المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من التعبير عن الروح إلى «هزّ يا وز



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
18-10-2007, 08:37 AM
17/10/2007 02:33:15 م
http://www.alarabonline.org/data/2007/10/10-17/443p.jpg
الترويج لاستهلاكية الهشاشة فى موجة الفيديو كليب


موجة الفيديو كليب..

من التعبير عن الروح إلى «هزّ يا وز»



عبد الكريم المقالح*

على امتداد تاريخ الحضارة الإنسانية، كانت المجموعات البشرية المتباعدة لوناً ولساناً، تحقق قدراً ملائماً من التواصل بلغات متعددة، استنبطتها الأقوام لحاجتها إليها كـ "إشارات الأصابع - الكف - تموجات الملامح" إضافة إلى الرموز المكتوبة من نقوش وتصاوير، أو الشفاهية كتقليد الأصوات المألوفة للإنسان من بيئته المتفاوتة الكائنات، على أن هذه الإشارات والرموز ظلت محدودة التوصيل، وبحاجة إلى وسيط يترجمها، كما إنها بالتباعد الزمنى بين الأجيال كانت تفقد أهميتها نسبياً إلى أن تندثر نهائياً بتلاشى تداولها فيستعاض عنها بلغة أخرى ذات أبجدية مختلفة.

ولا تحفظ لنا سجلات التاريخ إلا القليل مما تناقلته الحضارات أو تعاملت به من الرموز والاشارات، كما أن جزءاً منها لازال عصى على فك غموضها، وهو ما يؤكد ارتباط هذه اللغات المرموزة بزمنها. ورغم هذا، أو برغم هذا كله لاتزال البشرية حتى الآن تستخدم بعضاً من تلك اللغات الاشارية، دون قصد متعمد أو هى طبيعة الإنسان الفطرية التى جعلته يستخدم جسده كأداة تعبير عن حاجاته الفسيولوجية والسايكولوجية، الخ فى إبتكار حيوى يشكل لغة عالمية لا تحتاج الى ترجمة.

أبجدية الوجه، تستطيع الملامح تجسيد الرد الانفعالى المناسب حسب الظرف الذى يواجهه الانسان، قلق - حيرة - ابتهاج - غضب - حزن، الخ، هذا الى جوار التفاصيل الأخرى الموزعة على الوجه، والتى تمتلك قواميساً خاصة بها.

- العين، جاء فى العقد الفريد "انى لأعرف فى العين اذا عرفت، وأعرف فيها اذا أنكرت، وأعرف فيها اذا لم تعرف ولم تُنكر، أما اذا عرفت فتحواص، وأما اذا أنكرت فتجحظ، وأما اذا لم تعرف ولم تنكر فتسجو،" من جهته فى روايته الشيطان يزور موسكو يقول الروائى الروسي/ بولغا كوف: "تكمن غلطتنا الأساسية فى أننا لم نقدّر قيمة العيون البشرية حق قدرها، عليكم أن تفهموا أن بمقدرة اللسان أن يخطئ الحقيقة أما العيون فلا".

- الشفة، لعل الابتسامة هى اللغة العالمية الأولى، والتى لا تحتاج معها لوسيط يشرح أو يفسر مكنونها، واذا كانت الابتسامة وسيلة تعبيرية عن حالة مسرة أو ود، فهى من جهة أخرى طريقة هجوم أو انتقام. الصوت، مثله مثل الوجه، يمتاز بخاصية المرونة وهو ما مكّن الانسان من مجابهة الفعل برد فعل ملائم، زغاريد فرح - صيحات غضب - صراخ الذعر والهلع - نداءات - استغاثة، الخ، اضافة الى حيلة استظهار الطرائد من مخابئها عن طريق تقليد أصواتها أو أصوات أعدائها.

الرموز المفردة، استثمر الانسان أصابعه فى المخاطبة مع الآخر، وللتدليل على دواخله فى اشارات خاصة بكل إصبع على حدة، أو أكثر كما تمكن من استنباط طريقة موجزة للتعارف أو التسامح بواسطة الكف، إما برفعها للتحية أو مدها للمصافحة.

بين صوتين كالغناء، خرج الرقص من معابد الطقوس الدينية وأبخرة مراسم السحر الى فضاء رحب من اجتماعيات الإنسان فى أعياده ومناسباته، تدريجياً بتتالى الحضارات تكرست مفاهيم معينة لإحياء المناسبات وأصبح الرقص كالغناء ركنا هاما لتشييد الفعالية الاجتماعية ولاشاعة البهجة لدى الحضور، ممن يقنعون بمقاعد المتفرجين، إلى المجموعة التى تحيى الحفل رقصاً وغناء سواءً كانت فرقة خاصة تقبض أجراً مادياً أو معنوياً ازاء عملها، أو كانت جماعة من شباب المكان أو شيوبه من "الهويين" الذين لا تفوتهم حلبة رقص لا فى عيد ولا فى مناسبة، وسواءً كان بين أهله وصحبه وجيرته، أو كان خارج حدود موطنه.

