نا على يقين أنك رجل طيب جداً لكنّي أنثى بنكهة وطن...

وتعود إليّ محملاً بخطيئة وحسنة ،تظن أن النظر في عينيّ كافٍ ليمسحَ عنك الخطايا ويعيد إليك تفاصيل كلّ قضيةٍ تنازلت عنها لتحصل على بطاقة سفر. يملؤك الظن أن تفاصيلك الصغيرة ستكون كافية لملئ ثقوب روحك الكبيرة وأن أحلامك على اتساعها أكبر من عيني وطن.

وتطرقَ بابي ، وملامح وجهك توحي بالأسف ، كلماتٌ كثيرة تتسربلُ ملامح وجهك وثنايا قميصك ، تظن أنّ لها ما لها من القوة والسطوة والقدرة على ملئ تجاويف روحي بالأمل.

يُدعى " وطن" ، وكلُّ القضية أنه لا يعرف رائحة الوطن ، وطنه كان غرفةً بالإيجار ودفتر وقلم ، فنجان قهوة وسيجار وكرسيّ خشبيّ وامرأة لا تجيد ارتداء إلّا الأسود.

يا أنت كم تبدو سيءَ الحظِّ لتورطك معي وكم أبدو غبية حين أرفض هداياك وثوبك الأسود ولكنتك الإيطالية وسيجارك وفنجان قهوتك.

تخبرني أن معطف أسود بأزرار دائرية كبيرة يليقُ بي ، وأنا نسيتُ أن أخبرك أنني لا أرتدي معاطف الشتاء ولا أتناول كوب حليب في المساء ، أنا أهوى البرد وأجد نفسي كلما عانق أوصالي نشيج مزراب المطر.

ويأتي المساء ، وتظنُ أنني سأقيد لك يديّ شموعاً وسأضيءُ عتمة الليل وسأكتب قصائد الإنتظار ، ستعود الليلة وربما أكون هنا وربما لا أكون ...

سيغلف الصمت ليلك ولن تجد كمثلي أنثى تحيك الخوف معاطف أمان ، ولن أجد كمثلك رجلاً يحيك الغربة قضية انتماء .

ستتدثر ببقايا رائحتي ، وتختبر شعور الغرق في صمت نساء يتهافتن عليك ليملأن روحك بحفنات ميتة من كلام فارغ ، وأمل يملأ أرواحهن أنك ربما تعيد التفكير بالقرار ، كلّهن حمقاوات يا وطن...

لقد رحلتَ، وكيف لمسافرٍ أحرق كلّ مراكبه أن يعود من سفر ...

أنت كأي شيء آخر غاب في الزحام ...

تظنُّ كلّما التقينا أنك وجدت ضالتك ، وأنك وجدت مكاناً يليقُ بك وملجأ ، وأظن كلّما التقينا أن مثلك لا يملك مفتاح بابٍ ليغلقه في المساء .

سيظلُّ بابك مشرعاً دائماً لاستقبال الزوار ، ولن تشعر بالإكتفاء ، ستظلُّ تشعر أنك بطل أسطوري لا يجب أن يبقى في مكان واحد وأن هناك مبرر مقنع لتغادر عتبة كل باب وطأته صدفة .

كنت أعلم ، وقررت أن لا أكون كأي امرأة أخرى عرفتها ، تحيلُ ليالي انتظارك "نكداً" ، سأكون عاقلة بما يكفي لأوضب حقيبة سفرك وأقبل قرارك بابتسامة تملأُ ثغري وأصبع من حديد ينكأُ جرح قلبي فيحيلني رماداً يقف منتصباً على إطار من خشب.

أحيانا نظن أننا نملك كل المفاتيح السحرية لنحيل الجبال سهولاً فلا نتعثر بالطريق ، وكلّ طرق المنطق لا بدَّ أن تحوي اشارة استفهام كبيرة تحيلُ النهار ليلاً وتنفث في دربنا الضباب ، لذلك كلّما كنت على ثقة أن شيئاً لن يقف في درب سفرك أيقنت أكثر أنك رجل ما زلت تجهل ما تريد.

أنت طيبٌ جداً ، لك ابتسامة سحرية تحيل العواصف نسيماً يداعبُ القلوب ، تدير رأسك في الأرجاء تجالس طاولة في زاوية المقهى تنفث دخان سيجارتك وتظن أن النساء ، كلّ النساء ، سيرسلن إليك بطاقة بريدية في الصباح .
وتخبرني كلّما التقينا أني كلّ النساء ، وأني أنثى تختصرُ كلّ الأشياء ، لذلك لا تظن أني سأغلف ليالي انتظارك ببطاقة موقعة بأمسية واستقبلُ صباحك "بصباحك سكر"...

هذه المرة سنلتقي ، سألقي بين يديك راحتي وأهمس في أذنك، ما عدتُ أجيد الكلام...

نحتاج للصمت ، علّنا نرتقُ كلّ ثقب أحدثه وقع الرحيل في نفس مهاجر ما زال يبحث عن وطن ، كان يظن أنه هذه المرة وجد ملاذه الأخير ، فأفرغ حقائبه واستلقى على صدرك ، واندس في حضنك بهدوء .

ما الذي تغير ؟ أنا ، أنت ، نحن أم نكهة المطر؟

ما زالت أمي تسألني عنك ، هذه المرة سأجيبها ببرود ، لقد رحل.وستنظرُ إليّ بهدوء دون أن تعانقني أو تنبس بكلمة عزاء ، لا لشيء فقط حتى لا تنكأ جرح قلبي فتنثرني رماداً.

أنت الآن تعرفُ عنواني ، وتقرأني كما الغرباء ، وتترك تعليقاً من مجهول بعنوان إلكتروني لا يعرفه غيري ، تظنُ أني قد نسيتك وأن جرحي ما عاد ينزف على ترابك. تترك توقيع المسافرين وتستمر في حبك حكاية من وهم " أنك هذه المرة ستستلم لعينيّ أنثى تختصر الوطن"...

لم أتماثل للشفاء بعد ، لكنني هذه الليلة سأستقبلك بكامل أناقتي العاطفية ، وأختصر لك كل طريق من تأنيب ضمير أو حاجة أو تعب ، سألقي عليك السلام واتكأ على باب دارك استقبل أنثاك وأهدي صغيرك قبلة وأخبرك أن النسيان نعمة خلقت لينعم بها الجميع .بعدها أغلق الأبواب خلفي واهمس في أذن أنثاك أني ... "أنثى بنكهة الوطن




بقلمي

بنت القمر