تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العراق: متى يغادر الأميركيون؟



عراقي هواي وميزة فينا الهوى
01-06-2007, 07:42 AM
العراق: متى يغادر الأميركيون؟



مع انتهاء مناورات الكونغرس بشأن تمويل القوات الأميركية في العراق الآن، مؤقتا على الأقل، ربما يكون قد آن الأوان لمناقشة سبل انهاء الوجود العسكري الأميركي.

وإذا ما اصغى المرء الى الدوائر المناهضة لواشنطن، فإن الولايات المتحدة لا تعتزم مغادرة العراق نهائيا. غير أن الحقيقة هي ان الولايات المتحدة لم تحاول أبدا البقاء في أي بلد على الضد من رغباته.

في عام 1966 قرر الرئيس الفرنسي شارل ديغول، أن يبعد بلاده عن الجانب العسكري من الناتو، وطلب من الأميركيين ان يغلقوا قواعدهم في فرنسا. وسرعان ما استجاب الرئيس ليندون جونسون، منهيا بذلك وجودا عسكريا أميركيا دام ما يزيد على عقدين على الأراضي الفرنسية.

وفي عام 1969 جاء دور العقيد معمر القذافي، الذي كان قد تولى السلطة عندئذ ليطلب من الولايات المتحدة، أن تغلق قاعدتها الكبيرة، وكانت جزءا أساسيا من استراتيجية الناتو في البحر الأبيض المتوسط. وفي هذه المرة كان دور الرئيس ريتشارد نيكسون في الخضوع العاجل عبر اغلاق القاعدة.

وفي عام 1979 طلب النظام الخميني الجديد في ايران اغلاق 27 مركز تنصت تدار من جانب الولايات المتحدة اقيمت بموجب معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية على امتداد الحدود الايرانية السوفييتية لمراقبة اختبارات الصواريخ السوفييتية. وخضع الرئيس جيمي كارتر، الذي تصرف بالتوافق مع أسلافه، للطلب الايراني على الرغم من ان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة كانا قد وافقا على اقامة المراكز.

وفي الثمانينات تخلت الولايات المتحدة عن عدد من القواعد في عدد من الدول، بينها خليج سوبيك في الفلبين. كما سحبت قواتها العسكرية من باكستان بعد ان باتت منظمة جنوب شرق آسيا طي النسيان.

وفي عام 2002 سحبت الولايات المتحدة قواتها ومعداتها من المملكة العربية السعودية، بعد أن طلبت حكومة الرياض ذلك.

وتقع معظم القواعد العسكرية الأميركية في دول ديمقراطية تدعم حكوماتها الوجود الأميركي على أراضيها. وبقدر تعلق الأمر بالعراق فإن الوجود العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة هناك مقر من جانب الأمم المتحدة، وجرت المصادقة عليه مرتين من جانب الشعب العراقي في انتخابات حرة جرت بمشاركة واسعة. وتتمتع الأمم المتحدة والحكومة العراقية المنتخبة بحق طلب انهاء الوجود العسكري للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أي وقت.

وتتسم حقيقة ان الولايات المتحدة لم ترغب أبدا في ابقاء وجودها العسكري في أي بلد على الضد من ارادة حكومته، تتسم بمنطق معقول. فلا معنى للاحتفاظ بقواعد في أراض معادية، حيث يتعين تكريس جزء كبير من الموارد للدفاع عن الذات.

ولدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق ثلاث وظائف أساسية.

الوظيفة الأولى تتمثل في تدريب الجيش وقوات الأمن العراقية الجديدة وتسليحها واختبار قدرتها القتالية. ومن المتوقع أن تنجز هذه المهمة الى حد كبير بحلول عام 2009.

وللجيش العراقي الآن 129 لواء اختبر نصفها تقريبا في عمليات قتالية حقيقية. وعلى الرغم من ان حلفاء دول الناتو فشلوا في تدريب الأعداد التي وعدوا بتدريبها من الضباط العراقيين، فإن الجيش العراقي بدأ بالفعل في ان يكون له حد أدنى من الكوادر القيادية التي يحتاج اليها كي يتمكن من العمل وحده بصورة مستقلة.