وقد يجد الانسان أحياناً لظروف معينة امكانية الانغماس فى ابتهاج مناسبة ما، بالالتفات حول حلقة ركن واحد من الركنين وهو الغناء الذى يستعاض عنه بالرقص، لكن قد تقوم المناسبة بالرقص دون الغناء وهو ما نجده لدينا فى الأعراس "البرع"، إلا أن الجو العام للفرح ولحدٍ ما يظل محدوداً، ولعل هذا هو سر اضافة "المزمار" فى الرقص الشعبى كونه يضيف الى ايقاعات "الطاسة" ونفير المزمار صوت غنائي.

أوتار الجسد

نظرة بإتجاه المحدث فى فضاء الرقص والغناء المرئي، تحديداً مدار الأغنية المصورة، تطورت تقنيات التصوير من عادى إلى ديجيتال، فظهرت أساليب جديدة مثل فيديو كليب/ سينما كليب هذا بدوره أفضى الى تغيرات دخلت على الشكل "الصورة" والمضمون "الكلمة - اللحن - الأداء" فقبل موجة الكليبات، وقبل التلفزيون أساساً، عرفت الجماهير أولى الأنماط وهى الحفلات الغنائية، سواءً فى صالة مغلقة أو مسرح مفتوح، وعبر هذه الوسيلة - الحفلة - كان الفنان يحقق حضوره ومن ثم شعبيته بين الجمهور، سواءً حضور الحفل أو مستمعى الاذاعة التى كانت تبث هذه الأغانى ضمن إطار محدد لا يسمح أبداً بإضافة تفصيل واحد الى المشهد كالرقص مثلاً، كون الفنان والكورال والفرقة الموسيقية يحتلون منصة المسرح من أقصاها الى أقصاها.

تالياً، دخلت الصورة فى الإطار العام، حيث لعب التلفزيون دوراً حيوياً غيّر مفاهيم كثيرة، بل وامتد تأثيره إلى الفن السابع، الذى بدأ وانطلق صامتاً، ليأخذ فيما بعد عنصر الصوت، وهو ما عدّه كثير من مؤرخى السينما منعطفاً خطراً أضر بمسيرة الشاشة الذهبية. عمل التلفزيون إذن على ربط المشاهد/ المستمع بالأغنية أكثر وأعمق مما حققته الاذاعة، إذ أن بث الحفلة الغنائية مباشرة أو مسجلة. يعطى احساساً قوياً للمشاهد أنه أحد أولئك الحضور.

ومن الحفلة الغنائية الى الفعالية الفنية مهرجان احتفال/ كرنفال تغيرت الأدوار، أصبحت الأغنية حيزاً معيناً على هامش الفعالية وزيادة فى إسعاد الحضور، خاصة الكبراء من مسؤولى دولة ورجالات مجتمع، مرر منظمو الاحتفالية فكرة "منعشة"، وهى الرقص المصاحب للأغنية،! وهى نفس الفكرة التى تسللت واستقرت على شاشة التلفزيون والسينما فى مواد مختلفة خاصة الدرامية منها مثل المسلسلات - السهرات - الأفلام! وهذا التصميم الفريد أو هذه الخلطة المعتبرة لم تكن إعتباطية، بل كانت أصلاً خطة مرسومة بدقة محكمة، سعياً الى قطف ثمار كثيرة منها:

1- الترويج للمادة، خاصة إذا ما كانت ضعيفة البناء هشة المضمون.
2- تحالفات معقودة بين المنتج وممثل معهد البالية والرقص مثلاً تؤتى أكلها للجانبين.

نعش الأغاني

على الطرف الآخر، ما نشاهده يومياً على امتداد رقعة الفضائيات من الأغانى التى اشتهرت بمسمى "الأغنية الشبابية" وهذه القولبة بحد ذاتها تدعو للاسترابة بفنية موجة كهذه، إذ أن الفن الأصيل هو الذى يتوجه إلى المستمع أياً كان عمره، لذا فليست مبالغة القول: إن التسمية كانت المسمار المميت الأخير الذى دق فى نعش الأغنية العربية الحديثة، لماذا؟!

