إخواني الأعزاء
ترددت كثيرا , قبل طرح مثل هذا الموضوع وذلك لأني اعتقد إن الذي سوف أقوله سيطيح برؤوس اللات وهبل من خيالات البعض منا ممن علقوا كل أمالهم وطموحاتهم في الخلاص من الجحيم على مجرد كلمات صورها لهم الدجال إنها قلاع أعدائهم وأمرهم بمهاجمتها , وأوحى لهم إنها آخر المعارك للوصول إلى الجنة , فهبوا من كل حدب وصوب يهاجمون تلك القلاع ويرمونها ويسحقون كل من يقف بطريقهم من (العملاء) الذين ما أرادوا شيئا إلا تنبيه المهاجمين إلى إن الدجال قد خدعهم ليلهيهم عن موبقاته , وان القلاع التي صورها لهم ما هي إلا طواحين هواء , ولكن هؤلاء القلة من( العملاء) ما كانوا ليقدروا على إيقاف مسيرة الأمة نحو حريتها واستقلالها وصون كرامتها , هذا ما قاله الدجال إلى تلك الجموع الغفيرة السائرة على غير هدى والتي باعت عقولها ومشاعرها وحتى معتقداتها بكلمات دون كيشوتية تكلم بها دجالي العصر ما كانت لتغنيهم ولا لتنقذهم مما هم فيه وما كانت لتوصلهم إلى الجنة الموعودة , ولكنها كانت كافية لتجعلهم عصى في يد الدجال الجلاد ليجلدهم بها ويذيقهم الأمرين لأنهم قاموا بمهاجمة طواحين هواء .
أيها السادة
لقد كان العالم كله يعيش فترة ظلامية قبل ظهور الثورة الصناعية في الغرب قبل ثلاثة قرون أو نيف , هذه الثورة التي غيرت وجه الكرة الأرضية بالكامل, وغيرت من سلوكيات البشر , وطريقة حياتهم , وطرق بناء الدولة الحديثة , واستطاعت أن تغير حتى في جيناتهم الوراثية .
في حين بقينا نحن العرب نائمين تائهين لا نعرف ما يحصل من حولنا , في ظل الاحتلال العثماني البغيض .
ونتيجة للثورة الصناعية الكبرى التي حصلت في أوربا وما أفرزته هذه الثورة من علوم جديدة في كل المجالات ,وتطور الأسلحة , وأطماع الدول الصناعية بالحصول على أسواق جديدة , تؤمن لها بيع بضائعها وحصولها على المواد الأولية اللازمة لديمومة صناعاتها , اشتعلت الحروب فيما بينها , وكان من حسنات تلك الحروب خلاصنا من الحكم العثماني , الذي كان السبب الأساس في تأخرنا .
وبعد خلاصنا من الدولة العثمانية وجدنا أنفسنا ضعفاء لا نملك من أسباب القوة شئ , في عالم يتطارحن ويتصارع من اجل الحصول على هذه الرقعة الجغرافية التي تسمى الأرض العربية أو سمها الوطن العربي .
لم يكن يملك هذا الوطن في فترة الحرب العالمية الأولى أي سلاح يقف بوجه سلاح الأمم الأخرى , ولم يكن يملك العلماء أو المصانع , أو مراكز للأبحاث , بل كل ما كان يملكه هو ثروات مدفونة تحت الرمال , وعلوم مكنوزة(وليست مقروءة) في كتب قديمة .
فجاءت ألينا الدول المستعمرة لتؤمن الأسواق وتستخرج الكنوز (المواد الأولية ) , وأقامت على الأرض العربية دولا وحكومات , لتضمن استقرار هذه الأسواق , فتكونت دول العراق ومصر دول الخليج وسوريا وغيرها (كدول حديثة ) تعتمد نظام الدول الحديثة من حكومة , وجيش, وقانون, بدل النظام القبلي الذي كان سائدا قبل الاستعمار .
وبقيت هذه الدول تحت الوصاية الدولية إلى حين , ثم منحت استقلالها , وتم الاعتراف بها من فبل الأمم المتحدة , وبرعاية الدول المحتلة لها سابقا .
أسوق كل تلك المقدمة الطويلة لا لأزكي الاستعمار وامجد الدول الاستعمارية ,لا,بل لأذكر بها من كانت خافية عليه الحقائق التاريخية أو من تناساها , نتيجة علو صوت الدجالين .
لقد ابتليت دولنا بالانقلابات و الانقلابين الذين صوروا لنا إنهم قاموا بإعمالهم الانقلابية لكي ينقذوننا من الاستعمار والتسلط ونهب ثرواتنا , وأدخلونا في حروب طاحنة وخاسرة طحنت أبنائنا واستهلكت ثرواتنا , وكانت نتائجها كارثية على بلداننا , ولم نحصل منها على شئ اللهم إلا تثبيت سلطان الانقلابين وتقوية سياطهم , التي يجلدوننا بها , نتيجة تحميلنا لنتائج انهزاما تهم في حروبهم الدون كيشوتية .
