المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الارمله المرضعه للشاعر الكبير (معروف الرصافيــــ)



al_iraqia
27-03-2010, 05:53 PM
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا


تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا


أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ


وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا


بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا


وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا


مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا


فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا


المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا


وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا


فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا


وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا


كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا


فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا


وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا


حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا


تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا


كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا


حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً


كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا


تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا


حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا


قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ


في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا


مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا


تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا


تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ


هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا


مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا


إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا


يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ


كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا


مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ


وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا


يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا


تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا


وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً


وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا


تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا


وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا


قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا


وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا


وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا


بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا


كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً


وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا


هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ


مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا


حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ


وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا


وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ


أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا


سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا


في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا


هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا


مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ


ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي


دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا


وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي


بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا


فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً


تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا


وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا


كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا


وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ


وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا


لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي


مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا


أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ


لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا


هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا


وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا


أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ


وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا

ام فيصل
28-03-2010, 04:42 AM
رائعة من روائع الشاعر الكبير معروف الرصافي
كلمات جميلة ومعاني رائعة
الف شكر لك على الإختيار المميز والنقل
ولاحرمنا ابداعك عزيزتي

دمتي بكل الخير
مع خالص مودتي

عراقيه غيوره
28-03-2010, 10:22 AM
رائع يا بجعه الصغيره اختيار جدا جميل
تسلمين يا ورده
دمتي في هذا العطاء الراقي
وتحياتي لكي