كان سيرهم حثيثا في بادئ الامر وقد هون عليهم مشقة المسرى ان هناك بالعراق بضعة عشر الفا ينتظرون مقدم ابن بنت النبي
لقد هاجر الى العراق من قبل يوم كان له اب ملء الدنيا واليوم هذا هو يسير الى العراق مرة اخرى بعد ان فقد فيها اباه واخاه الحسن
هؤلاء هم آل النبي وزهرة بنى هاشم وزينة قريش ينزحون من ديارهم الى مصير مجهول لكنه محتوم
ذلك ان الركب لقيه اعرابيان فبدا للحسين ( رضي الله عنه ) ان يسالهما عما تركاه وراءهما بالكوفة وفي حسابه ان يصفا له حشدا مهيئا لاستقباله معيدا ذكرى مشهد استقبال جده المصطفى في هجرته .............
ولكن ما اسرع ان تبدد الحلم وتلاشى الصدى قال الاعرابيان :
يرحمك الله ان عندنا خبرا فان شئت حدثنا علانية وان شئت سرا
فنظر الحسين الى اصحابه وقال : ما دون هؤلاء سر !
قالا : يا ابن رسول الله ان قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ....فارجع ..
واخبراه بقتل ابن عمه في العراق الذي كان قد ارسله الحسين قبله وكذلك صاحبه هانئ
فنظر الحسين الى الاعرابيين اللذان ينصحانه بالرجوع وقال في جد واسى :
لا خير في عيش بعد هؤلاء
وامن القدر على ماقاله الامام الحسين .
ثم هموا باستاناف السير
وكان الشطر الباقي من الرحلة قصيرا ..........
وتوالت النذر ..........
ولاح لهم عن بعد ما ظنه احدهم نخلا .. فارتفع صوت ممن لهم بالطريق معرفة سابقة :
ما هذا الموضع والله نخل ولا نحسبنكم ترون الاهوادى الخيل واطراف الرماح
وبدا كان شبح الموت يجثم على هذه الجماعة البشرية الحزينة السائرة في بطء ولكن في عزم وتصميم نحو نهايتها المفجعة
فمال الامام الحسين باصحابه الى جبل ذى جشم فاناخو رواحلهم ..........
واطبق على الجو غيم كثيف تكشف عن (الحر بن يزيد) في الف فارس
جاء يبلغ الحسين رسالة الطاغية انى امرت ان انطلق بك الى ابن زياد او اجعع بك فلا اتركك تزول من مكانك
قال الحسين : اذن اقاتلك فاحذر ان تشقى بقتلى
وتحرك الحسين يريد السير فتصدى له الحر يسايره ويمنعه من التحرك فساله الحسين عما يريد به........... فقال :
انى لم اؤمر بقتالك وانما امرت الا افارقك حتى ا قدمك الكوفة
وانشد رضى الله عنه :
سامضى وما بالموت حار على الفتى اذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما فان عشت لم اندم وان مت لم أألم كفى بك ذلا ان تعيش وترغما
فلما سمع الحر قوله اطرق يدعوا الله ان يعفيه من قتال الحسين ( رضى الله عنه )
وشاع نبا قدوم الحسين ( رضى الله عنه ) بين اهل الكوفة فاقبل من اهلها اربعة فحسب يريدون ان يكونوا معه ..................
وفي الصبح لاحت لهم طلائع جيش الكوفة : اربعة الاف مقاتل يقودهم ( عمربن سعد بن ابي وقاص ) فلما شارفوا مكان الحسين بعث عمر اليه رسولا يساله : ما الذي جاء به .
رد الحسين كتب الي اهل مصركم هذا ان اقدم عليهم فاما اذا كرهونى فانى انصرف عنهم
فارسل عمر الى ابن زياد يساله فاخبره ان يفعل الاتى :
ان يعرض عليه بيعة يزيد فاذا فعل نبحث راينا و ان يمنعوهم من الماء
فلما اشتد عليهم العطش امر الحسين اخاه العباس بن علي فسار في ثلث صحبه تقريبا فدنوا من الماء وقاتلوا عليه حتى ملأوا القرب وعاد
كربلاء
اتجه الحسين الى اخيه العباس فطلب اليه ان يمضى فيستطلع خبر الزاحفين
فعرف انه القتال
فبعث ثانية يسالهم ان ينصرفوا هذه العشية لعلنا نصلى لربنا الليلة وندعوه ونستغفر فاذا اصبحنا التقينا اذا شاء الله فاما التسليم واما القتال
واستشار عمر اصحابه في امر التاجيل فقال منهم قائل :
سبحان الله والله لو كانوا من الديلم ثم سالوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك ان تجيبهم اليها
واجلوا الى الغد ...........
وانثنى الحسين ( رضى الله عنه ) الى اصحابه وقال لهم
اني لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا من اصحابي ولا اهل بيتي ابر ولا اوصل من اهل بيتى ...... الا واني قد اذنت لكم جميعا فانطلقوا في حل ليس عليكم منى ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا
قالوا جميعا : معاذ الله ! فماذا نقول للناس اذا رجعنا اليهم ؟
انا تركنا سيدنا وابن سيدنا وعمادنا بل نحيا بحياتك ونموت معك
واطبق على كربلاء صمت ثقيل مرهق .
