المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقيدة آل البيت عليهم السلام في الإيمان بالقضاء والقدر



rafed_ar
04-08-2007, 06:31 AM
يؤمن المسلم بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته، وأنه لا يقع شيء في الوجود أو في أفعال العباد إلاّ بعد علم الله به وتقديره، وأنه تعالى عدلٌ في قضائه وقدرته، حكيم في تصرفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة لأحد إلا به سبحانه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره}[التوحيد: (379)]. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: [[لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر]][بحار الأنوار: (5/120)].

وبيّن الإمام أبو الحسن موسى عليه السلام لأحد الأتباع معنى القضاء والقدر بياناً شافياً، فقال له: [[لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى، قلت: ما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: ما معنى قدر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مرد له]] [الكافي: (1/150)، بحار الأنوار: (5/122)، المحاسن: (1/244)].

واعلم أن الإيمان بقضاء الله وقدره يتضمن أربعة أمور لا ينفصل بعضها عن الآخر، وهي:

الأول: الإيمان بأن الله تعالى عَلِم بكل شيء جملةً وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده.

قال تعالى: ((وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً)) [طه:98].

الثاني: الإيمان بأن الله كتب مقادير الخلق في اللوح المحفوظ عنده.

فيؤمن أهل السعادة والإتباع الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم وآله عليهم السلام أن الله سبحانه قد علم كل ما يكون وما سيكون قبل أن يخلق الخلق، وأنه سبحانه قد وسع كل شيء علماً، فلا يقع أمر في ملكه إلا بعلمه، ولا يخفى عليه أي أمر يحدث من أحد من خلقه، حتى قبل أن يفعله العبد يعلمه الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أنه قد أحاط علمه بكل شيء سبحانه.

وهذا العلم الأزلي قد تم تدوينه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه في السموات العلى.

قال سبحانه وتعالى: ((أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [الحج:70].

قال أمين الدين أبو علي الطبرسي: وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقاه منهم، أي: وكيف يخفى عليه أعمالهم وقد علم بالدليل أنه سبحانه يعلم كل ما يحدث في السموات والأرض وقد كتبه في اللوح المحفوظ قبل حدوثه، وحفظ ذلك وإثباته والإحاطة به عليه يسير[تفسير جامع الجوامع: (3/59)].

وقال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [الحديد:22].

قال أمين الدين أبو علي الطبرسي: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ)) مثل: قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمرات ((وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ)) من الأمراض والثكل بالأولاد ((إِلاَّ فِي كِتَابٍ)) يعني: إلا وهو مثبت مذكور في اللوح المحفوظ ((مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)) أي: من قبل أن نخلق الأنفس. والمعنى: أنه تعالى أثبتها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس ليستدل ملائكته به على أنه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها[تفسير مجمع البيان: (5/240)، تفسير شبر: (1/540)].

وقال تعالى: ((قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) [الطلاق:3].

قال أمين الدين الطبرسي: أي تقديراً وتوقيتاً، وفيه بيان لوجوب التوكل على الله؛ لأنه إذا علم كل شيء بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم لذلك والتفويض إليه[تفسير جامع الجوامع: (4/706)، وانظر: التبيان: (10/33)، الجديد: (7/178)].

وقال الكاشاني في قوله تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)) [التغابن:11]: إلا بتقديره ومشيئته[الصافي: (5/184)، تفسير المعين: (3/1521)].

أما السيد عبد الله شبر فقال: بقضائه وعلمه[تفسير شبر: (1/557)، انظر: تفسير الجوهر الثمين: (6/227)].

وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي: فالله سبحانه هو الذي يقدر الأشياء، فلولا تقديره لم يقع شيء في الكون[تفسير تقريب القرآن: (28/129)].

وقال ناصر مكارم الشيرازي: فما يجري من حوادث كلها بإذن الله لا يخرج عن إرادته أبداً، وهذا هو معنى (التوحيد الأفعالي) وإنما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائماً ويشغل تفكيره، وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله، فإنما نعني الإرادة التكوينية لا الإرادة التشريعية[تفسير الأمثل: (18/355)].

