المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسار الأمني والمسار السياسي



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
15-06-2007, 11:08 PM
المسار الأمني والمسار السياسي


يؤكد القادة الأمريكيون على ان زيادة القوات العسكرية التي تمت أخيرا في اطار الخطة الأمنية الاخيرة، انما كانت تستهدف خلق بيئة امنة تمكن القادة السياسيين العراقيين من العمل على تحقيق تسوية سياسية ومصالحة وطنية، في اجواء مساعدة على ذلك. والتسوية السياسية هدف يتعين على الكرد والشيعة والسنة تحقيقه لجعل العيش المشترك امرا ممكنا وقابلا للتنفيذ. ولن تكون التسوية السياسية ممكنة ما لم يقم كل طرف بخفض سقف مطاليبه من الكعكة العراقية، ارضا وسلطة وثروة، فضلا عن هوية العراق نفسه. وهذا يعني تقديم التنازلات المتبادلة لمد جسور الثقة والتفاهم بين الاطراف المعنية، وجعل كل طرف يعتقد انه لا يمكن ان يكون الرابح الوحيد، لكنه ليس الخاسر الوحيد لجزء مما يعتقد انه له. كما ان هذا يتطلب ان يوافق كل طرف على اعطاء الطرف الثاني ما يتصور انه اكثر من استحقاقه.
هذه المعادلة الحرجة لا يمكن ان تتم في اطار نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المطبق في العراق الان. لان هذا النظام يقسم الناس على اساس انتماءاتهم العرقية والطائفية وعلى اساس ولاءاتهم الحزبية والسياسية والعشائرية وربما حتى الشخصية ايضا. وقد برهنت السنوات الماضية على نظام المحاصصة غير قادر على الاشتغال بصورة عامة، وغير قادر على بناء دولة حديثة بصورة خاصة. وليس ادل على عطب هذا النظام من الضجة المثارة حاليا حول اقالة /استقالة رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني. فبموجب الديموقراطية العددية، أي الاكثرية مقابل الاقلية، فان اكثرة المصوتين في جلسة البرلمان قررت اقالة المشهداني. وهذا اجراء سليم بموجب الديموقراطية العددية، لكن نظام المحاصصة الطائفية يفرض معادلة ثانية، تزيد في عطبه، وهي ضرورة ان يتم ذلك في اطار المحاصصة، أي العودة الى المربع الاول، وضرورة ان ترشح التوافق السنية تحديدا مرشحا جديدا. والسؤال: ماذا لم افتقرت التوافق الى مرشح مناسب ومقبول من الاطراف الاخرى؟ تتوقف العملية السياسية.
ثمة طريق اخر لتحقيق التسوية السياسية يتمثل في ان لا يكون الهدف الحصول على اكبر جزء من الكيكة، وانما على التعاون والعمل المشترك من اجل اقامة دولة مدنية ديموقراطية حديثة. وهذا يتطلب اولا، التخلي عن نظام المحاصصة، وتفكيك التكتلات الطائفية والعرقية، وثانيا، اعتماد الاسس العامة للدولة الحديثة، والتي تم تجاهل معظمها بعد سقوط النظام السابق، بسبب اعتماد نظام المحاصصة. ومن هذه الاسس بطبيعة الحال مبدأ المواطنة، والكفاءة، وسيادة حكم القانون، والمؤسسات الدستورية، والشفافية والنزاهة، وغير ذلك.
لكن هذا الحل السياسي لا ينطبق على جميع الاطراف الفاعلة في المشهد العراقي. من المؤكد انه لا ينطبق على القاعدة والجماعات المتعاونة معها، لأن الخلاف مع هذه الجماعات ليس سياسيا وانما استراتيجي. وهي تخوض معركة بقاء او موت مع القوات الأمريكية والحكومة العراقية، التي تصفها بانه حكومة عميلة ومرتدة، ولا امل بالتوصل الى تسوية سياسية معها، ولا معنى للمصالحة معها. وبالتالي فان الحل الوحيد المتبقي هو الحل الأمني، أي مواصلة خوض المعركة العسكرية معها، الى حين تصفية وجودها العسكري وكسر ارادتها السياسية.
الجماعات المسلحة العراقية وهي ذات اهداف ومطالب سياسية، تقف في دائرة وسط بين الحل الأمني والحل السياسي. ويمكن للحوار معها، وهو حوار لا بد من دفع ثمنه السياسي مقابل جني ثمرته الأمنية، ان يحقق نتائج ايجابية، اذا تحلى اطرافه بالمرونة والحنكة السياسية المطلوبة في مثل هذه المجالات.
اما الفئة الثالثة، فهي الاحزاب الداخلة في العملية السياسية والتي تشكل خلافاتها التي فجرها وعمقها نظام المحاصصة سببا اساسيا في تعطل العملية السياسية وربما تكون هي الطرف الاساسي المعني بالتسوية السياسية المطلوبة كونها صاحبة القرار السياسي في اللحظة الراهنة، وهو قرار معطل بسبب سعيها الى النفوذ والهيمنة اكثر من حرصها الى التسوية السياسية، كما لاحظ تقرير البنتاغون الاخير.
تبقى المليشيات المسلحة الطائفية المتطرفة من الشيعة والسنة. هذه هي غير مدعوة للحوار اصلا، لأن وجودها المسلح خارج اطار الدولة يتناقض مع اصل مبدأ الدولة الحديثة، كما ان وجودها تعبير عن عجز الدولة عن توفير الحماية لمواطنيها. ولهذا فان التعامل معها يتمثل في قيام الدولة بوظائفها الاساسية من جهة، ومعالجة مشكلتها وفق ما تقتضيه المصلحة الأمنية والسياسية والعسكرية في البلاد، من جهة ثانية. ويبقى مطلب نزع سلاحها قبل ذلك ضربا من الوهم.