المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سياط الزمان



صوص متوحش
29-03-2007, 09:14 PM
هناك في الماضي ينام،على أكوام التعاسة والشقاء يتمدد طفل يعاني من لوعة الحرمان،يتدثر بالنجوم ويفترس التراب ويلتحف بالسماء،يأكل النوى والفتات،
يلبس أسمالا بالية ويتخذ من قطعة جلد مهترىء_كانت يوما جسد حيوان_شبه حذاء يرتديه. منزله في الهواءالطلق وطعامه من نتاج الارض، لباسه من كائنات الكون فهو إبن هذ الكون.

يجلس متكورا على نفسه في ظلمات دامسة، سكون كسون المقابر لا يقطعه سوى صرخات الرياح العاتية التي تمزق الاجسام باسواطها الحادة. ثلوج بيضاء متحجرة تكسو الارض، وهو جالس في مكانه يحاول ان يشيع الدفء في اوصاله المرتعدة من خلال التقوقع على نفسه والتفكير في ذكريات سعيدة تدفىء قلبه المحموم شوقا وحنانا ويداه المتجمدتان القاسيتان. فإذا بتلك الذكريات تزيده حزنا وبردا وشعوراً بالحلكة والظلمة وشظف العيش. فهو لم يسبق له يوما أن عاش لحظة سعيدة.

بدت له صور متقطعة من الماضي السحيق، مقتطفات تمثل حياته التعسة التي لا تزيد عن عشر سنين. تذكر ذلك البيت القديم، السقف الذي كان يأويه بأبوابه الصدئة التي تصدر صريرا عاليا يرتجف معه أشقائه خوفا معتقدين ان العدو الصهيوني قد عاد للقصف والقتل. نوافذه الصغيرة التي تكاد نوافذ السجون أن تكون أكبر منها.ذلك البيت الذي يتكون من غرفة واحدة فقط قسمت الى ثلاثة أقسام :شبه مطبخ صغير يخلو من أدوات الطعام فهو لا يحتوي سوى على قدر ،صحن وابريق فقط لا غير ، ولشدة صغره لا يتسع سوى لشخص واحد. وحمام وغرفة نوم.رأى صورة مبهمة لجسد امرأة كانت يوما أمه وهي تستلقي على الارض الباردة لتفسح لأبنائها المجال للنوم على الفرشة المهترئة الممزقة حتى لا يشعروا بالبرد.مازالت أصوات شقيقه الرضيع وهو يصرخ جوعا تصم أذنيه،ثدي أمه الحاف متدليا لعله يسكت الطفل ويمنعه من البكاء ولكنه كان حتما عاجزا عن اسكات جوع الطفل الرضيع .يرى شقيقته التي لم تتجاوز خمس سنسن وهي تعاني من الحمى،وصوت سعالها يمزق أحشائه، ولعجزهم ماديا لم يتمكنوا من احضار طبيب لمعالجتها. وكان يراقبها وهي مستلقية على الفرشة المهترئة تصارع الموت حتى قهرها أخيرا.

نفض سيل الذكريات الجارف عن ذهنه ومسح بكمه المتسخ القذر سيل دموعه الحارة،ثم انتفض من مكانه واخذ يتمشى في المكان ليطرد تلك الذكريات المريرة عن ذهنه ،ولكن لشدة البرد الشائع والمهيمن على المكان وأطرافه المتجمدة عاود الجلوس، وأخذ يعبث بالثلج ليقتل الوقت.تذكر المرة الاولى التي راى فيها الثلج وهو ابن سبع سنين ،يومها شعر بسعادة لا توصف،وأخذ يمرح هو واشقائه بالثلج وقاموا بحفر الخنادق استعدادا لمعركة ثلجية ولكن فجأة مزق السكون صوت بكاء طفل مذعور،فأسرعوا لاستطلاع الامر وهناك رأى ما لن ينساه ابد الدهر.رأى شقيقه الصغير يرقد بالقرب من جيد امرأة كانت يوما أما، فلقد كانت الام تتمدد على الارض جثة هامدة والطفل يذرف الدموع وهو يضربها ويشدها حينا آخر لعلها تستجيب ،سحبت الام ودفنت في خندق بني للعب الاطفال فإذا به يصبح قبراً يحوي عظام الأم.

نام والدموع تحتضن مقلتيه وتقبل وجنتيه،والدموع الحارقة تزيد القلب لوعة وحسرة على ما مضى.استيقظ والشمس ترسل أشعتها الذهبية لتملأ الدنيا دفئا بعد صقيع دام أيام طوال،ولكنها لم تستطع أن تذيب ثلوج الهموم المتراكمة في قلب الطفل المسكين.

ترسل الشمس أشعتها الذهبية وتتخلل النوافذ والأبواب معلنة بدء يوم جديد،يستيقظ الأطفال فرحين مستبشرين بحلول يوم العيد.كل منهم قد ارتدى أجمل الحلل وازدان بأجمل الملابس. وهو يقبل الأرض مهنئا اياها بحلول يوم العيد،يصلح من شكله قدر الامكان، يغتسل في المستنقعات.
رأى انعكاس وجهه في المياه القذرة الموحلة،صورة طفل مشرد أشعث الشعر متسخ الوجه قاسي الملامح ،عيونه تصرخ بالبؤس والقهر.تحدث إليه الوجه سائلا اياه:-
* من أنت؟

_أنا طفل هذا الكون ،يتيم العاطفة،أرمل السعادة،طليق الأمان، سجين الخوف أسير الظلم والاضطهاد.

* ما عملك؟ وكيف تعيش؟

_أعمل متشردا متسولا، فار من الزمان خارج عن قوانين الحياة ،مضطهد الأيام والسنين.
أعتاش من فتات الزمان الغادر، أتناول طعام الصبر والمرارة، أشرب من كأس الإنكار والتجاهل.

* ما عمرك؟

_ ثلاث سنين شقاء، سنتين تشرد وعذاب، سنة رفات وعظام، سنتين خوف واختباء من سياط الزمان. وسنتين يتم وبكاء. عذرا فإنني لا أعرف الاأرقام فقم أنت بالحساب.

*أين تسكن؟
_ أسكن في العراء، في بيت أرضه من تراب وسقفه من سماوات، نوره من نجوم، تدفئته من أشعة الشمس ومروحيته من هواء البر.

* ما اسمك؟

الحروف ثلاث: صاد الصبر على كل شقاء وعذاب، خاء الخوف من كل آت ومن كل وما فات ، راء الرماح التي تمزق قلبي وتدميه.

عندها اختفت الصورة لتتركه وحيدا بعد أنس ووحشة بعد ألفه، تساءل هو ذاك الشخص الوضيع الذي ما انفك يطرح السؤال تلو السؤال. كان حائرا لا يجد جوابا.

أزاح من فكره صغائر الامور، وعاد الى واقعه المرير، حمل عدته للعمل، فهو يعمل في مسح أحذية المارة وتنظيف محلات البائعين، وكون اليوم هو يوم عيد فهو أجمل الأيام بالنسبة له لأنه أكثر الأيام ازدحاما ووفرة العمل.

تمت بحمد الله

اخواني اتمنى منكم نشر القصة باسم عاشقة الحروف

ملاحظة: انا لم اكتب القصة بل انا نشرتها لاختي العزيزة عاشقة الحروف لتأخذوا العبرة ولتستمتعوا بقراءتها
تقبلوا تحياتي