وعن حمدان بن سلمان قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد: أمخلوقة أم غير مخلوقة؟ فكتب: [[أفعال العباد مقدرة في علم الله تعالى قبل خلق العباد بألفي عام]] [عيون الأخبار: (1/136)، كنـز الدقائق: (18/135)، بحار الأنوار: (5/29)، التوحيد: (416)].

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله عز وجل قدّر المقادير ودبّر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام}[التوحيد: (376)، بحار الأنوار: (5/93)، عيون الأخبار: (1/140) (2/31)].

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتُبْ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة]] [بحار الأنوار: (54/366)، تفسير القمي: (2/198)].

وعن ابن عباس قال: إن أول­ ما خلق الله من شيء القلم، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والكتاب عنده. ثم قرأ: ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) [الزخرف:4] [بحار الأنوار: (54/371)].

وقال مير سيد علي الحائري: قال صلى الله عليه وسلم: {يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة، فيقول: أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب! أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله ورزقه وأجله، ثم يطوي الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص، ثم يقول الملك: يا رب! ما أصنع بهذا الكتاب؟ فيقول: علّقه في عنقه إلى قضائي عليه}.

أقول[أي صاحب التفسير: مير سيد علي الحائري]: ولا يتنافى هذا مع اختيار العبد الصلاح والفساد، ولا يدل على الجبر في الشقاوة والسعادة، لأن المراد بهذا الكتاب إظهار علمه للملك، وليست هذه الكتابة من موجبات الفعل أبداً، بل هو إظهار سابق علمه تعالى بأن هذا العبد يؤول أمره إلى هذا، فمثاله مثال أنك تعلم من ضمير السلطان أنه يقتل غداً زيداً السارق، فتخبر ابنك بأن زيداً غداً مقتول، فيُقتل غداً، فهل القتل مسبب عن خبرك لابنك أو أن إخبارك له من موجبات قتله؟ فالحال الحال، والمثال المثال، فأمر الله تعالى للملك بالكتابة لسابقة علمه لا أنه قضى عليه بالسعادة أو الشقاوة، نعم! الجبر حاصل في التكوينيات، كالذكر والأنثى والطول والقصر ومثالها، وذلك لمقتضى الحكمة، لكن الأفعال الصادرة منك بحسب مشتهيات نفسك اختيارية، وإنما دواعيها ميل خاطرك ونفسك[تفسير مقتنيات الدرر: (2/162)، وانظر: بحار الأنوار: (57/383)].انتهى.

الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى، سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.

قال تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [التكوير:29].

قال السيد محمد حسين فضل الله: فقد تملكون في كيانكم حركة المشيئة الذاتية فيما تملكون من عناصر الاختيار، ولكن مشيئتهم لابد أن تخضع للمشيئة الإلهية في تقدير النظام الكوني الذي تتحرك الأشياء في دائرته، فلا يملك العبد استقلالاً مطلقاً عن الله حتى في نطاق حريته المربوطة بالمشيئة الإلهية بطريقة أخرى[تفسير من وحي القرآن: (24/111)].

وقال تعالى: ((وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)) [إبراهيم:27].

قال السيد عبد الله شبر: من تثبيت المؤمن وتَخلِيَة الكافر وكفره[تفسير شبر: (1/259)، وانظر: الجوهر الثمين: (3/359)].

وقال محمد حسين فضل الله: مما تقتضيه الحكمة في تدبير أمور الناس وفي شؤون الحياة؛ لأنه هو الذي لا راد لمشيئته، فإذا أراد شيئاً كان[تفسير من وحي القرآن: (13/129)].

وقال تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)) [النساء:90].

قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:

وهذا إخبار عن مقدوره تعالى، فلو أراد فإنه يفعل ويجعلهم يقاتلونكم... ولكن لم يشأ بل قذف في قلوبهم الرعب[تفسير الجديد: (2/322)، وانظر: مقتنيات الدرر: (3/152)].

