المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السخرية.. بواعثها وآثارها



قرة العين
14-12-2009, 02:40 AM
http://img176.imageshack.us/img176/3631/ed00073f16fr8.gif

السخرية.. بواعثها وآثارها

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾(1).

الحديث حول الآية المباركة يقع في محاور:

المحور الأوَّل: سبب النّزول
ذكر المفسّرون في سبب نزول الآية المباركة مجموعة من الرّوايات، نقتصر على ذكر رواية واحدة نقلها صاحب البحار عن ابن عبّاس قال: نزل -قوله تعالى ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ...﴾- في ثابت بن قيس وكان في أذنه وقر -ضعيف السّمع-، وكان إذا دخل المسجد تفسّحوا له حتَّى يقعد عند النّبيّ (ص) فيسمع ما يقول، فدخل يومًا والنَّاس قد فرغوا من صلاة الصّبح وأخذوا مكانهم فكان يتخطَّى رقاب النَّاس ويقول: تفسَّحوا تفسَّحوا حتَّى انتهى إلى رجل فقال له: أصبت مجلسًا فاجلس، فجلس خلفه مغضبًا، فلمَّا انجلت الظلمة قال: من هذا؟ قال الرّجل: أنا ثابت، فقال: ثابت بن فلانة؟ ذكر أمًّا له كان يُعيَّر بها في الجاهليَّة، فنكس ثابت رأسه حياءً، فنزلت الآية المباركة تنهى عن السَّخرية بالآخرين.

وقد وردت روايات أخرى أفادت أنَّ سبب النُّزول أمور أخرى. أقول: ولعلَّ مجموع ما ورد في الرّوايات كان منشئًا وسببًا لنزول الآية المباركة.

المحور الثَّاني: معنى السُّخرية
السُّخرية تعني الاستهزاء وفعلُ أو ذكرُ ما يقتضي امتهان الآخر وتحقيره والاستهزاء به، وذلك بأن يصفه مثلاً بوصفٍ يؤدي إلى إضحاك النَّاس عليه أو يحكي مشيته لغرض تعييره بعدم استقامته في مشيته، وقد تكون السّخرية بواسطة الإيماء أو الغمز أو الإشارة إلى قصد قامته أو بدانة جسمه أو ترديد قوله ليعبّر للآخرين عن عيبٍ في نطقه.

هذا وقد استحدثت في هذا الزّمن وسائل أخرى للسّخرية من الآخرين مثل الرّسم بطريقة تبعث على الضّحك وتُوجب امتهان من تمّ رسمه.

المحور الثَّالث: البواعث النفسيّة على السُّخرية
لو بحثنا عن الباعث لسخرية بعض النَّاس بالآخرين لوجدنا أنَّ ذلك ينشأ عن شعور الممارس للسّخرية بالكِبرِ والعُجب بالنَّفس، فلأنَّ بعض النَّاس يرون لأنفسهم تميُّزًا لذلك فهم يمتهنون الآخرين ويسخرون بهم.

فالمتكبّر الذي يستشعر الاستعلاء والفوقيَّة يُعبّر عن هذا الشُّعور بواسطة احتقار الآخرين فهو يأنس باستصغار النَّاس وامتهانهم، لأنَّه بامتهانه لهم وإظهاره لنقصهم وعُيوبهم يستشعر راحة في نفسه المُثقلة بالعُقد والأحقاد.

فالسُّخرية إذن مظهر من مظاهر الشُّعور بالعُجب والكبرياء وهما من أخطر الأمراض القلبيَّة التي يُبتلى بها أصحاب العُقد النَّفسيَّة خصوصًا عقدة النّقص التي يجهد المبتلي بها ليقنع نفسه أنَّه غيرُ واجدٍ لها فتظهر في صورة العُجب والكبر وغيرها من الأمراض القلبيَّة.

المحور الرَّابع: كيف عالج الإسلام هذا السّلوك؟
عالج الإسلام هذا السُّلوك السّيّء من خلال التّوصيات التي وردت في القرآن الكريم والسّنّة الشّريفة.

فالآية المباركة نهت عن أن يسخر قوم من قوم أو نساء من نساء وأفادت أنّ السّخرية إن كان منشأها هو توهّم التّميّز والأفضليَّة فهو لا يبرّر السّخرية لأنّ معيار المفاضلة ليس هو المعيار الذي ترونه فقد يكون من تسخرون منه أفضل منكم فإنَّ معيار المفاضلة في الإسلام هو الأقربيَّة إلى الله تعالى والأقرب إلى الله تعالى هو الأتقى.

ثُمّ إنَّ السُّنَّة الشَّريفة أوصت في موارد عديدة بعدم ممارسة هذا السُّلوك وحذّرت من آثاره في الدّنيا والآخرة.
يقول الرّسول الكريم (ص): "كان بالمدينة أقوامٌ لهم عُيوبٌ فسكتوا عن عيوب النّاس فأسكت الله عن عيوبهم النّاس، وكان بالمدينة أقوامٌ لا عيوب لهم فتكلّموا في عيوب النّاس فأظهر الله لهم عيوبًا ولا يزالون يُعرفون بها إلى أن ماتوا".
فالرّواية الشّريفة تُؤكّد أنّ ممارسة هذا السّلوك وهو إظهار عيوب النّاس وتعييرهم بها له جزاء دنيوي وهو من جنس العمل فمن أظهر عيب أخيه أظهر الله عيوبه للنَّاس فلا يكاد يستتر منها حتَّى يموت وهو يُعرفُ بها.

