لاحظ شكيب أرسلان النصوص التى فى القرآن هى غير هذا، فالله غير مخلف وعده، والقرآن لم يتغير، وإنما المسلمون هم الذين تغيروا والله تعالى أنذر بهذا فقال "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" "الرعد آية 11".



فلما كان المسلمون قد غيروا ما بأنفسهم كان من العجب أن يغير الله ما بهم، وأن لا يبدلهم الذل والضعة، من ذلك الغز وتلك الرفعة. بل كان ذلك يعد منافيا للعدل الإلهي.



والله عز وجل هو العدل المحض. وشكيب أرسلان الذى سماه أهل عصره أمير البيان يتساءل "كيف ترى فى أمة ينصرها الله دون عمل ويفيض عليها الخيرات التى كان يفيضها على آبائها، وهى قد قعدت عن جميع العزائم التى قد كان يقوم بها آباؤها؟



وذلك يكون أيضا مخالفا للحكمة الإلهية والله هو العزيز الحكيم، وما قولك فى عزة دون استحقاق، وفى غلة دون حرث ولا زرع، وفى فوز دون سعى ولا كسب، وفى تأييد دون أدنى سبب يوجب التأييد؟



لا جرم أن هذا مما يغرى الناس بالكسل، ويحول بينهم وبين العمل، بل مما يخالف النواميس التى أقام الله الكون عليها وهو مما يستوجبه الحق والباطل، والضار والنافع، والموجب والسالب، وحاشا لله أن يفعل ذلك.



ولو أيّد الله مخلوقا دون عمل لأيّد من دون عمل محمدا رسوله، ولم يحوجه إلى القتال والنزال والنضال، وإتباع سنن الكون الطبيعية للوصول إلى الغاية" لهذا كان التغيير والإصلاح عملا مقرونا بالصبر.



إن الرسل والأنبياء مصلحون فهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" "هود آية 88".



فالصلاح ضد الفساد، والإصلاح نقيض الإفساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد.



والصلح هو السلم "والله يعلم المفسد من المصلح" "البقرة آية 220".



قيل لقيس بن عاصم بم سدت قومك؟ قال "لم أخاصم أحدا إلا تركت للصلح موضعا".



وكان أبو بكر الصديق يقول "أصلح نفسك يصلح لك الناس، وإذا فاتك خير فأدركه، وإذا فاتك شر فأسبقه".



ويقول الشاعر الفيلسوف محمد إقبال سنة 1873هـ الموافق 1938م:



"إن الإنسانية تحتاج اليوم إلى ثلاثة أمور: تأويل الكون تأويلا روحيا، وتحرير روح الفرد، ووضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنسانى على أساس روحي.



فعلى المسلم اليوم أن يقدر موقفه وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية على ضوء المبادئ النهائية، وأن يستنبط من أهداف الإسلام التى لم تكتشف بعد إلا تكشفا جزئيا تلك الديمقراطية الروحية التى هى منتهى الإسلام ومقصده".



فالتغير وتبدل الأحوال من صفات الإنسان وليس من صفات الخالق سبحانه، قال تعالى "فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" "فاطر آية 43".



السنة هى العادة، والتبديل تغيير شيء، والتحويل نقل شيء من مكان إلى غيره.



والمعنى كما قال سماحة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور "أنه لا تقع الكرامة فى موقع العقاب، ولا يترك عقاب الجانى وفى هذا المعنى قول الحكماء: ما بالطبع لا يتخلف ولا يختلف".



وحسب تفسير ابن كثير يعنى "عقوبة الله لهم "السابقين" على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره "فتبديلا" أى لا تغير ولا تبدل بل هى جارية كذلك فى كل مكذب و"تحويلا" أى "وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له" "الرعد آية 11" ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد.



جاء عن بعض الشعراء قوله:



"دع المقادير تجرى فى أعنتها // ولا تبيتن إلا خالى البالي



ما بين طرفة عين وانتباهتها // يغير الله من حال إلى حال"



ولهذا كانت الحكمة التراثية صادقة "دوام الحال من المحال" فالتغير، وتبدل الأحوال، من سنن الكون الطبيعية، والإصلاح يبدأ بالذات قبل الآخر، فبصلاح المرء صلاح أهله.



والقرآن والسنة لن يتغيرا أو يتحولا فهما ثابتان، وإنما المسلمون هم الذين تغيروا فإذا كان التغير للأصلح والأحسن فحبذا، أما والحال كان التغير للأسوإ فيا حسرتاه.



الإسلام نور، وسلم، وحب، وأخوة، وتعاون على البر والتقوى، أما ظاهرة العنف، والحرب، والكراهية، والتعاون على الإثم والعدوان فالإسلام براء من هذه، ويحرمها تحريما قطعيا.



فلنتغير من الشر إلى الخير لنرفع من شأن عقيدتنا السمحة.

ارشيف الفرات
08-12-2007, 10:05 AM
بارك الله فيك اخي على هذا الموضوع المهم جدا

تقبل تحياااااااااااااااااااااتي

فتاة الاحزان
08-12-2007, 10:21 AM
بارك الله بك اخي الفاضل
جزاك الله كل الخير

دمت كما تحب
تقبل مروري