وقال محمد جواد مغنية: إن الله سبحانه لا يتدخل بمشيئته التكوينية في شيء من أمور الناس والمسلمين، ولكن الله سبحانه صرفهم عن ذلك بوقوفهم على الحياد، فقوله: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)) [النساء:90] معناه: لجرّأهم عليكم ولم يجعل لكم هيبة في نفوسهم تبعثهم على طلب الموادعة والمتاركة، وليس هذا من باب المشيئة التكوينية، بل من المشيئة التوقيفية إن صح التعبير[الكاشف: (2/402)].

وأعمال الإنسان متنوعة، وكلها واقعة بعلم الله سبحانه وبقدره وفق ما بينه أمير المؤمنين.

فجاء عن الحسين بن علي عليه السلام قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: [[الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله تعالى وبرضى الله وبقضائه وتقديره ومشيئته وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدرة الله وبمشيئة الله وبعلم الله، وأما المعاصي فليست بأمر الله، ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبعلمه، ثم يعاقب عليها]] [التوحيد: (369)، بحار الأنوار: (5/29)، عيون الأخبار: (1/142)، كشف الغمة: (2/288)].

وإذا فهم المسلم المعنى الحق لمفهوم القضاء والقدر ذهب عنه إشكالٌ ولبسٌ كبير في هذا المعتقد.

فعن يونس قال: قال الرضا عليه السلام: يا يونس، لا تقل بقول القدرية؛ فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس، فإن أهل الجنة قالوا: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ))، ولم يقولوا بقول أهل النار، فإن أهل النار قالوا: ((رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا)) وقال إبليس: ((رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي)) فقلت: يا سيدي، والله ما أقول بقولهم، ولكني أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر. فقال: ليس هكذا يا يونس، ولكن لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، أتدري ما المشيئة يا يونس؟ قلت: لا، قال: هو الذِكْرُ الأول، وتدري ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: العزيمة على ما شاء. وتدري ما التقدير؟ قلت: لا، قال: هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء. وتدري ما القضاء؟ قلت: لا، قال: هو إقامة العين، ولا يكون إلا ما شاء الله في الذكر الأول[بحار الأنوار: (5/116)، تفسير القمي: (1/24)].

الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها.

قال تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الزمر:62].

وقال تعالى عن نبيه إبراهيم أنه قال لقومه: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96].

وقال تعالى: ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)) [الفرقان:2].

وعن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون: [[من محض الإسلام أن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تكوين، والله خالق كل شيء، ولا نقول بالجبر والتفويض]] [بحار الأنوار: (5/30)].

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر :

إن الإيمان بالقضاء والقدر له ثمرات عظيمة في صحة عقيدة وإيمان المسلم.

فمن ثمراته: طمأنينة القلب وارتياحه وعدم التقلب وعدم القلق في هذه الحياة؛ لأن المؤمن بقضاء الله وقدره لا يتأثر بما يتعرض له من مشاق الحياة؛ لأنه مؤمن بما يصيبه، فهو مقدَّر لابد، ولا راد له.

قال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [الحديد:22].

لذلك فإن المؤمن بالقضاء والقدر يشعر بالطمأنينة والشكر لربه عند قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: {ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن يصيبك}[بحار الأنوار: (2/154)، أعلام الدين: (346)، الخصال: (2/543)]. بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنه تأخذه الهموم والأحزان حتى تضيق به الدنيا ويحاول الخلاص منها ولو بالانتحار.

ومنها: الثبات على مواجهة الأزمات، واستقبال مشاق الحياة بقلب ثابت ويقين صادق لا تزلزله الأحداث؛ لأنه يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) [الملك:2].

وقال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)) [محمد:31].

لذلك فإن الأنبياء والرسل جرى لهم من المحن والشدائد الكثير لكنهم واجهوها بالإيمان الصادق والعزم الثابت حتى اجتازوها بنجاح، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره واستشهادهم به، ولتذكرهم الدائم بقوله تعالى: ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)) [التوبة:51].

ومنها: تحويل المحن إلى منح والمصائب إلى أجر، قال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [التغابن:11].