وقد ورد عن الإمام الصَّادق (ع) أنَّه قال: "من أهان وليًّا فقد بارني بالمحاربة".
ولا يبعُد أنَّ المُراد من الوليّ في الرّواية الشَّريفة هو المؤمن، وقد اُعتُبرت الرّواية الشّريفة الإهانة للمؤمن محاربةً لله عزّ وجلّ.

المحور الخامس: أثر السّخرية على البناء الاجتماعيّ
إنَّ من أسوأ الآثار المترتّبة على هذا السّلوك هو شيوع حالة التّباغُض والشّحناء بين أفراد المجتمع وهو من أهمّ عوامل نقض البناء الاجتماعيّ الذي يقوم على التّحابّ والتّوادّ، ومن غير الممكن أن يتماسك مجتمعٌ ويتكامل وأفرادُهُ يسخر بعضهم من بعض.

المحور السّادس: السّخرية وسيلة المناوئين للإسلام
إنَّ السّخرية واحدة من أبرز الوسائل التي يعتمدها المناوؤن للإسلام من أجل أن يصنعوا حاجزًا بين النَّاس وبين الدّخول في هذا الدّين كما أنَّهم يمارسون السّخرية بالإسلام وتشريعاته من أجل أن يزلزلوا قناعات المسلمين بدينهم وشرائعه.

ومن المؤسف أنّ هذه الوسيلة ساهمت إلى حدّ كبير في صرف الكثير من النَّاس عن الدُّخول في هذا الدّين الحنيف كما ساهمت في تخلّي الكثير من بسطاء المسلمين عن بعض معتقداتهم أو شعائرهم أو سلوكيَّاتهم التي أوصى بها الإسلام وذلك حتَّى لا تَصدُقَ عليهم سخريات المُناوئين للإسلام.

واعتماد وسيلة السّخرية من قبل المناوئين للإسلام ليس أمرًا مستحدثًا فقد كان يمارسه المناوؤن للدّين في صدر الدّعوة لذلك جاء التّحذير في القرآن الكريم من التَّأثُّر بذلك.

قال تعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ / إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾(2).

ويقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ / وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ / وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ﴾(3).

فهذه الوسيلة كانت معتمدة وقد تركت أثرًا سيِّئًا على بسطاء المسلمين وساهمت في إضعاف قناعاتهم بالدّين وتشريعاته. وهي اليوم تترك أيضًا أثرًا بالغ السُّوء، فقد استحدث المناوؤن للإسلام الكثير من أساليب السّخرية بالدّين والمتديّنين.

فتارة يصفون المتديّن بالرجعيّ والمُتخلّف وتارةً يصفون الإسلام بأنَّه دين جاء به رجل أعرابيّ لا يعرف إلا النَّاقة والسَّيف ويُوظِّفون الصّورة والمسرحيَّة والأفلام لترويج ذلك.

ويسخرون كذلك بالمرأة الملتزمة بالحجاب ويصفونها بالجهل والتَّخلُّف أو الضَعف والخضوع لسلطة الدّين فأصبح الخضوع لله والالتزام بأوامره سُبَّة تستحقّ السّخرية.

الشّيخ محمَّد صنقور
م\ن

ام فيصل
14-12-2009, 04:37 AM
مرحبا بعودة الغائبة الحاضرة في قلوبنا

موضوع قيم ومهم عزيزتي
شكرا لك ولجميل ماسطرتي فهذه العادة التي نهى عنها الدين الإسلامي باتت منتشرة في عالمنا وللأسف
الشديد

نسأل الله الهداية للجميع والإلتزام بتعاليم هذا الدين الحنيف الذي ينشر السلام والتسامح والمودة

لاحرمنا هذا المداد
كوني بالقرب دوما
مع خالص مودتي

قرة العين
15-12-2009, 07:19 AM
لك جزيل الشكر عزيزتي ام فيصل على مرورك القيم
تسلمين وجزاكِ الله خيراً
حماكِ الله من كل مكروه
مع التحيه والتقدير

@عراقية@
15-12-2009, 06:56 PM
نورتي عزيزتي قرة العين
السخرية والتقليل من شأن الآخرين وللأسف الشديد ظاهرة منتشرة وأصبحت لدى البعض عادة -والعياذ بالله- والأدهى من ذلك ترى ان المجتمع بدأ يعتاد عليها ولا يستنكرها فلا نرى ان من يسخر او يقلل من شأن غيره يشعر بالذنب او بأنه قد قال ما لا يجب قوله بل بالعكس تراه يتفاخر بأطلاقه هذا التصريح وهذا ما أراه في مجتمع الجامعات فالشباب على سبيل المثال من يتعمد التقليل من شأن غيره ليكون محبوبا (او خفيف الظل) في أعين أقرانه..وفي نفس الوقت لا نرى أي أعتراض أو تنبيه من قبل السامع بل بالعكس تراه يضيف ويزيد على ما قاله الأول..
والحديث يطول عزيزتي وأعتذر عن الأطالة ولكن عسى أن يكون في موضوعك من ينتبه ويعي خطأه
وتقبلي تحياتي أختي الغالية

قرة العين
16-12-2009, 08:24 PM
اسعدني مرورك الرائع
وسلمت يداكِ على اضافتكِ القيمه
لكِ الشكر واصدق الدعاء
لاحرمنا الله من تواصلكِ معنا
دمتي بحفظ الرحمان