إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا....
الاحزاب 23
صدق الله العلي العظيم
لقد دار في هذا الزمان وفي غيره من الأزمان جدال كثير حول أصحاب آية التطهير وها نحن هنا بصدد طرح هذا البحث مبينين بأدلة عقلية ونقلية من كتب جمهور المسلمين وملتزمين بأسس الطرح العلمية الدينية لنبين كيفية ورود هذه الآيات وبمن وردت.
أقرب الأدلة وأوضحها فيما جاء في تفسير هذه الآية من روايات عرفة عند أصحاب الحديث بحديث الكساء لا تقل صحته وتواتره عن حديث الثقلين :
1. روى الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين في الحديث الجزء (3) ص 197-198:
عن أبي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أنه قال : لملا نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رحمة هابطة قال : (( أدعو لي ، أدعو لي )) فقالت صفيه : من يا رسول الله ؟! قال : أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه ، ثم رفع يديه ثم قال : اللهم هؤلاء آلي وأنزل الله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد .
2. وروى الحاكم مثله في نفس المصدر عن أم سلمة قالت : (( في بيتي نزلت – إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت – فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى على وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي .)) ثم قال الحاكم هذا صحيح على شرط البخاري ، ورواه في موضع آخر عن واثلة وقال صحيح على شرطيهما .
3. رواه مسلم في صحيحه باب فضائل أهل البيت عن عائشة قال : (( خرج رسول الله غداة عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))
وجاء هذا الخبر في روايات متعددة في الصحاح وكتب الحديث والتفسير وهي صحيحة ومتواترة لم يضعفها أحد من الأولين والآخرين وإليكم بعض مصادرها :
أ. البيهقي في السنن الكبرى ، باب بيان أهل بيته والذين هم آله
ب. تفسير الطبري ج 22 ص5
ج. تفسير ابن كثير ج3 ص485
ء. تفسير الدر المنثور ج5 ص198-199
هـ. صحيح الترمذي ، باب فضائل فاطمة
و. مسند foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? ج6 ص292-323
وغيرها…
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و الطبري وابن مردويه عن أم سلمة زوجة النبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتها على منامة له على كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال : الهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالها ثلاث مرات.
قالت أم سلمة : فأدخلت رأسي في الستر فقلت : يا رسول الله وأنا معكم فقال : إنك إلى خير (مرتين) .
وهذا يثبت أن نزول الآية وحديث الكساء حدثان مرتبطان ببعضهما البعض لا تفصل بينهما فترة زمنية ، ومما يدل على أن آية التطهير نزلت في أصحاب الكساء خاصة الأحاديث التالية :
في الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : شهدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم أربعين صباحاً إلى بابها يقول : السلام علكم أهال البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أنا حرب لمن حاربتم وأنا سلم لمن سالمتم .
ورواه أيضاً عن ابن أبي شيبة وforaten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? والترمذي حسنه وابن جرير وابن المنذر والطبري والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس لفظه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول : الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً .
والروايات في هذه المعاني من طرق أهل السنة كثيرة ومن أراد الإطلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحراني والعبقات .
ولإثبات ورودها بهم خاصة نرد على هذه الشبهات :
1. إن قيل هذا مدفوع بنص الكتاب– ورودها بأصحاب الكساء – على شمولها لهن كوقوع الآية في سياق خطابهن (( لورود نون النسوة في الآيات السابقة )) :
إنما الشأن كل الشأن في اتصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة ، و يؤيده أن آية ((وقرن في بيوتكن)) على انسجامها وأصلها ولو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جملها ، فموقع آية التطهير من آية (( وقرن في بيوتكن )) كموقع آية (( اليوم يئس الذين كفروا)) من آيات محرمات الأكل من سورة المائدة .
2.إن قيل أن المراد بإذهاب الرجس والتطهير مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي وامتثال الأوامر فيكون المعنى أن الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم وإنما يريد إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم على حد قوله : (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم )) المائدة : 6 ، وهذا المعنى لا يلائم شيئا من معاني أهل البيت السابق ، لمنافاته البينة للاختصاص المفهوم من أهل البيت لعمومة لعامة المسلمين المكلفين بأحكام الدين.
3.وإن كان المراد بإذهاب بالرجس والتطهير التقوى الشديد البالغ ويكون المعنى:
أن هذا التشديد في التكاليف المتوجهة إليكن أزواج النبي وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به بل ليذهب عنكم الرجس ويطهركم ويكون من تعميم الخطاب لهن ولغيرهن بعد تخصيصه بهن ، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً لغيرهن وهو ظاهر ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهن فإن الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف وتضعيف الثواب والعقاب .
4. لا يقال : لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير إليهن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكليفه شديد كتكليفهن ؟
لأنه يقال : أنه صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بعصمة من الله وهي موهوبة إليه غير مكتسبة بالعمل قلا معنى لجعل تشديد التكليف وتضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له امتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية ولذلك لم يصرح بكون الخطاب متوجهاً إليهن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، أحد من المفسرين وإنما أوردناه لتصحيح قول من قال : أن الآية خاصة أزواج الني صلى الله عليه وآله وسلم . والرجس – بكسر فالسكون – صفة من الرجاسة وهي القذارة ، والقذارة هيئة من الشيء توجب التجنب والتنفر منها ، وتكون بحسب ظاهر الشيء كالرجاسة الخنزير ، قال تعالى : (( أو لحم الخنزير فإنه رجس)) الأنعام : 145 ، وبحسب باطن – وهو الرجاسة والقذارة المعنوية – كالشرك والكفر وأثر العمل السيئ ، قال تعالى : (( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم ماتوا وهم كافرون )) التوبة : 125 ، وقال تعالى : (( ومن يرد أن يظله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ))الأنعام : 125
وأيا ما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري من تعلق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيئ وإذهاب الرجس – واللام فيه للجنس – إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطئ حق الاعتقاد والعمل فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد وسيئ العمل.
على أنك عرفت أن إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم اختصاص الخطاب في الآية بأهل البيت ، وعرفت أيضا أن إرادة ذلك لا تناسب مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العصمة .
فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة ويكون المراد بالتطهير في قوله : (( ويطهركم تطهيرا )) – وقد أكد بالمصدر – إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد ذهاب أصله ، ومن المعلوم أن ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحق فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل ، ويكون المراد بالإرادة أيضا غير الإرادة التشريعية التي هي توجيه التكاليف إلى المكلف لا تلائم المقام أصلاً .
والمعنى : أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصهم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل وأثر العمل السيئ عنهم أهل البيت وإيراد ما يزيل ذلك عليهم وهي العصمة .