وباتت زينب عقيلة بنى هاشم واخت الحسين لا تجف عيناها من البكاء ولو علمت ماذا ينتظرها وقومها غداة تلك العشية لادخرت دموعها الى الغد !!
وكانت ليلة ليلاء
وتنفس الصبح وتلاقى الجيشان
ولكن اي جيشان ؟
عمربن سعد في اربعة الاف من جيش الكوفة ومن ورائهم الدولة والسلطان والحسين واصحابه السبعين
والتفت الحسين الى جيش الكوفة وقال بعد ان حمد الله :
( اما بعد فانسبونى فانظروا من انا ثم راجعوا انفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلى وانتهاك حرمتى ؟ الست انا ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه واولى المؤمنين بالله او ليس حمزة سيد الشهداء عم ابى او ليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمى ؟ او لم يبلغكم قول مستفيض ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولاخى : انتما سيدا شباب اهل الجنة وقرة عين اهل السنة اما في هذا حاجز يمنعكم عن سفك دمى ؟
فما سمع ابلغ منه !
واستطرد يسال :
اتطلبون بقتيل منكم قتلته , او بمال استهلكته , او بقصاص من جراحه ؟
فسكتوا لا يحيرون جوابا
هنالك اخذ الحسين يتفرس في رؤوس اهل الكوفة وينادي : يافلان .............ويافلان .الم تكتبوا الى ان قد اينعت الثمار واخضر الجناب طمت الجمام وانما تقدم على جند لك مجند فاقبل ؟
فتمزقت كلماته بددا لم يكن يصغي اليه من القوم سوى الحر بن يزيد فانه قام الى قائده عمر بن سعد يساله
اصلحك الله , امقاتل انت هذا الرجل ؟
اجابه عمر : اي والله قتالا ايسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الايدى
فلم يزد الحر ......
وانثنى يدنوا نحو الحسين رضي الله عنه
ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين .......... ثم التفت الى معسكر اصحابه فقال :
يا اهل الكوفة لامكم الهبل والعبر ! ادعوتموه حتى اذا اتاكم اسلمتموه ؟
وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدتم عليه لتقتلوه
ودارت المعركة بين الالاف والعشرات ! وجعل اصحاب الحسين يتقدمون رجلا بعد رجل فقاتلوهم حتى انتصف النهار اشد قتال خلقه الله .
وكان اول قتيل منهم على الاكبر بن الحسين
وكان يكر على الكوفيين ثم يرجع الى ابيه يقول : يا اباه العطش !
فيقول له الحسين رضى الله عنه :
اصبر بني فانك لاتمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاسه
حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه واقبل يتقلب في دمه فتلقاه ابوه وهو يقول بصوت ثاكل :
قتل الله قوما قتلوك يا بني ! ما اجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفاء ..........
والرحى دائرة في جنون لا تريد ان تكف وعلى ارض كربلاء من الطالبيين حي يتنفس !
وبقى الحسين رضى الله عنه وحده
ووقفت اخته زينب غير بعيد تملا عينيها منه قبل ان يمضي حتى اذا اثخنته الجراح واوشك ان يهوي خانها جلدها فلم تعد تقوى على النظر اليه فاغمضت عينيها وأصغت بملئ جوارحها الى صيحته الاخيرة في الالوف المجتمعة عليه :
(اعلى قتلي تجتمعون ؟ اما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله , الله اسخط عليكم لقتله منى وايم الله انى لارجوا ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون . اما والله لو قتلتمونى لالقى الله باسكم بينكم وسفك دمائكم ثم لا يرضى بذللك منكم حتى يضاعف لكم العذاب الاليم
فكانما زلزل الارض تحت اقدام النتصرين .
ومكث رضى الله عنه طويلا من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لقتلوه لكنهم مضوا عنه واحدا اثر واحد لا يكاد يهم به الرجل منهم حتى يضعف ويرعد
ثم قضى الله امره وكانت النهاية المحتومة !
قتل الحسين رضى الله عنه .. وكان بجثته حين قتل ثلاث ثلالثون طعنة واربع وثلاثون ضربة
ضربت كتفه اليسرى بالسيف فقطعت
واجهزت ضربة اخرى على الشهيد
وتقدم ثالث فاحتز راسه ........... وكفت الرحى المجنونة بعد ان لم يبقى من ال البيت من تطحنه
وردت السيوف الى اغمادها حين لم يعد هناك منهم من تذبحه وتركت جثث الشهداء بالعراء
وجعلت الخيل تطا جثث الشهداء
وغربت شمس العاشر من المحرم سنة احدى وستون وارض كربلاء غارقة في الدماء
وقيل انتهت القصة ..........
قصة ثلاثة و سبعين شهيدا ثبتوا يومئذ ساعات ذات عدد امام الالاف ولم يتبقى سوى نساء ال البيت ومعهم علي ابن الحسين وكان وقتها صغيرا وجر بهم سبايا الى يزيد