لقد استغل الانقلابيين فترة الحرب الباردة , والماكنة الدعائية الشيوعية , التي كانت تبث السم في العسل وتدعي إنها تعادي الرأسمالية واستغلال الإنسان , وتريد له التحرر ونبذ العبودية , فأستغل عبد الناصر هذه الشعارات أبشع استغلال حتى عم المد الناصري كل الشعوب العربية , فبدأ العسكر بالانقلابات الكارثية في بعض البلدان وكلها تحاكي التجربة الناصرية , , فكان أن استعبدنا الانقلابيين أكثر مما استعبدنا الاستعمار , واستغلونا أبشع استغلال وتاجروا بالشعارات القومية , والتحررية , ليصلوا إلى كراسي الحكم , ويسيطروا على الشعوب ومقدراتها بأسم القومية العربية والتحرر من الاستعمار , وكان كل من يقف بوجه هؤلاء الانقلابيين ويحاول أن يوضح للشعوب مدى الدجل والكذب لدى هؤلاء الانقلابيين يواجه بتهمة العمالة , عميل , تعني خائن , كل من أراد أن يقول كلمة حق بوجه الطواغيت التي ألغت القوانين , والدساتير, والبرلمان , والصحف الحرة, وأصبحت كلمة الحاكم والسيد الرئيس هي الدستور والقانون , وكل من يرى أو يقول غير ذلك فهو عميل .
لو عملنا مقارنة بسيطة بين هذه الدول التي تدعي بأنها ثورية وان أنظمتها جاهدت من اجل تحرير شعوبها من العبودية والاستعمار (مصر عبد الناصر , عراق عبد الكريم قاسم ومن ثم البعث وصدام حسين سورية حافظ اسد وبشار, الجزائر ,ليبيا , وبين تلك الدول التي تتهم على إنها عميلة للاستعمار, دول الخليج والأردن ) لوجدنا إن البون شاسع والفرق واضح وبكل المقاييس , ومن جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ففي حين إن المصريين والعراقيين والسوريين يعانون الفقر والهجرة من أوطانهم نتيجة الاضطهاد السياسي
نرى إن دول الخليج تعيش شعوبها في بحبوحة وحرية واستقرار لا باس بها , وتكفل لأبنائها مقدار من الحرية وصون الكرامة أكثر من تلك الدول التي تدعي إنها دول ثورية .
فإلى متى نبقى أيها السادة نعاند ونكابد في ظل حكام دجالين يطبلون علينا في الليل والنهار بطبول الشعارات الرنانة التي صمت آذاننا وقتلت فينا حتى معنى الإنسانية , إلى متى نبقى نثقف أبنائنا على مفاهيم انطوت وانقرضت وانتهت من أمثال مفهوم الاستعمار علما إن مرحلة الاستعمار انقضت واليوم نعيش مرحلة العولمة .
استغرب كثيرا حينما أرى الكثير من أبناء شعوبنا العربية وهم ينطقون تلك المفردات السقيمة العقيمة البائدة من أمثال الاستعمار ,وعميل, هذه الثقافة الناصرية التي انقرضت حتى في مصر نتيجة السياسة الحكيمة للسادات ونظرته الثاقبة والبعيدة التي أراد منها التأسيس لا بل العودة على ذي بدأ قبل الانقلاب الكارثي في مصر ,
والعودة بالدولة لثقافة بناء الدولة ذات المؤسسات فشرع بتحويل الاقتصاد من العام إلى الحر , وتشكيل الأحزاب والمنظمات , التي تعنى تشكيل دولة حديثة وليس تشكيل دولة منظمات سرية تقتل الوطن والمواطن وتستعمل شعارات هدفها بناء الإنسان لا تهديده .فبدلا من إلصاق التهم بالغير ووصفهم بالعملاء وتعليق كل مساؤنا ومشاكلنا السياسية والاقتصادية بالأجنبي ووصفه بالاستعمار ونغلق على أنفسنا أبواب الحضارة والحوار مع الغير , بدلا من كل هذه الشعارات الطنانة التي لم نجني من وراءها إلا الخيبة والخسران وفقدان العلماء من أبناءنا وهجرتهم إلى بلاد الغرب لما وجدوه فيها من امن واستقرار واحتضان لهم , أقول بدلا من هذا كله ألا ننتبه لأنفسنا وما نتبعه من سياسات خاطئة وعلى كل الأصعدة وبدءا من النظام الاقتصادي العام البالي الذي نبذ حتى من قبل روسيا التي هي أول من تبنته واعتمدته وحاربت به الأنظمة الرأسمالية , ومن ثم شجعت الدول وخصوصا منها الراديكالية التي تدعي بأنها ثورية على اعتماده إلا إنها أي روسيا تخلصت من هذا البلاء الذي اسمه الاشتراكية لما وجدت فيه من خيبة وتبنت بدلا عنه النظام الحر الرأسمالي فقامت بخصخصة المصانع والمشاريع الضخمة التي كانت تشكل عبئا على الدولة من ناحية الإدارة والفساد المالي والأجور ليباع إلى القطاع الخاص .