قال الشيخ محمد باقر الناصري: أي بعلم الله، أو بمعنى تَخليَة الله بينكم وبين من يريد فعلها، وقيل: هو خاص فيما يفعله تعالى أو يأمر به. ومن يؤمن بالله ويرضى بقضائه يهد الله قلبه حتى يصبر ولا يجزع لينال الثواب، وقيل: إن المعنى: يهد قلبه، فإن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظلم غفر[مختصر مجمع البيان: (3/431)].

ومن الثمرات أيضاً: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه؛ لأن كل شيء بقدر الله تعالى، وأن لا يعجب بنفسه عند حصوله على مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى، بما قدره من أسباب الخير والنجاح، وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.

المنحرفون في القدر :

من الطوائف التي ضلت في اعتقادها بالقضاء والقدر: القدرية والجبرية.

فالجبرية قالوا: إن العبد مجبر على عمله من عند الله وليس له به إرادة ولا قدرة.

وقولهم معلوم بطلانه عند أهل الإيمان؛ لأنهم يعلمون أن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة وأضاف العمل إليه، قال تعالى: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)) [آل عمران:152].

وقال تعالى: ((وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) [الكهف:29].

وقال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت:46].

وأما القدرية فقالوا: إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر، فلا يعلم الله شيئاً إلا بعد وقوعه من العبد.

وبيان بطلان اعتقادهم واضح كبطلان قول الجبرية، وذلك أن الله تعالى خالق كل شيء، وكل شيء كائن بمشيئته سبحانه، وقد بين الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته، قال تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) [البقرة:253].

والاعتقاد الصحيح الذي يتوسط هذين الطرفين، والذي أجمع عليه المسلمون من فهمهم لكتاب الله عز وجل ولسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن ما يقع على العبد من المصائب، أو يكون بفعله من الأعمال علمُه عند الله عز وجل علم أزلي من قبل أن يخلق السموات والأرض، وكتبها من بعد ذلك وأثبتها في اللوح المحفوظ، وشاء الله أن يحصل هذا الفعل للعبد فخلقه في هذه الدنيا، ويسر له ما أراد فعله، قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96].

فهذه العقيدة مفتاح إلى السعادة وإلى المعتقد المبارك الذي ينبغي على كل مسلم أن يحققه في نفسه، فمن علم أن الله بيده كل شيء وأنه المتصرف في كونه والمدبر له من بعد خلقه له، يجد ذلاً وفقراً واحتياجاً إليه سبحانه، فلن يدعو إلا العزيز القوي، ولن يتوكل إلا على الحي القيوم، ولن يلجأ إلى أحد من الخلق الضعفاء المفتقرين إلى عون الله سبحانه وتعالى.

رونق الحياة
04-08-2007, 11:43 AM
بوركت اخي
وجزاك الله خير الجزاء

ارشيف الفرات
04-08-2007, 01:44 PM
احسنت اخي رافد على ما تفضلت به في موضوع القضاء والقدر في مفهوم ال البيت عليهم السلام واحب ان اضيف بعض الامور لكي نبين للمتابع هذا الامر المهم في معتقداتنا
القدر : هو عبارة عن تقدير وجود الشيء وكيفيته ، وتعيين حدوده وخصوصياته التي يوجد عليها ، كالخياط يقدر الثوب قبل ان يخيطه .
والقضاء : عبارة عن ضرورة وحتمية وجود الشيء في ظرفه الخاص عند تحقق جميع الاسباب والشرائط التي يتوقف عليها .
فالتقدير هندسة الشيء ، والقضاء هو البت بلزوم تحقق تلك الهندسة .
ولا يلزم من القضاء والقدر أن يكون الانسان مجبراً في فعله باعتبار كون الافعال مقدرة ومقضية من الله سبحانه وتعالى .
وذلك : لان من ضمن الشرائط الدخيلة في تقدير الشيء والقضاء به هي اختيارية الانسان وارادته . فالله قدرّ الفعل وقضى به ، لكن من ضمن حدود الشيء وخصوصياته أن يكون مقدوراً وباختياره .

