إني المواطن العراقي (ف.أ.ك) أحمل الجنسية العراقية المرقمة (...) الصادرة بتأريخ (...) في
محافظة (...) وهوية أحوالي المدنية بالرقم (...) صادرة بتأريخ (...) في محافظة (...) وجواز
سفري رقم (...) صادر بتأريخ (...) في محافظة (...) أنا عراقي وابن عراقي وابن ابن عراقي ..
وجذوري كلها عراقية...
قررت أنا (...) عرض أوراقي الثبوتية للبيع... هل سمعتم أيها الناس...هي للبيع... نعم للبيع..
وأكرر بصوت أعلى، لعل هناك من لم يسمع صوتي بشكل جيد... إني المواطن العراقي (....) إلخ..
أعرض جنسيتي وهويتي للبيع...؟؟؟!!!
ربما تظنون أن فعلة كهذه لا تدل على اتزان صاحبها.. وأنتم محقون بضنكم هذا... لكن..
اسمعوا مني... قصتي... عل معرفتكم بها تجعلكم تلتمسون لي عذرا...
نظرت في أصلي فرأيت أنه أعرق الأصول... وفكرت في تاريخي فإذا هو غائر في عمق التاريخ
وهو أصل الحضارة، فيه نشأت ومنه انتشرت في أرجاء الدنيا... فيه الشموخ وفيه العز وفيه القدرة
والشجاعة والإقدام ووووو كل الخير...
أما أنا الآن فقد أصبحت على العكس تماما... لذا قررت بيع جنسيتي لمن يقدر أن يحمل
أعباء هذا الإرث العظيم...
وها أنا أتوجه إلى بلدي... أظهر له جرمي وجرم أهلي.. وتقصيرنا... وأعلمه بأننا لا نستحق
أن نحمل جنسيته...
فعذرا لك يا عراق... أنا لم أعد أستحق أن أنتمي إلى أرضك.. ولم أعد أستحق حمل هويتك ..
عذرا يا تراب العراق، بدلا من أن نروي عطشك بالماء، أشبعناك من دماء أبنائك.. وبدلا من
أن نحملك في كفوفنا ونقبلك استقدمنا أقدام كل نجس من الغرباء لتدوس على ترابك...
عذرا يا دجلة والفرات، فبدلا من أن نزرع على ضفافك الزهور والرياحين والحياة، زرعنا عليها
جماجم ورؤوس الشباب ولوثنا مياهك بكل ألوان النجاسات ..
عذرا يا نخيل العراق الشامخ المعطاء، بدلا من أن نجلس تحت ظلك ونسمعك صوت الناي أتعبناك
ببكائنا وعويلنا.. وأسمعناك آهات وآهات..
عذرا يا شط العرب، لأننا لم نصنك عربيا..
عذرا صهر رسول الله يا أبا الحسن والحسين لأننا لم ننهل من علمك وفضلنا أن نكون أغبياء ..
عذرا بصرتنا لأننا ألبسناك قناع الغرباء التعساء ..
عذرا بابل ويا نبو خذ نصر لأننا بدلا من أن نعلي جنائنك هدمنا الدور وأحرقنا البساتين...
عذرا حمورابي لأننا دسنا على قانونك وفضلنا قانون الغاب ..
عذرا كلكامش لأننا لم نتعلم منك أن الخلود يكون في البناء والأعمار ..
عذرا واسط الخير .. عذرا أبا الطيب لأنه عظمت في عيوننا صغار الأمور ولم تعد لدينا
مكارم الأخلاق ..
عذرا أشور وسرجون وأسرحدون ونينوى الآسرة العالم بعظمتها لأننا جعلناك أسيرة ..
عذرا جبال سليمانية ودهوك وأربيل الشامخة لأننا لم نكن بسموك وشموخك وارتضينا أن
نقطعك بسكين ونفصلك عن أمك لتبقي مدى الدهر يتيمة ذليلة ..
عذرا أرض الأنبار، يا أرض الشهامة والكرامة لأننا جعلناك مأوى للغزاة ..
عذرا ديالى لأنك نشرت علينا رائحة القداح والبرتقال ونحن نشرنا فيك الدخان والموت ..
عذرا يا سامراء لأننا لم نجعل من يراك يسر بل جعلنا من ظلمنا الكل منك يفر ..
عذرا أيتها الجوامع والمساجد والحسينيات وكنائس، لأننا لم نعد نميز بين العابد والمعبود، وأصبح
الكل يتكلم – باسم الله- وعلينا التأمين والتسليم ..
عذرا نفط العراق لأننا سرقناك وأهديناك وهدرناك ولم نجعل للأهل فيك نصيب يقيهم الأيام العجاف..
وأخيرا... بحسرة وأسى وبكل دموع الدنيا أعتذر وأعتذر وأعتذر يا عاصمة الرشيد يا قلعة الأسود
يا دار السلام لأننا لم نجعلك تنعمين بالسلام .. أغطي وجهي بكفيَ لأني لا أطيق النظر إليك
وأصرخ معتذرا... عذرا يا بغداد... عذرا يا أعظمية لأننا تجاسرنا على عظمة تأريخك وعظمة
أبطالك... عذرا يا أيها الكاظم غيظه لأننا لم نكتم غيظنا ولم نمد أيدينا بالصفح لأقرب الأقربينا...
وعذرا أبا نؤاس لأننا لمناك على كأس خمر، ونحن قد أسكرنا نسائنا وأطفالنا وأبناءنا من هول
جرائمنا وعظم ظلمنا... عذرا يا أيها المنصور والمستنصر لأننا رفضنا العلم والنور وأرتضينا
الظلام بديلا، وقتلنا علماءنا بدل أن نقف لهم تبجيلا...
فهل بعد كل هذا أستحق أن أحمل جنسيتك يا عراق... كلا وألف كلا...
أنني أصغر من أن أنتمي إليك... فأنا أتفه من أن أحمل هويتك...
يا عراق... عذرا عذرا
اتمنى ان ينال اعجابكم تحياتي .....فارسة الظلام