المهمة الثانية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هي مواجهة الجماعات الارهابية المتعددة التي لا تزال تعمل في محافظتين او ثلاث محافظات، بالإضافة الى بعض الأحياء في العاصمة بغداد. محاربة الارهاب عملية طويلة الأمد. إذ ان مصر احتاجت الى 22 عاما كي تقضي على ارهابييها، فيما لم تتمكن الجزائر بعد من تحقيق انتصار كامل على أعدائها بعد 12 عاما تقريبا. تمكنت تركيا من سحق الإرهاب بعد عقدين من الزمن تقريبا، على الرغم من وجود بعض الجيوب الإرهابية التي تشن هجوما من وقت لآخر.

لذا، فإن انسحاب قوات التحالف من العراق لا يمكن ان يكون مرهونا بتحقيق انتصار نهائي على الجماعات الارهابية التي تنشط هناك الآن. الأمر المهم هو ان يكون هناك جيش عراقي قادر على عمل ما حدث في كل من مصر والجزائر وتركيا تجاه الارهابيين على مدى عدة سنوات.

المهمة الثالثة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي مهمة نادرا ما تجد الاهتمام الذي تستحقه، تتمثل في ردع التحالف لمحاولات التدخل في شؤون العراق من جانب دول الجوار.

طموحات الجمهورية الاسلامية في العراق معروفة ولا حاجة الى استعراض تفاصيلها هنا.

كما انه ليس من قبيل الصدفة ان يظهر مقتدى الصدر بصورة مفاجئة عشية المحادثات بين ايران والولايات المتحدة في العراق الاسبوع الماضي. تعتقد طهران ان الولايات المتحدة ستغادر العراق بمجرد مغادرة بوش للبيت الأبيض، وتريد ان ينسب لها الفضل في «إخراج الشيطان الأكبر» من المنطقة. من الواضح ان العراق، حتى اذا كان جيشه الحالي مكتمل الكفاءة، لن يكون قادرا على الدفاع عن البلاد في مواجهة الضغوط العسكرية الايرانية مصحوبة بالإرهاب الذي تقوده عناصر تدعمها ايران.

إلا ان الجمهورية الاسلامية ليست الدولة الوحيدة التي لديها مطامع في العراق. إذ ان تركيا ايضا تتِأهب لاستغلال اول فرصة لطرح اجندتها بصورة مباشرة، عبر الضغوط العسكرية، وبصورة غير مباشرة عبر التركمان. تتحدث تركيا عن اتفاقية لوزان (1932) التي منحت تركيا «حق المراقبة» فيما يتعلق بالموصل وكركوك. كما ان تركيا حصلت خلال العقد الأخير من حكم صدام حسين على حق إرسال قوات الى شمال العراق بحجة تعقب المتمردين الأكراد. من الواضح ان الديمقراطية العراقية الجديدة لا يمكن ان تسمح لتركيا، او أي دولة جوار اخرى، بمثل هذه الامتيازات.

ثمة طموحات لدى سورية الاردن في العراق، وإن كانت اقل خطورة.

لذا فإن العراق الجديد سيحتاج الى الوجود المسلح للتحالف بغرض ردع الأخطار التي تشكلها بعض دول الجوار وتوفير الحماية للديمقراطية الوليدة. ثمة وضع مشابه في غرب ألمانيا، حيث تمركزت قوات حلف الناتو بغرض حماية الديمقراطية الجديدة وردع الخطر السوفياتي عبر ألمانيا الشرقية. الوجود الرمزي للولايات المتحدة في كوريا الجنوبية لا يزال يؤدي مهمة مشابهة في دعم الحكومة الديمقراطية في سيول مع ردع طموحات كوريا الشمالية.

ليس من المستبعد ان يغادر جزء كبير من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بنهاية ربيع عام 2009 مع الإبقاء على وجود عسكري مخصص لردع طموحات دول الجوار العراقي.



ويمكن القول ان تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق أوجد وضعا راهنا جديدا في حاجة الى حماية، كما كان عليه الحال في اوروبا وشبه الجزيرة الكورية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.