ورد في أصول الكافي قال : (( كان أمير المؤمنين جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ اقبل شيخ فجثا بين يديه ثم قال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ابقضاء من الله وقدر ؟ فقال امير المؤمنين عليه السلام : اجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولاهبطتم بطن وادٍ الا بقضاء من الله وقدر . فقال الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين ! فقال : مه يا شيخ فوالله لقد عظم الله الاجر في مسيركم وانتم سائرون ، وفي مقامكم وانتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا اليه مضطرين . فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا اليه مضطرين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟

فقال له : وتظن انه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً ، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن ، ولكان المحسن اولى بالعقوبة من المذنب ! تلك مقالة اخوان عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية ومجوسها . ان الله تبارك وتعالى كلف تخيراً ونهى تحذيراً وأعطى على القليل ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يملك مفوضاًَ ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )) .
فبين امير المؤمنين : أن القضاء والقدر لا ينافي اختيارية الانسان ، وأنه ليس مجبراً لان الافعال الانسانية لا تخرج عن دائرة علم الله سبحانه ، ومع ذلك فالانسان مختار فيما يعمل
إنّ القضاء والقدر على قسمين:
1ـ ما كان معلّقاً على اختيار العبد، كالخسارة والربح مثلاً، فهذا راجع لمشيئة الإنسان، وعلم اللّه بوقوعه عن اختيار العبد ليس سبباً لإجبار العبد على ممارسة ذلك العمل.
2ـ ما كان غير معلّق على مشيئة العبد، فهذا قضاء حتمي، كالغنى والفقر والآجال، وأمثالها مما ليس بيد العبد، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم في نحو قوله تعالى: (قُلْ لَن يُصيبَنَا إلاّ مَا كَتَبَ اللّه لَنَا) وقوله تعالى: (إنّا أنزَلنَاهُ في لَيلة القَدر) ، والمقصود بليلة القدر كما في الروايات ليلة التقدير، أي تقدير الأرزاق والآجال ونحوها، واللّه الهادي للحقّ.
إنّ تقدير اللّه بعد اختيار العبد كسب الحرام، وقضاءه بعد تقدير العبد سلوكه.
وإن شئت قلت: قضاؤه وتقديره مسبوق بعلمه سبحانه، وما تعلق به علمه هو فعل العبد باختياره وإرادته، فلا منافاة بين قضاء اللّه واختيار العبد، كما لا ينافي اختيار العبد قضاء اللّه، بل هما متطابقان .
وجزاكم الله خير في طرح المواضيع العقائديه المهمه ونرجوا المزيد منها ولك الشكر والتقدير

rafed_ar
15-08-2007, 05:03 PM
مشكورة اختي رونق نرورتي والله واخوية حيسن ابو علي نورت يا غالي

مرتضى الطائي
21-08-2007, 06:48 PM
حياك الله رافد بارك الله بيك على ماقدمت

ميثم
26-08-2007, 01:19 PM
احسنت اخي المشارك على تبيان عقيدتنا في القضاء والقدر وهذا من الامور المهمه جدا شكر لك



(وان ليس للانسان إلاّ ما سعى )فالله تعالى قد «شرّع للانسان طريق الهدى ونهاه عن الضلال ومتّعه بالعقل الذي يدرك ويميز، ووهبه القدرة على أن يختار، واعطاه الارادة التي يُنفّذ بها الاختيار فيحيل الفكر إلى واقع حي
كما لا يمكن نكران دور القضاء والقدر في الحوادث الكونية والافعال الإنسانيّة، فهو يعني انكار مبدأ الضرورة العلية والمعلولية، أي الغاء قانون العلية وعدم الاعتراف بتأثيره في مجرى الحوادث وفعال الإنسان «فكل العوامل في الوجود تنشأ من علم الله وارادته، وآلة لاجراء قضائه وقدرته... ولا معنى لتصور قيام عامل ليس مظهراً لتجلي الارادة الالهية وآلة لاجراء قضائها وقدرها، أو تصور عامل خارج عن قانون العلية ومقابل في التأثير له

rafed_ar
30-08-2007, 03:31 PM
وحياك اخوية مرتضى ومشكور اخوية ميثم