تطبيرالنفس.. لا تطبير الرأس
عبد الرحيم سعيد قريش *
إن فلسفة الأزمنة الدينية التي شرعها المولى عز وجل هي محطة لتربية النفس وضبطها وهي من أقوى الدلائل على الرحمة الإلهية حيث جعل لنا هذه المحطات لنتزود منها ونطهر ذواتنا ولتكون بوابة للمسير على هدى الطريق السوي.
عندما تبحث عن ساعات تقف فيها متأملا ومحاسبا وخاشعا بين يدي ربك هي ساعات آناء الليل فإنها من أفضل الساعات وكذا بين الطلوعين الفجر والشروق وفي الأيام والليالي فإنك لن تجد مثيلا لعظمة ليلة الجمعة ويوم الجمعة وكذا أيام الحج هي من أفضل الأيام وأما الشهور فإنك بلا شك ستقف عند أفضل الشهور وهو شهر رمضان المبارك وهكذا فإن الله جعل هذه الأزمنة مباركة لرحمته اللامتناهية لعلنا نتقي ونصل بها إلى الكمال المودع فينا وذلك من خلال إعمال عقولنا وتأملاتنا الفكرية لتمتزج معها حركة تخرج بالقوة إلى حيز الفعلية كما يقولون أهل الفلسفة.
ومن ضمن هذه الأيام التي شرفها الله من بين سائر الأيام هي أيام عاشوراء إن هذه اللحظات، لعمري هي أفضل الأيام من حيث سرعة تأثيرها على سيكولوجية الإنسان فهي خير محطةٍ لهداية النفس لأن هذه الأيام هي أيام حزن وعاطفة ومصيبة إن فلسفة الحزن هي الأداة والوسيلة للثبات والاعتدال والاتزان السلوكي لأن الإنسان إذا كان صاحب مصيبة هو أكثر شخصٍ يتسم بالاتزان والهدوء والسكينة والطمأنينة الروحية والاعتدال،فكيف من يتأسى بمصيبة أبي عبد الله الحسين فإنه سيحظى على روح أبيه وعملاقة وكيف لا؟! وهو يستلهم آلامه من يوم قد تفجرت فيه العدالة والكرامة وقد اشتعلت فيها دروب القيم والمبادئ الإنسانية، إن عاطفة الطف هي انطلاقة للشروع نحو بوابة الهداية إنها أسمى شيءٍ للمسير نحو فكرٍ راقِ، فبالعاطفة المتعقلة نحظى على ذهنٍ خالِ من الشوائب والرذائل الشيطانية، إذاً بزوغ كل القيم هي من تراب ودماء كربلاء، فبالنهضة الحسينية قد تجدد روح الإسلام فلنستلهم دروس الحياة من قيم كربلاء، الصدق والأمانة والشجاعة والتسامح والوفاء والصبر والمحبة والإباء لننزه أنفسنا بقيم كربلاء، ننزهها من الشوائب والرذائل ليكن تمسكنا بقيم الطف هي خير ضابطٍ للنفس ليكن بدل التطبير الذي على رؤوسنا هو التطبير على نفوسنا.
الحسين لايريد منا أن نشمخ رؤوسنا وننزف الدماء أكثر مما يريد بضبط أنفسنا، الحسين جاء بثورته ليثبت أصول الدين ويزرع القيم والأخلاق الحميدة.
ولكن للأسف الشديد أكثر المجتمعات الشيعية عندما تأتي أيام عاشوراء يولون الاهتمام الأكبر للشعائر أكثر من القيم، لقد تناسينا قيم كربلاء التي ضحى الحسين بدمه وأهله وأصحابه من أجل الحفاظ عليها وتمسكنا بالشعائر فقط وفقط، ليكن التمسك بالقيمة أهم وأولى من الشعيرة في حالة التزاحم، ولو أننا تمسكنا بالقيم لأحسنا وأظهرنا الشعائر بأروع وأرقى صورة.
فلنواسِ أباعبدالله الحسين بتمسكنا بالقيم بضبط أنفسنا، فلماذا لانعاهد الحسين بأننا سائرون معه وعلى نهجه وذلك بتطبير أنفسنا وتصفية أرواحنا وغسل تبعاتنا ورذائلنا؟ فلنعكس المواساة الحقيقية على سلوكنا لتكن مصيبة الحسين هي خير يوم لتطبير أنفسنا.
إن وسائل العزاء والمواساة على سيد الشهداء هي إحدى الطرق لتحقيق أكبر عدد ممكن من الأهداف السامية، ليكن لطمنا واعيا ولتكن دمعتنا واعية ولتكن خدمتنا لأبي عبدالله الحسين واعية ووسيلة لتحقيق الغايات، نعم لابد أن تبقى الشعائر ولابد أن ننشر هذه الشعائر بإسلوب عقلاني ومتحضر لنعكس للعالم واقع يوم عاشوراء لننقل لهم صورة الظلم الذي جرى على أهل البيت والسائل يسألني ومالغاية من ذلك ؟! أقول له ألم تسمع بنظرية علم الاجتماع الحديث إن من أكبر الوسائل الإعلامية لنقل فكر الشخص للعالم هي عن طريق نشر مظلوميته فعندما ننقل للعالم مظلومية سيد الشهداء بما جرى عليه يوم الطف من صور بشعة ومفجعة التي لايقبلها العقلاء والغيارى لأن الظلم هو من القبح والقبح مرفوض من العقل، عندها سيسأل العالم من هو ذلك الحسين؟!!
إن لطمنا على الحسين هو مواساة لذلك الصدر المكسر، إن لطمنا على الحسين هو مواساة لذلك الضلع المهشم، إن لطمنا على الحسين هو مواساة لذلك الخد المنصهر في ضوضاء كربلاء، لنقف جميعا كل يوم نلبي الحسين من أعماق قلوبنا لبيك ياحسين لبيك ياحسين لبيك ياحسين بتطبيرأنفسنا.