إجهاض الديموقراطية الناشئة


ما اسهل ان يتم اجهاض الديموقراطية الناشئة او حرفها عن مسارها اذا كانت قاعدتها الشعبية ضعيفة واذا كان التزام القائمين على امرها ضعيفا، واذا كان تصميم اعدائها على اسقاطها قويا.
كيف تبدو الصورة بالنسبة للديموقراطية الناشئة في العراق؟
اولا: الجماعات المسلحة التي تعمل تحت عنوان »المقاومة«، وهذه في معظمها ذات فكر اصولي متطرف، تعلن صراحة ان الديموقراطية منهج سياسي مخالف للاسلام، او نظام سياسي كافر لا يجوز الاخذ به. بل ان النصوص الرسمية لهذه الجماعات، كالقاعدة والجيش الاسلامي، تخلو من اية اشارة الى الديموقراطية والى العمل بها، فضلا عن اتخاذه نموذجا للحكم والادارة.
ثانيا: الجماعات المشاركة في الحكم والعملية السياسية، وهي ايضا في مجملها جماعات اسلامية اصولية، لم يعرف عنها ولا عن شخصياتها انها تؤمن بالديموقراطية، او تتبناها، ولا نقرأ في تاريخها او تاريخ قادتها او كوادرها اية مساهمات فكرية من اجل الديموقراطية، ولسوف يكون من العسير على الباحث والمراقب ان يعثر على نص في ادبياتها او تصريحات قادتها يعلن انه تعمل من اجل اقامة الديموقراطية في العراق، باسثناء خطب متناثرة لبعض مسؤوليها.
ثالثا: واذا كان الامر كذلك على مستوى النخب الفاعلة، سواء على مستوى الجماعات المسلحة ام على مستوى الجماعات السياسية، فليس من المعقول ان نتوقع وجود قاعدة جماهيرية واسعة تؤمن بالديموقراطية وتعتبرها قضيتها الاساسية التي تناضل من اجلها، فضلا عن ان هموم الناس اليومية المتعلقة بالامن و الكهرباء وتوفير لقمة العيش ابعدتهم عن حمل ما يمكن اعتباره »الهم الديموقراطي«.
في مثل هذه الظروف من السهل ان تجهض التجربة او المحاولة الديموقراطية، اما على ايدي اعدائها الرسميين، او بسب اخطاء الماسكين بزمام الامور، وهي اخطاء قد ترتكب في سياق الرد على ضربات الاعداء الرسميين، او العناصر التي تشكل خطرا على وجود الحكم والدولة نفسها. ويمثل تاريخ الثورة الفرنسية سجلا حافلا بالنماذج والادلة و الشواهد على كيفية انهيار او انحراف او اجهاض التجربة الديموقراطية والقضاء عليها.
ليس العراق وتجربته السياسية بمنأى عن هذا الخطر.