"أناجيل"..شعراؤه من زمن لم يأت بعد

كتب عن الأنبياء والمصلوبين وبشر بمدرسة جديدة

الثلاثاء , 7 فبراير 2012 م




نجلاء حسن(صحفية من اليمن) في صحيفة الغد
لأن "أناجيل" مدرسة شعرية جديدة، تبدو قراءته لعرضه، أشبه بمجازفة كتابية، غير أن قوة جذب تدعوك لخوض غمارها.
صدمة إبداعية كاملة إن جاز التعبير، تتحقق بقراءتك النصوص بين دفتي الكتاب، نصوص كتبها أربعة شعراء يمنيين، (شاعرين وشاعرتين)، فما تقرأه من كلمات كتبت لتكون شعراً مدهشاً بهذا المعنى.
الجمل الشعرية الواردة في النصوص، لا تشبه الشعر المعروف، لا في البناء ولا الموضوع، ولا تشترك مع الشعر "المألوف" إلا بكونها تعتمد العربية لغة لصياغة كل هذه الدهشة.
يروج "أناجيل" وهو العنوان الذي اختاره الشعراء لديوانهم المشترك الأول، لما يعتبرونه نهجاً شعرياً جديداً أو مدرسة شعرية أسموها "التعميدة"، ودلالة هذه التسمية بحسبهم، معنيان.
المعنى الأول اشتقاق من العمود والتفعيلة، حين يدوران ويكونان وزناً جديداًَ في إطار التفعيلات أو المزج بينها، وثانيهما هو تعميد الشعر بعضه بعضاً فالنثر يعمد العمود، ويعمد التفعيله، ويعمد التدوير داخل العمود ويعمد التعميد بكل أشكاله أخذاً المصطلح المسيحي والصوفي لمعنى التعميد فالمسيحيون يعمدّون بالماء، والمتصوفة بالوشاح الأخضر.
وعلى هذا النهج يستدل الشعراء الأربعة في كتابهم الأول "أناجيل" على أن مراحل الشعر يقود بعضها بعضاً، وأن إصدارهم هو مدرسة جامعة لما سبق، في دائرة أعم، كما يرد في المقدمة التي اختاروا لها عنواناً "سفر التكوين".
وهذا الاختلاف في العناوين عما هو مألوف لا يقف حد المقدمة ولكن يسبق ذلك العنوان الصادم للكتاب والذي يقول عنه الدكتور عبد العزيز المقالح في تقديم العمل أنه سيكون الصدمة الأولى لعين القارئ ثم حواسه..
ويضيف د.المقالح:"...قبل أن يمضي – أي القارئ- في القراءة ويضع يده على المعنى الذي دفع بهؤلاء المبدعين إلى اختيار ذلك العنوان من جهة، وإلى التخفي وراء رموز ومسميات غريبة وجديدة من جهة أخرى".
وهذا ما تلمسه من الصفحات الأولى للديوان الشعري "المختلف" أناجيل، فهناك على الغلاف ترتسم أسماؤهم الحقيقية، غير أنهم يختارون أسماء أخرى يتحركون بها على صفحات الديوان، ويقدمون مختصرات لسيرهم الذاتية بعناوين لا تقل غرابة عن أسماء أصحابها.
الشعراء هم أحلام شرف الدين، واسمها داخل الديوان "كناري السلام"، أما الشاعرة أميرة شايف الكولي فاختارت لها أسم "المجدلية" ويختار الشاعر حسن شرف المرتضى "المصلوب" اسماَ له، فيما يسمي محمد عبدالقدوس الوزير نفسه "مُريد الفتوح".
وفي سفر تكوينهم يكتب "رفاق أناجيل" تفسير عنوانهم، إذ يعني التبشير السار باللاتينية وهم بذلك يوثقون لما يسعون إليه وهو التبشير بمدرسة شعرية جديدة، لا تهتم فقط بالشكل بل بالمعنى.
ويأتي في سفر التكوين:"...فأناجيل لا تهتم بالشكل بل بالمعنى الذي يراد منه لأناجيل التبشير به، ليس أشكالاً جديدة أو التحديث النمطي فقط، فالرسالة التي تحملها أناجيل عابرة للحدود داعية للسلام بين الثقافات لا تصادمها...".
على صفحات الديوان تلتقي بأسماء الأنبياء، يكتبها الشعراء الأربعة عناوين جانبيه لنصوصهم الشعرية الصادمة في شكلها وصياغتها، وتعابيرها، باقترابها مما لم يقترب منه الشعر قط أو ربما لامسه على بعد، وبما يظهر للقارئ لأول وهلة أنهم يمسون بشعرهم خطوطاً لا يجب تعديها.
لكن بمضيك في قراءة الديوان ستجد نفسك مشدوداً لما يكتبون، لجهة اختلافه وتميزه كتجربة شعرية منسجمة بين أربعة شعراء، لتبدو على تمايزها نسيجاً موحداً، يدعو للدهشة.
أناجيل وإذا ما صنف، فهو أربعة أناجيل أو دواوين أولها يضج بأسماء الأنبياء ويكتب في تفاصيل من حياتهم، والثاني عن نساء في حياة الأنبياء لقناعة شعراء الديوان بأن وراء كل رجل عظيم امرأة.
أما الديوان الثالث أو الجزء الثالث من الديوان فيكتب عن شخصيات عارضت النظام في أزمنة عدة فكان نصيبها الصلب، فيما يكتب الديوان الرابع عن أعلام الصوفية وشخصيات برزت دينياً.
غير أن ما يلفت الانتباه هو أن التسمية المتبعة ليست الديوان وإنما "مزمور" تبعاً لعنوان الديوان "أناجيل"، وهذه "المزامير" إن جاز الجمع تكمل مشوارها في الديوان الثاني "أناجيل2" والذي يبشر بها الشعراء في ديوانهم الأول.
ولأجل هذه التسميات الغريبة تجد توضيحاً اجتهد الشعراء في وضعه على هامش سفر تكوينهم يأتي فيه أن سفر التكوين أو أناجيل لا يقصد بها مجملاً محاكاة الكتاب المقدس أو عمل كتاب بموازاته.
ويضيفون:"وإنما نقصد به عملاً أدبياً بحتاً يبشر بمدرسة أدبية جديدة ويبشر بكثير من الأحداث في الآتي ونرصد في هذا السفر تطور المدارس الأدبية إلى حين خروج مدرسة التعميدة إلى النور وكيفية التدرج والتهيئة لها".
وعودة إلى الإهداء والذي لم يخل منه الديوان، فإن الشعراء اختاروا إهداءات من سطر واحد لكل منهم، بدت غامضة لن يعرف معنى أي منها إلا صاحبها، فكناري السلام أهدت ديوانها إلى عازف يترجم مشاعر الصمت بأوتار تعميدة حالمة.
والمجدلية أهدته إلى دلو الضباب معمدان نصف العبقرية، والمصلوب أهدى الديوان إليها وهي من فقط بعد والدته روضة خابية يترنم لها لتسيج هاجسي من أوله إلى آخره، ليهدي مريد الفتوح إلى كل من عمدهم العلو والعمق فوق أخشاب الصليب.