ملابس ناطقة!!.. علّني أتذكّر وأعقل!..
الدكتور : عماد عطا البياتي
الجو هنا بارد جداً مقارنة مع الجو الذي اعتدنا عليه في بلدنا؛ ولا أرغب في هذا المقال ولا في غيره أن أستعمل عبارات الذم الغبية لوصف الجو كوني أعتقد أن تقلبات الجو ودرجات الحرارة والأمطار والثلوج والعواصف فيها حكمة عظيمة بالغة ومصلحة كبيرة للبيئة الموزونة التي يعيش فيها الإنسان ويتنعّم، بل فيها إعجاز مذهل يدل بداهة على الخالق العظيم القدير سبحانه.
والملابس هنا متنوعة وتتناسب مع تقلبات الأجواء في فصول السنة الأربعة المختلفة. ففي الشتاء، حيث الثلوج ودرجات الحرارة المنخفضة التي تصل إلى عشرين درجة مئوية تحت الصفر أو أقل!!، أعتدت أن أرتدي الملابس السميكة الواقية من البرد والثلج وغطاء الرأس والقفازات الثلجية وأحذية الثلج العازلة الدافئة. وفي الربيع أرتدي ملابس تشابه ما كنت أرتديه من ملابس في فصل الشتاء في بلدنا.
وفي الصيف ألبس الملابس الصيفية الخفيفة نسبيا في الأيام المشمسة ورداء المطر فوقها عند تساقط الأمطار. أما في الخريف حيث العواصف والأمطار والهواء البارد فألبس حينها ملابس الشتاء الواقية من المطر..
كل هذا مع لبس الأحذية المناسبة في كل فصل بما يناسب الأجواء، فأحذية الثلج الخاصة وأحذية المطر في الخريف وأحذية الصيف وأحذية المشي في الغابة وأحذية الرياضة وغيرها.
والقوم هنا عندهم مقولة جميلة تقول بأنه لا يوجد جو سيّء ولكن توجد ملابس سيّئة لا تلائم الجو ويحرصون على لبس الملابس المناسبة لكل جو.
ومحلات بيع الملابس هنا تتتبّع أحدث الأنواع والموديلات في دور الأزياء العالمية ثم تطرح منتجاتها في وقت مناسب قبل كل موسم وفصل وبأسعار غالية جداً وفي نفس الوقت تخفّض أسعار ملابس الموسم السابق إلى النصف أو أقل أو أكثر لأنها لم تعد تتماشى مع "المودا" الحديثة!!.
وأنا أحاول أن أقتصد في الأموال والشراء من الملابس المخفّضة الثمن لي ولعائلتي، فنحن لا شأن لنا مع "المودا" ولكننا نبغي الستر والدفء والملابس المناسبة في الأجواء المختلفة.
تفكّرت في كل هذا وفي الملابس التي ارتديتها وأرتديها وأنا أقود السيارة في طريق خارجيّ جميل وأستمع إلى القاريء سعد الغامدي وهو يقرأ في بدايات سورة الأعراف.
بسم الله الرحمن الرحيم..
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26)
نعم، تفكرت في دور الازياء العالمية والجهود التي تبذل والأموال التي تهدر والتنافس المحموم لإبداع الملابس الشيطانية الفاضحة المتخلّفة وغيرها، وتفكّرت في محلات الأزياء والبضائع التي تعرضها في كل موسم والملابس التي تعرضها بأسعار مخفّضة لأنها لا تناسب "المودة" الحديثة!!، وتفكّرت في الملابس التي ارتديتها وأرتديها في مختلف الأحوال الجوية والفصول في بلدي وهذا البلد الذي أعيش فيه..
ثمّ نظرت بعد فترة من الزمن إلى ملابسي المعلقة في الدولاب وأنا أحمل كل تلك الأفكار والمعاني السابقة؛ فإذا بالملابس تنطق!!!، وتخاطبني فتقول!!!:
لقد جرّبت يا عماد خلال حياتك ارتداء ملابس الحرّ الشديد أي الرداء العربي، وملابس الشباب وملابس الرياضة والبدلة الرجالية الرسمية وملابس الثلج والشتاء القارص وملابس المطر وملابس الغابة.. وغيرها.
كل ذلك هو من نعم الله سبحانه عليك التي يجدر بك شكرها واجتناب كفرها..
ولكن الآية الكريمة بينت لك كذلك بأنّك قد جرّبت أنواعاً كثيرة من الملابس المختلفة ويجدر بك الآن أن تجرّب نوعاً آخر من الملابس يختلف عن كل ذلك وغابت عن بالك وفكرك طويلاً بفعل الغفلة القاتلة والإنهماك بمشاغل الدنيا غير المنتهية خلال مراحل العمر المختلفة مدة أربعين سنة إن كنت تملك أبسط درجات العقل والفطنة.
نعم.. صدقت يا ملابسي العزيزة الحكيمة الناطقة!!، إنه لباس التقوى!!…
ما أجمل هذا الزي وأروعه وأعظمه؟!!..
فإذا كنت أنت يا ملابسي تستريني وتقيني من البرد والثلج والمطر في الأجواء المختلفة فلباس التقوى يقيني من المهلكات والاهوال المختلفة في الدنيا والاخرة.
يالجهالتي وخسارتي الفادحة العظيمة إن كنت لا أقدم على أمر يقول الله الخالق العظيم الجليل عنه أنه خير!!..
شكراً لك يا ملابسي الحبيبة على هذه التذكرة البليغة الرائعة..
كم عزمت وأخلفت ولم أطق من قبل، وآن الأوان أن أعزم وأتوكل وأطيق ولا أخلف.. وأستجدي لإعانتي في هذا الأمر فضل الله سبحانه ثم دعاء الأحباب المؤمنين..
رد مع اقتباس
