المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النظر في العواقب وفيما يجوز ان يقع شان العقلاء



mohamed_atri
27-03-2011, 02:22 AM
الحمد لله حمدا يبلغ رضاه وصلى الله على اشرف من اجتباه وعلى اله وصحابته وعلى من اتبع هداه وسلم تسليماً لا يدرك منتهاه وبعد السلام عليكم ورحمة الله اخوة الايمان من مواعظ ابن الجوزي رحمه الله عن الحيطة للمستقبل يليها القوة عند الابتلاء نفعنا الله به ومن نظر فيه برحمته

فصل الحيطة للمستقبل
ينبغي الاحتراز من كل ما يجوز أن يكون، ولا ينبغي أن يقال: الغالب السلامة.
وقد رأينا من نزل مع الخيل في سفينة فاضطربت، فغرق من في السفينة وإن كان الغالب في هذه الحالة السلامة.
وكذا ينبغي أن يقدر الإنسان في نفقته وإن رأى الدنيا مقبلة، لجواز أن تنقطع تلك الدنيا.
وحاجة النفس لا بد من قضائها، فإذا بذر وقت السعة فجاء وقت الضيق لم يأمن أن يدخل في مداخل سوء، وأن يتعرض بالطلب من الناس.

وكذلك ينبغي للمعافى أن يعد للمرض، وللقوي أن يتهيأ للهرم.
وفي الجملة فالنظر في العواقب وفيما يجوز أن يقع شأن العقلاء.

فأما النظر في الحالة الراهنة فحسب فحالة الجهلة الحمقى، مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض، أو غنياً وينسى الفقر، أو يرى لذة عاجلة وينسى ما تجني عواقبها.وليس للعقل شغل إلا النظر في العواقب، وهو يشير بالصواب من أين يقبل ؟..

فصل القوة عند الابتلاء
يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء، فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس، لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح.أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره، أو يريد كثرة اللجأ والدعاء.
فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل، فذاك ضعيف الإيمان. يرى أن له حقاً في الإجابة، وكأنه يتقاضى أجرة عمله.
أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام: بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير، فلما ضم إلي فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله وقال: " عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتيني بهمْ جَميعاً " .

وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى: " أَمْ حِسِتْتُمْ أَنْ تَدْخُلوا الْجَنّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِيْنَ خَلَوْ مِنْ قَبْلَكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللُّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب " .

ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج.
ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قيل له: وما يستعجل. قال: يقول: دعوت فلم يستجب لي.فإياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء.