الطيف الذي كان
هَاجرتْ جُدرانُ قلبي نبضَها من ضوءِ بحرٍ
قادمٍ خلف المُحيطِ
راجزًا دفقًا بهيَّا
من ضلوعِ العودِ في قهرِ اليتيمِ
أَنَّ في رحلي شتاءًا
طيفُ محبوبي، وغنَّى
من جذوع النَّخلِ لحنًا ساطعًا فينا شجيَّا
ثمَّ غطَّى هودجَ الأُنثى سرابًا بربريَّا
والغيومُ الأمسَ فاضتْ فوق صحراءِ الرحيلِ
ثمَّ مالتْ من يمينٍ للشمالِ
تَعكسُ اللَّونَ الحبيبَ
قوسَ ظلٍّ فاتنٍ هزَّ المدى هزًّا عَفيَّا
فَارْتَمَينَا بين أطيافِ الطيورِ
طيفُ ضيفٍ قد أتانا
منْ سماءٍ بين خضراءِ المُحيَّا
أو سماءٍ كانشقاقِ البحرِ طودًا كانَ ريَّا
وانتشينا من دُعاءِ الكونِ فينا
هَدْهِدُوا صبحَ الحضورِ
وانقروا طيفَ الغيابِ
هاهُنا حلَّ الشِّتاءُ
هاهُنا حلَّ المصيفُ

"لَيْلُنا بحرٌ جديدُ
صُبحُنا صبحٌ سعيدُ
غارُنا درعُ النِّداءِ
حلمنا وطءُ اللِّقاءِ
حين نامتْ في عيوني
همهماتٌ للشّجونِ".

جاءني طيفُ الحضورِ
بين صدقٍ والمنامِ
والعصافيرُ الحيارى فوق أرضي
قد غزلنَ الجمرَ فيَّ
مهرجانًا من خيوطِ الهمسِ سحرا
أو براحًا من ضياءِ الوجدِ نَهرا
والسَّماءُ
في غطاءٍ من بهاءِ الصَّحوِ كانتْ
تَمنحُ الأمرَ الرَّجاءَ
كُنْ أَيا طيفَ الحضورِ
صوتَ حقٍّ أو نداءً مخمليَّا
وامنحْ القلبَ الصَّفاءَ
من حضورٍ للغيابِ
من غيابٍ للحضورِ
هاهُنا الأضواءُ باءتْ بالرَّحيقِ
والنُّجومُ
شقَّها رفقُ الرَّفيقِ
والرَّحيمُ
شدَّ أغصانَ الحياةِ
فاسْتحالتْ بهجةً بين الرِّياضِ
والأماني قدْ كستْ وجهَ الرياحِ
والغريبُ
عن عيوني لا يغيبُ
شقَّ كوني في ضلوعي
كي أفيقَ
في دلالاتي نجيَّا
ضمَّني ضمًّا نديَّا
فارتويتُ
شهدَ أزكارَ الوجودِ
وانتشيتُ
إِذ كأنِّي صرتُ طيرًا بين أسرارِ الحياةِ
أذكرُ الموجودَ نيَّا
حين طابَ
أَرصدُ الموعودَ طيَّا
إِذْ كأَنِّي كالنَّسيمِ
حين فرَّ
من قيودٍ مُثقلاتٍ
نحو وادٍ للصلاةِ
حين جلَّ.

"دَثِّرِيْنِي، دَثِّرِيْنِي
رَجْفةُ ضمَّتْ يَقِيْنِي
ضمَّنِي روحُ الأمينِ
واصْطَفَانِي لِليمِيْنِ
دعوةً تَزْهُو بِدِيْنِي
دَثِّرِيْنِي، دَثِّرِيْنِي".

مرَّ طيفٌ من عيوني
حاصدًا قبحَ الظُّنونِ
ناظرًا شعرى غديْرًا من جنونِ
بَاسطًا كفَّ الخروجِ
للحيَاءِ
من شجوني
واصلاً روحي ضياءً بالرَّحيمِ
هاهُنا الأسماءُ تَترى
هاهُنا الأرجاءُ كُبرى
هاهُنا لحنُ الخلودِ
قدْ سَقَاني ربُّ قلبي
جرْعةً خمرَ النَّقاءِ
فاصْطَفَيْتُ اللهَ دربًا لِلصعودِ
وانحنيتُ
ساجدًا للهِ شُكْرًا.

"زَمِّلِيْنِي، زَمِّلِيْنِي
وِتْرُنَا حبلُ الوَتِيْنِ
واليَقيْنُ الحيُّ دِيْنِي
والنَّوَاهِيْ في يَمِيني
والنَّوَاصي منْ جَبِيْنِي
فاتْرُكِيْنِي ، وَاتْرُكِيْنِي
راكبًا بَرْقَ الحَنِيْنِ
زَمِّلِيْنِي، زَمِّلِيْنِي".

أَيُّها المبعوثُ نورًا لِلعبادِ
قدْ أَضَأْتَ الغفلَ قلبي بالجِهادِ
فارْتَضَيْتُ العمرَ أَمضي من سُهادٍ لِلسُّهادِ
طائعَ الأحلامِ أَسري من ودادٍ لِلودادِ
لا يُواتِيْنِي خداعٌ من قديمي أو جديدي
باسطًا كفَّ الخضوعِ
كَاسرًا وهمَ الرِّجوعِ
آمِنًا عندَ الخشوعِ.

د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر
1989