1- أصبح النص الغنائى قصيراً، اختزاله لا يكثف معانيٍ مستهلكة ولا يقدم مضامين إنسانية جديدة، بل يكشف عن فقر دم موهبة أتاح المجال أمام كل مدعٍ يرص كلاماً موزوناً كيفما اتفق فى جاهزية مرتبة ذات أشطر لاهثة.
2- هذه الفلاشية انعكست على روح اللحن فى مستوييه الموسيقى والصوتى "الأداء".
3- نوعية الآلات الموسيقية ولّد صخبا ايقاعيا للموسيقى وسرعة فى الغناء. لقد كان من الممكن أن تكون الأغنية الشبابية مجرد ظاهرة مؤقتة طفت على السطح لتتلاشى بعد حين، لولا ما شهده المجال الاعلامى العربى من متغيرات أدت الى استئجار الفضاء لا السكن فيه "تمليك".

فكان أن تفرخت ولا زالت سلسلة من التلفزيونات الفضائية والتى لم تتبن الظاهرة فقط، بل منحتها تربة خصبة لمزيد من التكاثر الهجين بدخول غالبيتها فى معمعة الإنتاج والتوزيع إلى أن أصبحت حالياً عقود احتكار لصوت الفنان وصورته "الكليبية" ومن جهة أخرى اختصرت الفضائيات شحيحة الامكانيات الطريق، وقامت بالتعاقد مع شركات انتاجية متخصصة لتضخ إليها كليبات من كل شكل ولون! عبر جميع هذه العناصر والتوليفات أتيح للفضائيات تحقيق:

1- مجال تجارى وفير الربح.
2- مادة مضمونة تغطى مساحة لا بأس بها من ساعات البث فى ظل قحط الإبداع الاعلامى لمنتسبى الفضاء.
3- تعميم الظاهرة ونقلها من هامش الفن المعاصر إلى متنه الرئيسي. ومن الكُحل ما عماك تأسيساً على قاعدة "رضا الناس.." تم توأمة الأغنية بأخ غير شقيق، بل غير شرعي، هو الرقص.

هذا ما يبدو ظاهرياً، لكن المخفى عن السطح وما يمثل بؤرة الحقيقة، هو غير ما يتشدق به مخططو استراتيجيات الشاشات الفضية، أنه جذر الظاهرة وعلة الداء الذى أستفحل فى جسد الأغنية العربية، إذ أن ضوضائية الايقاعات المستوردة من قواميس الراب والروك آند رول والجاز، الخ منذ تفجرها فى الساحة والمسامع - ربما أوائل 1990م - وحتى الآن لازالت رغم تعدد الأصوات، خليجية/ شامية/ مصرية/ مغاربية، لازالت عاجزة عن كسب قاعدة جماهيرية كبيرة تزداد مع كل عام أو عند كل إصدار جديد لأى من الأصوات "الفقاعية"، كما لا تزال هذه الموجة الهبائية مستهجنة وغير مستساغة لدى الأجيال التى عرفت وترعرعت ذائقتها على الغناء الأصيل والموسيقى الشرقية التى امتد تيارها منذ بدايات القرن العشرين وحتى أواخر السبعينات إلى حدٍ ما.

لذا ومن أجل "زغزعة" الأحلام، والعمل على جذب حاسة النظر قبل السمع، واندراجاً تحت مبدأ "الجمهور عايز كده" سعياً نحو جذب المشاهد، الشاب أولاً وخدمة للأربعينيين من العمر وما فوق ومن باب "إرجاع الشيخ إلى صباه" بوسائل إعلامية غير العقاقير، لأجل هذا وغيره وتدريجياً من فضائية لأخرى، وعاما بعد آخر حتى اكتملت تفاصيل المهزلة المأساوية، وانتهى الكُحل فتم العمي. وهكذا انتقل الرقص من تعبير عن مشاعر إلى استقطاب مشاهد فى تصميمات تخدم غرض الترويج للسفاسف وتكريس المزيد من مفاهيم الفن الاستهلاكي، ابتداءً من موديلات الأزياء ونوعيات الماكياج، مروراً بالاكسسوارات والتسريحات، وانتهاء بنمط التنطيط واللف والدوران للراقصات اللواتى يستأثرن بغمزة الكاميرا أكثر مما يفوز به المطرب نفسه، هذا المغلوب على عقده الموقع!

تكفل بتأمين بكميات الراقصات المندلقات زرافات ووحدانا، معاهد ومدارس تعليم وتدريب فن الرقص وفق أحدث الهزات وبما يناسب مقاسات الخصور والألوان والأحجام، فى تنافسية ذات مخططات أشبه بالصورة النابعة من تهكمية المثل الشعبى الذى يقول: "عمياء تخضّب مجنونة والدورا تتسمع" وإلا أين دورها هذه المعاهد فى تدريس التراث الشرقي، وحفظه وتوثيقه والعمل على توسيع رقعته، بما يكفل له الأمان من الاندثار والضياع؟! كانت هذه هى القاعدة، أما الاستثناء فهو الواقع خارج هذه المعمعة، وهو قليل يكاد يندر أو يشحب لونه بسبب السوس المتكاثر!