m_ali
24-02-2011, 08:37 AM
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
باب الجبر والقدر والامر بين الامرين
</B>1 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمد وغيرهما رفعوه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه(1)، ثم قال له: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي(2) يا أمير المؤمنين؟ فقال له: مه يا شيخ ! فوالله لقد عظم الله الاجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.
فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين.
وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له: وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما؟ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها.
إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(3) فأنشأ الشيخ يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته ******** يوم النجاة من الرحمن غفرانا
___________________________________
(1) جثا يجثو جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه وقام على اطراف أصابعه . والتلعة ما ارتفع من الارض (في)
(2) اى منه اطلب اجر مشقتى (في)
(3) مسألة القضاء والقدر من اقدم الابحاث في تاريخ الاسلام، اشتغل به المسلمون في اوائل انتشار الدعوة الاسلامية وتصادفها مع انظار الباحثين من علماء الملل والاديان، ولما كان تعلق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالافعال الاختيارية من الانسان يوجب بحسب الانظار العامية - الساذجة ارتفاع تأثير الارادة في الفعل وكون الانسان مجبورا في فعله غير مختار، تشعب جماعة الباحثين (وهم قليل البضاعة في العلم يومئذ) على الفريقين: احديهما وهم المجبرة اثبتوا تعلق الارادة الحتمية الالهية بالافعال كسائر الاشياء وهو القدر وقالوا بكون الانسان مجبورا غير مختار في افعاله والافعال مخلوقة لله تعالى وكذا افعال سائر الاسباب التكوينية مخلوقة له.
وثانيتهما وهم المفوضة أثبتوا اختيارية الافعال ونفوا تعلق الارادة الالهية بالافعال الانسانية فاستنتجوا كونها مخلوقة للانسان، ثم فرع كل من الطائفتين على قولهم فروعا ولم يزالوا على ذلك حتى تراكمت هناك اقوال هناك اقوال وآراء يشمئز منها العقل السليم، كارتفاع العلية بين الاشياء وخلق المعاصى والارادة الجزافية ووجود الواسطة بين النفى والاثبات وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع إلى غير ذلك من هوساتهم. والاصل في جميع ذلك عدم تفقههم في فهم تعلق الارادة الالهية بالافعال وغيرها والبحث فيه طويل الدليل لا يسعه المقام على ضيقه نوضح المطلب بمثل نضربه ونشير به إلى خطأ الفرقتين والصواب الذى غفلوا عنه فلنفرض انسانا اوتى سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والاماء ثم اختار واحدا من عبيده وزوجه احدى جواريه واعطاه من الدار والاثاث ما يرفع حوائجه المنزلية ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير، فان قلنا: إن هذا الاعطاء لا يؤثر في تملك العبد شيئا والمولى هو المالك وملكه بجميع ما اعطاه قبل الاعطاء وبعده على السواء كان ذلك قول المجبرة وان قلنا: ان العبد صار مالكا وحيدا بعد الاعطاء وبطل به ملك المولى وانما الامر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه كان ذلك قول المفوضة وان قلنا كما هو الحق ان العبد يملك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفى طوله لا في عرضه فالمولى هو المالك الاصلى والذى للعبد ملك في ملك، كما ان الكتابة فعل اختيارى منسوب إلى يد الانسان والى نفس الانسان، بحيث لا يبطل احدى النسبتين الاخرى، كان ذلك القول الحق الذى يشير عليه السلام اليه في هذا الخبر. فقوله عليه السلام: لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب إلى قوله: واعطى على القليل كثيرا اه اشارة إلى نفى مذهب الجبر بمحادير ذكرها (ع) ومعناها واضح وقوله: ولم يعص مغلوبا اه. اشارة إلى نفى مذهب التفويض بمحاديرها اللازمة فان الانسان لو كان خالقا لفعله، كان مخالفته لما كلفه الله من الفعل غلبة منه على الله سبحانه وقوله: ولم يطع مكرها اه. نفى للجبر ومقابلة للجملة السابقة فلو كان الفعل مخلوقا لله وهو الفاعل فقد أكره العبد على الاطاعة وقوله: ولم يملك مفوضا اه. بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل نفى للتفويض اى لم يملك الله ما ملكه العبد من (الفعل؟) بتفويض الامر اليه وابطال ملك نفسه وقوله عليه السلام: (ولم يخلق السماوات والارض - وما بينهما باطلا ولم يبعث النبين مبشرين ومنذرين عبثا) الجملتان يحتمل ان يشار بهما إلى نفى كل من الجبر والتفويض فان الافعال إذا كانت مخلوقة لله قائمة به سبحانه كان المعاد الذى هو غاية الخلقة امرا باطلا لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكره (ع) وكان بعث الرسل لاقامة الحجة وتقدمة القيامة عبثا ولا معنى لان يقيم تعالى حجة على فعل نفسه وإذا كانت مخلوقة للانسان ولا تأثير لله فيها لزم ان تكون الخلقة لغاية لا يملكها الانسان ليس لله فيها شأن وهو العبث. واعلم ان البحث عن القضاء والقدر كانت في اول الامر مسألة واحدة ثم تحولت ثلاث مسائل أصلية الاولى: مسألة القضاء وهو تعلق الارادة الالهية الحمية بكل شئ والاخبار تقضى فيها بالاثبات كما مر في الابواب السابقة الثانية: مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الافعال والاخبار تدل فيها ايضا على الاثبات، الثالثة: مسألة الجبر والتفويض والاخبار تشير فيها إلى نفى كلا القولين وتثبت قولا ثالثا وهو الامر بين الامرين، لا ملكا لله فقط من غير ملك للانسان ولا بالعكس، بل ملكا في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة. واعلم ايضا ان تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبى صلى الله عليه وآله (ان القدرية مجوس هذه الامة الحديث) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لانهم ينكرون القدر ويتكلمون عليها و المفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لانهم يثبتون القدر والذى يتحصل من اخبار ائمة اهل البيت (ع) انهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطبقون الحديث النبوى عليهما، أما المجبرة فلانهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعا إلى غير الانسان، كما ان المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعا غير الانسان وقوله (ع) في هذا الخبر مبنى على هذا النظر، وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقين في العالم هما الانسان بالنسبة إلى افعاله والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها، كما ان المجوس قائلون باله الخير واله الشر، وقوله عليه السلام في الروايات التالية، لا جبر ولا قدر اه ناظر إلى هذا الاعتبار. (الطباطبائى) .
باب الجبر والقدر والامر بين الامرين
</B>1 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمد وغيرهما رفعوه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه(1)، ثم قال له: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي(2) يا أمير المؤمنين؟ فقال له: مه يا شيخ ! فوالله لقد عظم الله الاجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.
فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين.
وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له: وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما؟ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها.
إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(3) فأنشأ الشيخ يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته ******** يوم النجاة من الرحمن غفرانا
___________________________________
(1) جثا يجثو جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه وقام على اطراف أصابعه . والتلعة ما ارتفع من الارض (في)
(2) اى منه اطلب اجر مشقتى (في)
(3) مسألة القضاء والقدر من اقدم الابحاث في تاريخ الاسلام، اشتغل به المسلمون في اوائل انتشار الدعوة الاسلامية وتصادفها مع انظار الباحثين من علماء الملل والاديان، ولما كان تعلق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالافعال الاختيارية من الانسان يوجب بحسب الانظار العامية - الساذجة ارتفاع تأثير الارادة في الفعل وكون الانسان مجبورا في فعله غير مختار، تشعب جماعة الباحثين (وهم قليل البضاعة في العلم يومئذ) على الفريقين: احديهما وهم المجبرة اثبتوا تعلق الارادة الحتمية الالهية بالافعال كسائر الاشياء وهو القدر وقالوا بكون الانسان مجبورا غير مختار في افعاله والافعال مخلوقة لله تعالى وكذا افعال سائر الاسباب التكوينية مخلوقة له.
وثانيتهما وهم المفوضة أثبتوا اختيارية الافعال ونفوا تعلق الارادة الالهية بالافعال الانسانية فاستنتجوا كونها مخلوقة للانسان، ثم فرع كل من الطائفتين على قولهم فروعا ولم يزالوا على ذلك حتى تراكمت هناك اقوال هناك اقوال وآراء يشمئز منها العقل السليم، كارتفاع العلية بين الاشياء وخلق المعاصى والارادة الجزافية ووجود الواسطة بين النفى والاثبات وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع إلى غير ذلك من هوساتهم. والاصل في جميع ذلك عدم تفقههم في فهم تعلق الارادة الالهية بالافعال وغيرها والبحث فيه طويل الدليل لا يسعه المقام على ضيقه نوضح المطلب بمثل نضربه ونشير به إلى خطأ الفرقتين والصواب الذى غفلوا عنه فلنفرض انسانا اوتى سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والاماء ثم اختار واحدا من عبيده وزوجه احدى جواريه واعطاه من الدار والاثاث ما يرفع حوائجه المنزلية ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير، فان قلنا: إن هذا الاعطاء لا يؤثر في تملك العبد شيئا والمولى هو المالك وملكه بجميع ما اعطاه قبل الاعطاء وبعده على السواء كان ذلك قول المجبرة وان قلنا: ان العبد صار مالكا وحيدا بعد الاعطاء وبطل به ملك المولى وانما الامر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه كان ذلك قول المفوضة وان قلنا كما هو الحق ان العبد يملك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفى طوله لا في عرضه فالمولى هو المالك الاصلى والذى للعبد ملك في ملك، كما ان الكتابة فعل اختيارى منسوب إلى يد الانسان والى نفس الانسان، بحيث لا يبطل احدى النسبتين الاخرى، كان ذلك القول الحق الذى يشير عليه السلام اليه في هذا الخبر. فقوله عليه السلام: لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب إلى قوله: واعطى على القليل كثيرا اه اشارة إلى نفى مذهب الجبر بمحادير ذكرها (ع) ومعناها واضح وقوله: ولم يعص مغلوبا اه. اشارة إلى نفى مذهب التفويض بمحاديرها اللازمة فان الانسان لو كان خالقا لفعله، كان مخالفته لما كلفه الله من الفعل غلبة منه على الله سبحانه وقوله: ولم يطع مكرها اه. نفى للجبر ومقابلة للجملة السابقة فلو كان الفعل مخلوقا لله وهو الفاعل فقد أكره العبد على الاطاعة وقوله: ولم يملك مفوضا اه. بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل نفى للتفويض اى لم يملك الله ما ملكه العبد من (الفعل؟) بتفويض الامر اليه وابطال ملك نفسه وقوله عليه السلام: (ولم يخلق السماوات والارض - وما بينهما باطلا ولم يبعث النبين مبشرين ومنذرين عبثا) الجملتان يحتمل ان يشار بهما إلى نفى كل من الجبر والتفويض فان الافعال إذا كانت مخلوقة لله قائمة به سبحانه كان المعاد الذى هو غاية الخلقة امرا باطلا لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكره (ع) وكان بعث الرسل لاقامة الحجة وتقدمة القيامة عبثا ولا معنى لان يقيم تعالى حجة على فعل نفسه وإذا كانت مخلوقة للانسان ولا تأثير لله فيها لزم ان تكون الخلقة لغاية لا يملكها الانسان ليس لله فيها شأن وهو العبث. واعلم ان البحث عن القضاء والقدر كانت في اول الامر مسألة واحدة ثم تحولت ثلاث مسائل أصلية الاولى: مسألة القضاء وهو تعلق الارادة الالهية الحمية بكل شئ والاخبار تقضى فيها بالاثبات كما مر في الابواب السابقة الثانية: مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الافعال والاخبار تدل فيها ايضا على الاثبات، الثالثة: مسألة الجبر والتفويض والاخبار تشير فيها إلى نفى كلا القولين وتثبت قولا ثالثا وهو الامر بين الامرين، لا ملكا لله فقط من غير ملك للانسان ولا بالعكس، بل ملكا في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة. واعلم ايضا ان تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبى صلى الله عليه وآله (ان القدرية مجوس هذه الامة الحديث) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لانهم ينكرون القدر ويتكلمون عليها و المفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لانهم يثبتون القدر والذى يتحصل من اخبار ائمة اهل البيت (ع) انهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطبقون الحديث النبوى عليهما، أما المجبرة فلانهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعا إلى غير الانسان، كما ان المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعا غير الانسان وقوله (ع) في هذا الخبر مبنى على هذا النظر، وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقين في العالم هما الانسان بالنسبة إلى افعاله والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها، كما ان المجوس قائلون باله الخير واله الشر، وقوله عليه السلام في الروايات التالية، لا جبر ولا قدر اه ناظر إلى هذا الاعتبار. (الطباطبائى) .