في المقالة السابقة، تحدثت عن قناعتي المطلقة بان امريكا لاتخوض حرباً ضروس ضد الإسلام كما يصورها البعض واليوم مخاطراً بالظهور بصورة المدافع عن عنها سوف أتطرّق الى اكثر نظريات المؤامرة شيوعاً في ألاوساط العراقية والعربية و هي ان الوجود الأمريكي في العراق جاء لسرقة النفط. وأتساءل كم منكم يعتقد بهذه النظرية؟ وان كنتم كذلك فاود طرح الأسئلة التالية:

اولاً: لماذا العراق؟ يقع العراق في النصف الأخر من الكرة الأرضية. ألم يكن من الاسهل غزو فنزويلا الغنية بالنفط و هي الاقرب الى امريكا؟ بالتأكيد ، ستكون المهمة اسهل بكثير من الناحية العسكرية واللوجستية, أما لتبرير الحرب على فنزويلا فألرئيس هيغو شافيز يعتبر عدو امريكا اللدود في القارة الاتينبة وخلافاته مع الادارة الامريكية وصلت الى حد تسميهُ للرئيس السابق جورج بوش "بالشيطان" اثناء القائه خطابه الشهير في الجمعية العامة للامم المتحدة. ولماذا لا تسرق امريكا نفط من الكويت أو الإمارات؟ الكويت كانت على استعداد لتقديم ثرواتها النفطية مقابل تحريرها من الغزو الصدامي وان المهمة كان من الممكن ان تكون اسهل بكثير لو احتل الامريكان الكويت او الامارات او ليبيا أو فنزويلا او حتى المكسيك وكلها دول غنية بالثروات النفطية.

ثانياً: ألا تمتلك امريكا النفط؟ الجواب نعم, ولكن الحفاظ على البيئية يمنع الاميركان من حفر أبار النفط في مياههم الإقليمية. انظروا الى الضجة التي احدثها تسرّب النفط في خليج المكسيك حيث تم وقف كل عمليات الحفر والتنقيب على النفط في مياه امريكا الاقليمية. اضافة الى الاصوات الداعية للحفاظ على البيئة, يوجد في امريكا أقوى الحركات المناهضة للحرب في العالم، لذلك فأن قرار استخراج النفط من الاسكا سوف يكون اقل اثارة للجدل من قرار شن الحرب على العراق ونقل الجيوش الجرارة الى الجانب الاخر من الكرة الارضية للقتال والموت من اجل سرقة النفط اذا افترضنا جدلاً ان امريكا جائت لسرقة النفط!! بطبيعة الحال هنالك من يقولون ان امريكا لا يمكنها ان تنتج ما يكفي من النفط لسد احتياجاتها، و قد يكون هذا صحيحاً ، ولكنني اعتقد انه سيكون من الأسهل لوجستيا وسياسيا الحفر في مياهها عوض عن إرسال جيوشها للقتال من أجل النفط.

ثالثاً: أين الدّليل؟ ولماذا لم نسمع او نرى اي مسؤول او مواطن عراقي أو عربي يؤكد هذه المزاعم ويقول "نعم ، لقد رأيتهم يقومون بسرقة نفطنا بأم عيني", او "انا قمت بمساعدتهم", وأين هي ناقلات النفط الامريكية؟ وفي اي ميناء ترسو؟ ومن يقوم بحفر واستخراج النفط لهم؟ و من يقوم بنقله لهم؟ وكيف ينقل النفط الى امريكا؟ الا اذا اعتقدنا بان الامريكان نجحوا برشوة وشراء صمت العاملين معهم والذين اقسموا علىكتمان الامر؟ دعونانفكر للحظة, إذا كان الأمريكان يسرقون النفط فانّ الكثير من النّاس سيهددون بكشفهم وسوف يساومونهم من اجل السكوت، ولكن في النهاية سيبوح احد الشرفاء بالسّر العظيم. انظروا كيف تم تسريب ونشر فيديو المروحية الامريكية (سرّي للغاية) على موقع ويكيليكس. فقط القلة القليلة من الناس كان لهم صلاحية الاطلاع على تلك المعلومات ولكنها سربت ونشرت في مواقع الانترنيت.

رابعاً: كم أنفقت امريكا على العراق منذ العام 2003؟ تشير الاحصائيات أن الرقم تجاوز التريليون دولار. هل يعقل ان تنفق كل هذه الاموال الطائلة بدلاً من الحصول عليها من سرقة نفطنا؟ لا أستطيع أن أتخيّل ذلك. سوف يدّعي البعض على أنّ الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على أسعار النفط منخفضة ، وهذا هو سبب مجيئهم الى العراق لزيادة العرض وخفض أسعار النفط العالمية. ولكن ايعقل ان ذلك!! امريكا تنفق تريليون دولار من اجل بعض المليارات!! انه كلام غير منطقي وغير معقول. انها تجارة خاسرة.

انه من السذاجة الاعتقاد بان الامريكان جائوا الى العراق بسسب حبهم لنا وعطفهم علينا ومن السذاجة في الوقت نفسه القول انّهم هنا لسرقة نفطنا. إذا كان الأمر كذلك ، لماذا يقومون بتمويل مشاريع الاعمار والبناء؟ ولماذا يقومون بتدريب الجيش؟ ولماذا يبنون المدارس والمستشفيات؟ ولماذا لا يستخدمون القوة لاخذ من جائوا من اجله؟ أقولها مجددا, لنترك نظريات المؤامرة التي اكل عليها الزمن وشرب ولنستفد من وجودهم لبناء الدولة العصرية التي نسعى جميعاً لتأسيسها.