إلا إننا نرى الأنظمة( الثورية العربية ) لا تبالي بالمتغيرات الدولية ولا تستفيد من تجارب الآخرين وتصر على إتباع هذا النظام المتحجر , لا لأنها تظن إن فيه مصلحة الأمة أو الشعوب المسكينة , بل لان هذا النظام الاقتصادي المسمى بالاشتراكي يضمن لهذه الأنظمة التحكم بشعوبها من خلال سيطرتها على لقمة عيشهم التي تعطيها لهم بشكل أجور ورواتب من خلال عمل تلك الشعوب في مصانع عامة تابعة للحكومة التي تتركز كل السلطات لديها ا لعسكرية والمدنية بما فيها الإعلام والصحف , فتتحكم بقوت الموطن من خلال إعطاء من تريد هي إعطاءهم أو منع من تريد . ثم ما يضمنه النظام العام من فساد مالي كبير (لكثرة أعداد العاملين فيه) وما يتيحه من فرص للفساد الإداري الحكومي . إن نظرة متفحصة على النظام الأخر (نظام السوق أو النظام الحر) كفيل بان يوضح لنا لماذا تنبذه هذه الحكومات , فالنظام الحر يكفل للمواطن الحصول على لقمة عيشه بعيدا عن استجداء الحكومة , لا بل انه يمكن أن يعارض تلك الحكومة من دون أن يخاف على قوته وقوت عياله من أن يقطع أو يمنع لأنه يعمل في مصنع غير تابع لتك الحكومة , إذن فان تلك الحكومات ( الثورية التحررية) تخاف هامش الحرية الكبير المتاح للشعوب في ظل النظام الحر لذلك تتبنى النظام الاشتراكي الشمولي وتنسى إنها ثورية وتحررية وهذا مضحك مبكي . وتغض الطرف عما يمكن أن يقدمه النظام الحر لتلك الشعوب من ازدهار .
أذن أخواني وسادتي علينا أن ننبذ هذه الأنظمة الهالكة وشعاراتها وأبواقها لأنها لم تقدم لنا غير التخلف والتقوقع والتأخر , علينا أن ننبذ تلك الفترة التي ظهر لنا فيها دجالي السياسة من أمثال عيد الناصر وصدام وأسد ,هؤلاء الانهزاميين في حروبهم المتأسدين على شعوبهم نرفضهم ونرفض شعاراتهم تلك التي نبذت من العالم اجمع , هذه الشعارات التي أضعفت شعوبنا وقوة سلاطينهم , ننبذ تلك الفترة ونتجه لان نعيد في بلادنا دولة القانون بعيدا عن السلطان , أن نبنى دولنا على قبول الأخر ونبذ العنف والتعصب , وان نبنى دولنا على أساس متين لا على أساس دين الملك أو الرئيس المملك , فدول العالم اليوم أخواني وسادتي مبنية على الحريات المكفولة لرعاياها , من خلال:
- حكومة تنفيذية مهمتها تقديم أفضل الخدمات لشعوبها مقابل أجور تمنح لهذه الحكومة , فان أخلت الحكومة في مهامها استبدلت بغيرها ممن يستطيع , لا أن تكون الحكومة سيدة والشعب عبيد وخدم لهذه الحكومة .
- ثم برلمان يشرف على عمل الحكومة ويكون حرا في اتخاذ القرارات لا أن يكون ألعوبة بيد الحكومة وأداة طيعة من أدواتها .
- ثم جهاز قضائي حر ونزيه يحكم على الرئيس إذا أخطاء بحق شخص من الشعب لا أن يكون القاضي يستجدي راتبه من الرئيس .
- ثم جهاز إعلامي يظهر مساوئ ومحاسن القوم بعيدا عن التهديد بالسجن والاعتقال.
هذه سادتي هي مقومات الدول الحديثة ألان وغيرها ممن تسمى بالدول وخصوصا عندنا ما هي إلا كانتونات ممتلكة من قبل أشخاص يسمون أنفسهم رؤساء وما هم إلا رؤساء لعصابات.


عبد الجبار سبتي