المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تواضع الكبار



نورا نورالدين
24-11-2011, 08:32 PM
هناك من يولد فقير المال والحال, ثري النفس والروح والذات,
وهناك من يولد ثريا,وثري النفس والروح والذات!,
ودون معرفة حقيقة نفسيهما وذاتيهما الغنيتين , ويعيش كل واحد ايامه بطبيعتها , يترعرع ينمو يتطور ويكبر دون معرفة مدى قدرته ومقدوره وحجمه بين أمثاله من الناس, لانه هوهو,بطبيعته ونفسه وحقيقته,
ولأنه ولد على هذا المنوال ولم يتغير,بل يعتقد أن حاله, حال الجميع حوله ولا يتأثر أو يلتفت للفرق! .
يكبر ويكبر بفكره ومخزونه وطبيعته وتواضعه , وكلما عظم شأنه عظم تواضعه...
نراه كالسنبلة الملآنة الرأس ,ينحني تواضعا كما تنحني الأم الحنون لتقبيل طفلها الرضيع !,
ونرى الغير كالسنابل الفارغة الرأس تتعالى حوله, تفتش عمن من يلتفت اليها ,محاولة لفت النظر بعلاء راسها الشح,والتشاوف على غيرها من" السنابل" الملئى الرأس المنحنية تواضعا؟...
كنت أعشق الطبيعة منذ صغري ,واعشق مراقبتها وسماع سمفونيتها, وأجلس لساعات طويلة اراقب حقول القمح المذهبة باشعة الشمس, تتمايل على اصوات موسيقى الطبيعة الممزوجة مع النسمات التي تلامس وجهي ووجهها, وارى السنابل الملآنة ترقص بوقار مع الرياح والنسمات , بينما تهتز بخفية وخفة وجنون ألسنابل الفارغة الرأس, يتلاعب فيها الهوا يمنة و يسرة كما يشاء, تترك حالها للرياح والهوى ثملة دون ادراك !..
و اتذكر والدي عندما قال لي يوما, أن السنابل كالأفراد:فارغ الرأس يتعالى تتلاعب به الأهواء, وملآنه ينحني تواضعا ووقارا وكنت اسرح بتأملاتي..., اركض في حقول القمح محاولة مراقصة السنابل ,اراقب لساعات تمايل سنابل القمح, تلفحني الشمس وأنسى نفسي ..
واصبحت الآن اشبه بعض الناس بالسنابل الملآنة والبعض الآخر بالسنابل الفارغة , وأعود بذكرياتي الى طفولتي وأقوال والدي ورقصة سنابل حقول القمح وتلك اللحظات والأيام !.
فعندما نراقب تواضع الكبار, نراهم كالسنابل الملئة الرأس يشبهون سمفونية الخالق يشعون سحرا ووقارا وجمالا وبريقا واحتراما . غير أن البعض الفارغ الرأس, لا يفهم حقيقتهم إذ يعتقدهم ضعفاء الشخصية ,يقليلون من شأنهم وقيمتهم الذاتية و تقديرهم لنفسهم .ولا يفهم تواضع الكبار, سوى أمثالهم الكبار !.أما متعالو الروؤس كالسنابل الشاحة, يجدون أمثالهم يقدرونهم, فيهتزون لأهتزازهم كإهتزاز سنابل القمح الفارغة حينما تتلاعب بها الرياح,
يفهمونهم ويبررون أفعالهم يصفقون لهم ينحنون أمامهم ,مطبلين مزمرين لمجدهم الباطل, يقللون من شأنهم إكراما لشأن فارغي الروؤس !ولا تزال المساحيق ولا تزال الأقنعة ولا يسكت المهرجون , ونفاقا و طمعا بالمنفعة يهللون ويبجلون.فيصح القول :" كثيرون هم الذين يرفعون روؤسهم فوق قنن الجبال , أما نفوسهم فتبقى هاجعة في ظلمة الكهوف !"




منقول